بات الانشقاق والصراع الداخلي بين الأقطاب الإسرائيلية يشكل تهديدًا للاحتلال الذي يمكن أن ينهار في ظل تصاعد الخلاف وتراجع ثقة المجتمع الإسرائيلي في حكومته والجيش.
ويصف رئيس أركان جيش الاحتلال السابق غادي آيزنكوت، مشروع "الدولة الواحدة"، بأنه دمار "للحلم الصهيوني"، مشيرًا إلى أن الضعف الداخلي الإسرائيلي أكثر خطورة من التهديدات الخارجية لدولة الاحتلال.
وقال آيزنكوت في حوار مطول مع صحيفة معاريف: "الأهم من كل التهديدات الخارجية، وأن ما يقلقه هو تراجع التماسك الاجتماعي والداخلي في (إسرائيل)، لأن الصدع في المجتمع الإسرائيلي، والقطيعة المتبادلة بين القادة، وتدهور الحكم، وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة والمحاكم، وانتشار الجريمة، أكبر تهديد يواجه مستقبل الدولة".
ويضيف "الإسرائيليون قلقون ليس بسبب التهديد الإيراني، ولكن بسبب الضعف الداخلي، وضعف التماسك، وعدم المساواة، والنزاع بين القطاعات الاجتماعية، وعدم استيعاب الجمهور بأكمله في المجتمع، صحيح أنني لا أستخف بالتهديدات الخارجية، وأتعامل معها طيلة حياتي، لكن الصمود القومي للمجتمع الإسرائيلي أهم عنصر في الأمن القومي".
وأشار إلى أنه عندما انخرط في الجيش عام 1978، انخرط ما نسبته 88٪ من المجندين، يهودًا ودروزًا، لكن عندما جند ابنه الأصغر في 2015، تم تجنيد 67٪ فقط من الإسرائيليين، عادا ذلك تراجعا مريعا وخطيرا.
ولفت إلى أن غالبية المجندين يفضلون التوجه للخدمة العسكرية في وحدات السايبر، و8200، والوحدات التكنولوجية، مما يعني أن استعدادهم للحرب والقتال والمجازفة آخذ في التراجع.
ويرى الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي أن مشكلة النزاعات الداخلية ضمن المشاكل الاستراتيجية التي تواجهها دولة الاحتلال طيلة السنوات الماضية، إلا أنها ظهرت في السنوات الأخيرة بشكل كبير ما انعكس على الوضع الداخلي والأمني والحكومي.
ويوضح الرفاتي في حديثه لـ"الرسالة" أن الخلافات الداخلية لدى الاحتلال تتعاظم في ضوء عشرات الأحزاب التي تتصارع على السياسة والحكومة، فالحالة الداخلية (الإسرائيلية) مقلقة للمفكرين الإسرائيليين الذين يرون أنها تعاني من انقسامات حادة على صعيد الواقع السياسي ما بين يمين ووسط ويسار ومتدين وعلماني.
وذكر أن هذا النزاع يأتي في ضوء تقلص القضايا المركزية التي يمكن أن تجتمع عليها مختلف الأطراف ما يشكل تهديدًا قد يدخل الدولة في دوامة الانتخابات المتكررة مجددًا والفراغ السياسي دون وجود حكومة قوية قادرة على اتخاذ خطوات استراتيجية.
ويشدد على أن من أبرز المشكلات في (إسرائيل) حالة عدم الاستقرار السياسي داخل الحكومة والمركزية المفرطة، وانعدام الثقة بين المنتخبين والمهنيين، والتعاون غير المرضي بين الوزارات الحكومية.
ويشير إلى أن النزاعات الداخلية تمثل فرصة لمشروع المقاومة، إذ إن هذا العامل يعد مانعًا لاتخاذ الاحتلال خطوات خارج العادة في التعامل مع المقاومة، وهذا الأمر يمثل فرصة للمقاومة لتحديد وقت الهدوء والحرب، واستخدام ورقة الضغط العسكري لتحقيق أهداف مرحلية.
ويعتقد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر أن تفاقم التحديات التي يواجهها الاحتلال، وزيادة التهديدات التي يُظهر أمامها عجزًا متفاقمًا، أظهرت نقاط ضعف لم تكن حاضرة في سنوات سابقة.
ويشير أبو عامر في مقال له أن آخر هذه المؤشرات ما كشفه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" في الأيام الأخيرة، عن معطيات تتعلق بتراجع ثقة (الإسرائيليين) بجيشهم وقيادتهم، ووصلت النسبة إلى 78٪ فقط، وهو أدنى مستوى منذ 13 عامًا، بعد أن وصلت نسبة الثقة فيه وفق مؤشرات سابقة إلى 90%، وهذا يعني أننا أمام أدنى نسبة ثقة منذ عام 2008.
ويلفت إلى أن هناك تراجعا كبيرا في ثقة الجمهور بقدرة (الدولة) على مواجهة تهديدات خارجية، وهذه معطيات تزعج القيادة العسكرية، التي أجرت استطلاعات سرية أعطت نتائج مشابهة في الماضي، وأقيمت لجان خاصة في الجيش؛ لمعالجة المشكلة، وإعادة الثقة للشباب، ومنع تدهور الوضع أكثر.