قائمة الموقع

"أجنة غزة" .. شهداءٌ في أرحام أمهاتهم!

2014-11-11T15:56:57+02:00
(صورة من الأرشيف)
الرسالة نت-عبدالرحمن الخالدي

كعادة كل أم، انتظرت "وسام" مولودها لتكحّل أعينها به وتضمه بحنانٍ بالغٍ قبل أن تطبع على جبينه القُبلة الأولى في حياته، لكنّ شيئًا من هذا لم يحدث، فغدرُ الاحتلال واقعٌ وقضاء الله نافذ.

أيامٌ قليلة تبقت على قدوم مولودها الذي جهّزت له أفضل الثياب وأبهى لوازم الأطفال، إلا أن أحلامها تناثرت وأُحبِطت كل تجهيزاتها، بعدما انهالت مدفعية الاحتلال على منزلهم في حي الشجاعية الذي شهد مجازر بشعة خلال العدوان الأخير على القطاع.

وسام ابو عصر (30عاما) أم لأربعة أولاد وفتاة، تصف ما حدث لها قائلةً: "كنت حاملا بالشهر التاسع، وبدأ العدوان على غزة، وقامت مدفعية الاحتلال بإطلاق قذائفها صوب منازلنا وفوق رؤوسنا، فعشنا ليلة مرعبة من الخوف والقلق".

"صباح مجزرة الشجاعية انطلقنا مسرعين هربًا من منازلنا، ونزحنا لمنطقة الشعف شرق مدينة غزة،  فكانت الشوارع كلها مليئة بالمذعورين من الجيران وأهالي الحي، جميعنا نهرب مشيًا على أقدامنا فلم نجد أي وسيلة مواصلاتٍ حينها"، تُكمل لـ "الرسالة نت".

"

انتهاء العدوان لا يعني انتهاء المعاناة الناجمة عنه، فآثاره ونتائجه تبقى تلاحق ضحاياه لسنوات

"

لم يكن أمام "وسام" وزوجها وأطفالها خيارًا غير المشي كباقي أهالي الحي، إلا أنه بطبيعة حملها لم يكن الأمر عليها سهلًا، حتى وصلوا إلى "موقف جباليا".

بعدها تقول: "هناك توقفت عن المشي لإرهاقي الشديد فقام زوجي بطلب سيارة لنقلي إلى مستشفى دار الشفاء، وما أن وصلت إليه حتى أجريت لي الفحوصات الطبية اللازمة، لتظهر أن طفلي هالكٌ ومتوفي داخل أحشائي".

أحلام مفتتة

أسرع الأطباء بنقل "وسام" لغرفة العمليات لإجراء عملية قيصرية لاستخراج جنينها، ليجدوه مفتتا من هول القصف المدفعي والخوف الناجم عنه، إضافة للمسافة الطويلة التي قطعتها "وسام" على أقدامها.

شعورها في تلك اللحظة وصفته "وسام" بكلماتٍ بالكاد خرجت من حنجرتها قائلةً: "كنت أحلم بولادة طفلي في ظروفٍ طبيعية، لكن شعور الانكسار والحزن على طفلي المنشود كان أعمق من أي وصف يذكر، وأرجو من الله عز وجل أن يعوضني خيرًا".

"


القدرة: مئات الحالات المشابهة في قطاع غزة تعرضت للإجهاض خلال العدوان الأخير

"

انتهاء العدوان لا يعني انتهاء المعاناة الناجمة عنه، فآثاره ونتائجه تبقى تلاحق ضحاياه لسنوات، فمنها ما هو مادي ومنها ما هو نفسي، ومنها ما لا يعلمه إلا الله .

قصة "وسام" شابهتها حكاية معاناة ديبة العريني (42 عاما) من مخيم الشاطئ للاجئين، فرغم تحملها مشاق حملها بهذه السن الخطرة، وبقائها دائمًا تحت المتابعة والرعاية الخاصة، إلا أنها وقعت هي الأخرى ضحية إجرام الاحتلال وإمعانه بقتل حتى الأطفال في بطون أمهاتهم.

"كنت أحلم أن أحضنه بين ذراعي، أن أهدهد عليه وأروي شوق عيني له، وانتظرته تسعة شهور ليأتي إلى هذه الدنيا رجلا بمعنى الكلمة، ويملأ علينا أرجاء منزلنا، لكن حلمي به لم يكتمل وذهب أدراج الرياح بعيدا بكل حزن وألم"، بهذه الكلمات تمتمت الأربعينية ديبة خلال بدء الحديث معها.

وتضيف "نتيجة هول ضربة طائرات الاحتلال لمنزل آل كلوب المجاور لنا، قفزت عن الأرض مسافة ما يقارب نصف متر، لأهبط بعدها على ظهري ويبدأ الألم الشديد والصراخ".

سقوط العريني سبب لها نزيفًا حادًا نُقلت على إثره إلى مجمع الشفاء الطبي صباح اليوم العاشر من شهر أغسطس خلال العدوان، ليرفض الأطباء بعدها إجراء عمليةٍ قيصرية لخطورة حالتها الصحية، حيث أنها لا زالت في النصف الأول من الشهر الثامن لحملها.

لحظة الصدمة

تُكمل العريني: "أعطاني الأطباء علاجًا لإيقاف النزيف فورًا، وعُدت بعدها إلى المنزل رغم الألم، وبعد يومين توجهت إلى عيادة الوكالة (السويدي) للمتابعة الدورية، وما أن فحصت حتى تفاجأنا بتوقف نبض الجنين بداخلي وموته داخل أحشائي منذ قصف المنزل".

تُشبّه العريني تلك اللحظة بأن "صاعقةً سقطت فوق رأسها"، لتتجه بعدها صوب مجمع الشفاء ثانيةً كي تُجرى لها عملية قيصرية لإخراج الطفل المتوفى، كما أن تزامن يوم وفاة جنينها مع ذكرى ميلادها آلمها أكثر.

العريني متزوجةٌ منذ خمس أعوام، وهي أمٌ لطفلة واحدة تبلغ من العمر ثلاث سنوات، كانت تنتظر مولودها الجديد بفارغ الصبر، تقول: "نظرًا لكبر سني وحالتي الصحية، كنت أحلم بولادة طفلي بصحة جيدة، كي أفرح به كما فرحت بطفلتي الأولى ولكن الله سبحانه وتعالى أخذ ما وهبه لي قبل أن يخرج للحياة، فالحمد لله دائما وأبدا".

"

الحرب الأخيرة أدت إلى تشوه العديد من أطفال القطاع وإصابتهم بحروق وجروحٍ بالغة

"

المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية بغزة الدكتور أشرف القدرة، أوضح أن مئات الحالات المشابهة في قطاع غزة تعرضت للإجهاض خلال العدوان "الإسرائيلي" الأخير على القطاع.

وأضاف لـ "الرسالة نت" أن حوالي 700 سيدة تعرضن للإجهاض خلال أيام العدوان، مبينًا أن أكثرها نتيجة أسباب صحية ونفسية.

أما رئيس قسم الولادة بمجمع الشفاء الطبي الدكتور حسن اللوح، فيوضح أن نسبة إجهاض السيدات في شهر أغسطس بلغت 316 حالة مقارنةً بالشهر السابق له، والتي وصلت إلى 290 حالة.

ولفت إلى أن حالات وفاة الأجنة والمواليد ازدادت حتى بعد انتهاء العدوان على غزة بشكل غير مسبوق، مضيفاً: "أصبحنا نتفاجأ منذ نهاية الحرب بقدوم عدد كبير من النساء للولادة وإذ بالجنين هالكٌ داخل الرحم دون وجود أي سبب يخص صحة الأم أو الجنين".

ويُبدي د. اللوح تخوفًا كبيرًا من حدوث تشوهات لدى الأجنة والمواليد خلال الفترات المقبلة، محذرًا من زيادة حدوث حالات التشوه الخلقي لدى الأجنة جرّاء استخدام "إسرائيل" أسلحةً محرمةً دوليا إبان عدوانها الأخير، مخلفةً غازاتٍ سامة وخطرة.

ورغم أن العدوان "الإسرائيلي" الأخير على القطاع انتهى مُسفرًا عن ارتقاء أكثر من 2200 شهيد وخلّف آلاف الجرحى، إلا أن آثاره لا زالت حاضرةً على الأرض، فكما أدت لوفاة مئات الأجنة في بطون أمهاتهم، فهي أيضًا أدت لتشوه العديد من أطفال القطاع وإصابتهم بحروق وجروحٍ بالغة، فيما ستبقى آثارها النفسية ترافق أهالي القطاع على مر السنين.

اخبار ذات صلة