في أقل من أسبوعين، اتصل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بملك الأردن مرتين وطمأنه بألا يتم تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.
لكن في كل مرة يتصل بها نتنياهو بالملك، تقدم نخب الحكم في تل أبيب على ما يدلل على أن "تطمينات" نتنياهو ليست أكثر من تضليل فج.
فبعد اتصال نتنياهو بالملك، خرج علينا 17 من أصل 21 نائبا يمثلون حزب الليكود في الكنيست للتأكيد على التزامهم بالعمل على "إعادة بناء الهيكل"، خاصة بعد إجراء الانتخابات القادمة. ومن نافلة القول أن إعادة بناء الهيكل، تعني عملياً تدمير المسجد الأقصى.
وإن كان هذا لا يكفي، فقد ذهب زعيم حزب "البيت اليهودي"، وزير الاقتصاد نفتالي بنات إلى حد الوعد بأن تكون قضية "الهيكل" على رأس أوليات الحكومة الصهيونية التي ستشكل بعد الانتخابات.
المفارقة أن نتنياهو الذي يستمع لكل هذه الأصوات لم يحرك ساكناً، بل يتوسع في فرض السياسات القمعية ضد المقدسيين بهدف إجهاض انتفاضتهم المباركة.
إن ممثلي الأنظمة العربية الذين يحاول نتنياهو إرسال الرسائل لهم مطالبون بأن يكلفوا أنفسهم عناء محاولة الإحاطة بما يقدم عليه ويقوله كبار الساسة الصهاينة لمواجهة دعاية نتنياهو الصفراء.
ونحن هنا بصدد عرض نموذج واحد يدلل على طابع اتجاهات الكيان الصهيوني في المرحلة القادمة، ويتمثل هذا النموذج في سلوك وزير الإسكان الصهيوني أوري أرئيل الذي قرر الانتقال وعائلته للإقامة في قلب بلدة "سلوان" المقدسية، فقط من أجل استفزاز المقدسيين والتنغيص عليهم.
وقد رفض أرئيل الاعتبارات الأمنية التي تذرع بها حتى بعض زملائه في اليمين لزجره عن هذه الخطوة، زاعماً أن الاستيطان في سلوان "مقدس لأن في قلب هذه البلدة تم تدشين أول مملكة يهودية، وهي مملكة داود، قبل ألفي عام".
لكن السلوك الاستفزازي الخطير لأرئيل في كل ما يتعلق بالقدس، لا يقتصر على موقفه من الاستيطان في "سلوان"، بل أنه يعد صاحب فكرة اقتحام المسجد الأقصى بشكل تظاهري.
وعلى الرغم من انشغالاته الكثيرة، كوزير للإسكان، إلا أن أرئيل وجد متسعاً من الوقت لتشكيل نواة شبابية، تتولى تنظيم عمليات الاقتحام المتكررة للأقصى.
ومن أجل تشجيع الشباب اليهودي في (إسرائيل) والعالم على مشاركته اقتحامات الأقصى، فقد عمد أرئيل إلى تدشين موقع على الشبكة العنكبوتية يعني بتوثيق عمليات الاقتحام، التي شارك فيها.
وقد استغل أرئيل حصانته كوزير وأدى "صلاة" قبالة قبة الصخرة المشرفة، مع العلم أن الشرطة الصهيونية تمنع اليهود من أداء الصلاة في "الأقصى"، وقد سارع أرئيل لنشر فيديو يوثق أداءه الصلاة على الموقع.
لكن مما لا شك فيه أن أكثر أنماط تأثير أرئيل على الصراع بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، هو حماسه الشديد لتنفيذ المشاريع الاستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس.
وقد اختصر آرييه غولان، مقدم برنامج "هذا الصباح" في "شبكة الإذاعة العبرية الثانية" تصويره لمدى انشغال أرئيل بالمشاريع الاستيطانية، عندما قال: "إذا تعلق الأمر بأرئيل، فإن لديه مشاريع استيطانية نحتاج إلى 50 عاماً لانجازها".
ومن الواضح أن الخلفية الأيدلوجية والدينية لأرئيل، هي التي تفسر حماسه الشديد للمشاريع الاستيطانية والتهويدية والحرص على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، فهو الرجل الثاني في حزب "البيت اليهودي"، الذي يقوده بنات.
وإن كان "البيت اليهودي"، الذي تتوقع استطلاعات الرأي العام أن يحل في المرتبة الثانية، بعد الليكود، في الانتخابات القادمة، ويمثل اليمين الديني في (إسرائيل)، فإن أرئيل يقود الجناح الأكثر تطرف في هذا الحزب، وهو يجاهر بامتثاله لتعليمات أكثر الحاخامات تطرفاً وتحريضاً على العنصرية.
ويتباهى أرئيل بأنه "التلميذ المطيع "للحاخام دوف ليئور، الحاخام الأكبر لمستوطنة "كريات أربع"، التي تقع في محيط الخليل، والذي بادر خلال الحرب على غزة بإصدار فتوى تدعو الجيش الصهيوني لقتل المدنيين الفلسطينيين وعدم الاكتفاء بالمقاتلين، علاوة على اصداره عدد كبير من الفتاوى، التي تحث على المس بالفلسطينيين.
ويعتبر أرئيل مثالاً كلاسيكياً للنخب الدينية الصهيونية. فقد تجند للجيش في سن 18 عاماً، والتحق بلواء المظليين، وأصبح قائد سرية برتبة رائد، قبل أن يتسرح وينضم لحزب "المتدينين الوطنيين"(المفدال)، الذي تفكك وورثه حزب "البيت اليهودي".
وقد سبق لأرئيل، الذي يقطن مستوطنة "ألكناه" القريبة من "بيت لحم" أن تولى منصب مدير عام مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة لأكثر من 8 سنوات.
ويجاهر بأن هدفه الرئيس من التوسع في تدشين المشاريع الاستيطانية منع إقامة دولة فلسطينية.
وقد تسبب في شهر يونيو بإحراج شديد للحكومة (الإسرائيلية) عندما أعلن عن خطة لزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية بنسبة 50% في غضون خمس سنوات، في الوقت الذي التزمت فيه حكومة نتنياهو بتجميد الاستيطان.
قصارى القول: هل يمكن أن يأمن عاقل إلى تطمينات حكومة تضم مثل هذا النموذج؟