حاول رئيس السلطة الفلسطينية -زعيم حركة فتح- محمود عباس، أن يقلم أظافر بعضا من رجالاته السابقين في الحركة والسلطة الذين بدأوا يغردون خارج السرب احتجاجا على سياساته.
ويبدو واضحا أن اعتقال عدد من قيادات المجلس الثوري لفتح في الضفة المحتلة، يأتي كمحاولة لتصفية حسابات ابو مازن مع خصومه داخل الحركة بعد اتهامهم بأنهم تطاولوا على رئيس الحكومة، بعدما كانوا في وقت من الأوقات جزءا من أدوات تحقيق مصالح الرئاسة.
تلك القيادات ومنها (بسام زكارنة رئيس نقابة الموظفين في الوظيفة الحكومية برام الله، ونائبه معين عنساوي، ومدير عام المجلس التشريعي ابراهيم خريشة) كانت أداة للمناكفة السياسية استخدمها عباس مع تسلم حركة حماس للحكم أواخر العام 2006م، قضوا قبل أيام معتقلين على ذمة الرئيس في حلقة جديدة من مسلسل مخالفة للقانون الذي يهدف إلى الترهيب ومصادرة الحريات.
غير قانوني
وباتت حركة "فتح" تشهد أزمة داخلية نتجت عن الاعتقالات الاخيرة، التي طالت النقابيين "زكارنة وعنساوي"، في السابع من الشهر الجاري بعد دعوتهما إلى سلسلة إضرابات لموظفي الحكومة اتخذت وفق دوافع اعتبرتها شخصية.
تلك الاعتقالات والتي تعد سابقة لقيادات بارزة من فتح وتنضم للمجلس الثوري للحركة والذي يعد اعلى الأطر القيادية التشريعية في الحركة إلا أنه بات يفتقد لمهامه منذ وقت طويل خاصة بعد أن أصبح أداة بيد رئيس السلطة محمود عباس.
النائب المستقل في المجلس التشريعي حسن خريشة اعتبر ان الاعتقالات ذات خطورة بالغة وتمس بحرية العمل النقابي والذي من الضروري تعزيز حريته لا قمعها كما يجري على يد رئيس السلطة.
وذكر خريشة أن رئيس السلطة الفلسطينية أنشا تلك النقابات في العام 2006 -2007
لمناكفة حركة حماس عندما كانت في الحكومة في تلك الفترة، مشيرا إلى أن السلطة تتعامل مع المواطنين بمبدأ خيل الانجليز من خلال استخدامهم وقت الحاجة ومن ثم التخلص منهم.
ورفض خريشة الاعتقالات أيا كانت أسبابها خاصة في ظل نقابات مارست عملها لفترة طويلة، قائلا: من ينوي خوض معارك في الامم المتحدة لانتزاع حقوقه يجب عليه تحصين جبهته الداخلية من خلال احترام الحقوق.
بدوره رأى المحلل السياسي تيسير محيسن أن هناك أصوات داخل فتح رافضة للموقف السياسي للسلطة ورئيسها بخصوص الإجراءات التي تقوم بها اجهزة الامن تجاه أحداث القدس، موضحا أن تلك الأصوات بدأت تغرد بطريقة تتعارض مع توجهات أبو مازن.
وبحسب المحلل السياسي فإن هناك موقف استراتيجي لرئيس السلطة تبلور من خلال اللقاءات الأخيرة مع رئيس حكومة الاحتلال والملك الأردني ووزير الخارجية الأمريكي والتي تمخض عنها موقفا يقضي بأن أي حراك في الضفة لا يخدم مصالح المنطقة لذا يجب توزيع الحالة بين الاطراف الاربعة للقضاء على أي انتفاضة.
وذكر أن أبو مازن يعيش وضعا سياسيا صعبا وهناك خشية على مستقبله داخل الشارع وامام حلفائه الاستراتيجيين والذين يطلبون منه المزيد من العمل على التزاماته الامنية، مشيرا إلى أن اجراءاته السابقة تضعه أمام تساؤلات امام قطاعات وطنية داخل تنظيمه.
ويعتقد محيسن أن عباس يلجأ من خلال اجراءاته لضبط التون داخل حركته بما يتوافق مع توجهاته السياسية كي لا يواجه شروخا عميقة في فتح الضفة كما هو حال فتح في غزة خاصة وانه استطاع ان يضبط وضعها خلال الفترة الماضية.
تقليم أظافر
المتطلبات الماضية تدفع باتجاه أن يلجأ عباس لمزيد من الاجراءات العقابية لخصومه ليس في حركات المقاومة فحسب بل داخل حركة فتح والتي تجد في خطواته انتكاسة خاصة في طريقة التعامل مع احتجاجات القدس.
وإثر التطورات، عقد كل من كتلة "فتح" البرلمانية، والمجلس الثوري للحركة، اجتماعاً لبحث الأزمة.
وأصدرت كتلة "فتح" التي يترأسها عضو اللجنة المركزية للحركة عزام الأحمد بياناً أعلنت فيه رفضها ما أسمته "انتهاك السلطة التنفيذية لحرية العمل النقابي والحريات العامة"، معتبرة الإجراءات التي تعرض إليها رئيس النقابة ونائبه "غير قانونية".
المحلل السياسي عبد الستار قاسم قال إن ما يحدث نتيجة لوجود خلافات بالحركة، لكن الأهم في نظره أنه ناتج عن جعل حركة فتح رئيسها عباس امبراطورا وبالتالي اصبحت امامه فرصة ان يهيمن على من يريد.
وقال: واضح من سلوكه أنه يتعامل مع حركته كدكتاتور هم من صنعوه والآن يدفعون الثمن.
وذكر أن من اعتقلوا كانوا قد خدموا السلطة وقت فوز حماس ولكنهم الآن أصبحوا يطعنون بمن صنعهم فطالتهم عصا الإقصاء.
الرأي السابق يوافقه المحلل السياسي محيسن، ويشير إلى أن حركة فتح تستخدم فلسفة الاستخدام الزمني للأشخاص والمؤسسات أي هي توظفهم لخدمتها، موضحا أن إبراهيم خريشة يتحلى بموقع اعتباري في المجلس التشريعي يعطيه مساحة من الحرية لينقد سلوكيات ابو مازن كما جرى في اوقات سابقة.
وبين أن الوقت الحالي بحاجة لهدوء تام وخروج اصوات تتعارض مع ذلك هو ليس في مصلحة عباس لذا فإن اجهزة السلطة مستعدة لاعتقال أضعاف تلك الأعداد ليثبت الرئيس لخصومه انه قادر ويمتلك الامكانيات للقيام بدوره على اكمل وجه.
أما زكارنة فبات بحسب محيسن، يمتلك في الفترة الأخيرة بحكم موقعه القدرة على تعطيل عمل مؤسسات السلطة لذا أصبح في نظر ابو مازن "كبير زيادة عن اللزوم"، خاصة وأنه يحرج السلطة ويظهرها ضعيفة ويعطي مؤشر قلق امام الحلفاء الأوروبيين.
ويعتبر المحلل السياسي أن الرئيس استخدم أشخاصا فكبروا لذا اراد تقليم أظافرهم، وهذا ما حدث في فترة سابقة مع قيادات كانت تنمي للجناح المسلح حينما خرجوا عن طوع عباس فكان من الضروري اعادتهم للسيطرة من جديد.