لا تتورع السلطة الفلسطينية عن مواصلة مسلسل فسادها المكشوف داخل سفاراتها حول العالم، رغم الفضائح الأخيرة التي جرى كشفها على الملأ دون أن يحرك أصحاب القرار ساكن.
تلك الفضائح تمثل آخرها في اغتيال المناضل عمر النايف في مقر السفارة الفلسطينية ببلغاريا قبل أشهر قليلة على أيدي الموساد "الإسرائيلي"، وسبقها محاصرة أجهزة الأمن الصينية مقر السفارة بالصين بسبب تورط دبلوماسي بتجارة سوداء، مروراً باغتيال السفير جمال الجمل في التشيك قبل عامين، وفضيحة بيع سفير فلسطين لدى صربيا تأشيرات للمهاجرين للدخول إلى أوروبا، مقابل 5000 يورو لكل تأشيرة العام الماضي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد ذهبت السلطة مؤخراً إلى إخراج دبلوماسي غزة من العمل في شبكة السلك الدبلوماسي داخلها، وفق ما كشفه الدبلوماسي الفلسطيني والسفير السابق عدلي صادق.
بطانة متنفذة
واتهم السفير صادق وهو أحد قادة حركة فتح عبر صفحته على "فيسبوك" من أسماهم بـ"بالبطانة المتنفذة" بالمسئولية عن ذلك، قائلاً: "إن أحد أخطر المتنفذين- دون أن يكشف عن اسمه- همس في أذن أحدهم (لم يسمه أيضًا) بأنه سأظل وراء الغزازوة في السلك الدبلوماسي حتى إخراجهم منه".
وتابع "كلما وقعت العين، على موقع أو خانة، في سفارة في إحدى البلاد الهانئة، يكون التربص بالكادر من غزة، لإحلال آخر، من شبكة القُربى والمصالح، بدلاً منه".
وأكمل صادق "وعندما يتم اقتلاع الكادر من غزة، بسبب اعتراض على ممارسة فاسدة، يُرسل له كتاب، من إحدى إدارات وزارة الخارجية، وبدون علم الوزير ــ كما تحققت ــ يُقال له فيه مثلاً: عليك أن تختار بين موريتانيا وغزة، وليس بين موريتانيا أو العودة لمقر وزارة الخارجية في رام الله".
سلوك مُشين
ويؤكد ذلك الدبلوماسي السابق في السلطة الفلسطينية أسعد أبو شرخ، معتبراً أن ما يجري "سلوك مشين" من المتنفذين بالسلطة لاستبدال كوادر غزة بأصحاب الولاءات في إطار الصراعات الداخلية الدائرة مؤخراً.
وأكد أبو شرخ في حديثه لـ "الرسالة" أن القلة القليلة من سفراء السلطة الغزيين يتم محاربتهم وإقالتهم مباشرة في حال عارضوا ما يرونه من فساد، مدللاً على ذلك بما فعلته السلطة بالسفير عدلي صادق والسفير دياب اللوح الذي جرى نقله إلى اليمن بدلا من الإمارات، وفق قوله.
وأوضح أن اللجنة التنفيذية لحركة فتح والمجلس الوطني متواطئون مع "ثلة الحاقدين" الذين يتحكموا في السلك الدبلوماسي ولا يريدون بقاء الكوادر النظيفة في هذه الوظيفة وخاصة الغزيين.
ومن المهم ذكره أن 95% من سفراء السلطة يتبعون لحركة فتح، حيث لم يُعيّن أي سفير من قطاع غزة بعد عام 2005.
مؤامرة صامتة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي ناجي البطة أن تلك السياسة تأتي ضمن التصفيات المتعددة لحركة فتح ومنظمة التحرير وقطاع غزة بهدف تقزيم المشروع الوطني الفلسطيني.
واعتبر البطة في حديثه لـ "الرسالة" أن ما يجري مؤامرة صامتة ضمن حرب ناعمة، تستهدف الكل الغزي لإخراجه من منصب اتخاذ القرار في القضية الفلسطينية كونها "انطلقت من غزة".
وأضاف "أحد الوزراء في الحكومة الفلسطينية التاسعة أجرى دراسة لأكثر من 95% سفارة فلسطينية في الخارج فوجد أن عملها ينصب على المتاجرة في العملات والذهب، ومرتع للموساد الإسرائيلي، وأداء للدعارة في بلدان الخارج".
وأشار إلى أن حرمان سكان غزة من مواصلة عملهم الدبلوماسي في الخارج مخطط لتفريغ القضية الفلسطينية من محتوى حيوي قادر على التعبير عن المشروع الوطني الفلسطيني بشكل قوي.
وأخيراً فإن ما كشفه السفير السابق عدلي صادق يعد جزءاً قليلاً من فساد السلطة في سفرات الخارج ومخطط لتقليم أظافر دبلوماسي غزة ضمن حالة العداء التي يكيدها متنفذو السلطة اتجاه القطاع.