أزمة بعمر الانقسام الفلسطيني فرضت على موظفي القطاع العام تصنيف جديد (مستنكف- يعمل). وعلى مبدأ كل من يعمل يستحق راتبا وكل من يحصل على راتب يجب ان يعمل، بات دمج الموظفين في قطاع غزة والضفة الغربية ضرورة لا غنى عنها، بعدما بقي الملف حبيس الأدراج حتى فرض اتفاق المصالحة الأخير وما تبعه من تشكيل حكومة توافق على الجميع فتح الملفات المغلقة.
بعد خمسة أشهر من تشكيل الحكومة تلقى قرابة 24 ألف موظف مدني في غزة دفعة مالية قدرها 1200 دولار، ملأت أخبارها السمع والبصر، لكن مالا يعلمه الكثيرون أن الدفعة كانت أولى الخطوات الفعلية لتحريك المياه الراكدة في أعقد ملفات المصالحة الفلسطينية، وهو دمج موظفي السلطة الوطنية من العاملين في قطاع غزة والمستنكفين وصولاً الى هيكلية حكومية واحدة.
لم يكن التنقيب والبحث في هذه القضية مهمة سهلة بعدما فرضت جميع الاطراف على عملية الدمج تعتيما وتكتيما متعمدين، لكن "الرسالة" علمت من مصادر خاصة أن جهات دولية على رأسها لجنة سويسرية والامم المتحدة (UNDP) وممثلون عن الاتحاد الاوروبي تجتمع بشكل دوري مع عدد من الوزارات بغزة وديوان الموظفين العام للحصول على المعلومات والارقام الدقيقة حول الموظفين وكل ما يتعلق بملفاتهم الادارية والمالية تمهيداً لعملية الدمج.
وتؤكد المعلومات أن عملية الدمج لن تواجه صعوبات اذا ما توفرت نوايا حقيقية، كما أن الاشكالية تتمثل في موظفي الفئة العليا فقط "مدير عام فما فوق" من المدنيين والذين يبلغ عددهم في حكومة غزة السابقة 172 بينما عدد موظفي حكومة الحمد الله من ذات الفئة (غزة - ضفة) 926، في حين بلغ عدد العسكريين من الرتب العليا "رائد فما فوق" في حكومة غزة 987 وفي حكومة الحمد الله 14.196، وفق مصادر الرسالة.
ثلاثة مراحل
وضعت قضية دمج الموظفين مجددا على نار حامية، بعد أن خضعت العملية لتفاوت في درجات الحرارة طوال السنوات الماضية، علماً أن عامل التأجيل سابقاً كان يركن الى عدم التقدم في ملفات المصالحة، خاصة الحكومة التي ستبحث شئون موظفيها، بينما اليوم هو مرتهن بجرة قلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يضع فيتو كبيرا على دمج موظفي غزة "غير الشرعيين" بحسب وصفه في حكومته وصرف رواتبهم، علماً أن الدفعة التي حصل عليها موظفو غزة كانت مخالفة لرغبته وجاءت بضغط دولي لمنع انفجار غزة، بحسب المصادر.
"الظاظا: لا نعترف باللجنة الحكومية ولن نسمح بدراسة قرار التعيين ولدينا حلول إبداعية
"
"كل من يعمل يستحق راتبا" فلسفة اعتمدت عليها الوساطة الدولية التي تسعى لحل القضية، لكن يبدو أن أزمة المصالحة التي لا تزال تراوح مكانها رغم تشكيل الحكومة تفرض واقع مغاير بحسب م. زياد الظاظا عضو المكتب السياسي لحركة حماس ونائب رئيس الحكومة السابق بغزة، الذي أكد أن اللجنة القانونية والإدارية وفقا لاتفاقات القاهرة والدوحة والتفاهمات الاخيرة بين حركتي فتح وحماس تشكل بالاتفاق على أعضائها ومن ثم يصدر قرار من مجلس الوزراء حتى تصبح رسمية.
وبين الظاظا في حديث للرسالة أن القضية ليست متعلقة بموظفي عام 2007 وما بعد لانهم شرعيون ومن كانوا موظفين قبل هذا التاريخ ايضا شرعيون لكنهم استنكفوا ولذلك يجب التعامل مع الطرفين بإنصاف للموظفين والحفاظ على مراكزهم القانونية بالكامل.
وشدد الظاظا على أن تشكيل اللجنة مخالف للاتفاقات وهذا ما أقر به رامي الحمد الله رئيس الوزراء في لقاء مع رئيس الحكومة السابق اسماعيل هنية.
زياد ابو عمرو نائب رئيس الوزراء بدأ بدراسة هذا الملف بعدما كلفه به الحمد الله واجتمع مع "الظاظا" باعتباره ممثل حركة حماس لبحث الملف، وجرت عدة اجتماعات وصل الطرفين خلالها الى توافق، على ان تشكل اللجنة من رئيس ديوان الموظفين في كل من غزة والضفة واللجنة السويسرية وممثلا للبنك الدولي والاتحاد الاوروبي، بحسب الظاظا.
وأكد الظاظا ان حركته لم ولن تعترف باللجنة الحكومية المشكلة في الضفة الغربية لأنها تشكلت من طرف واحد وبخلاف للتفاهمات وتنظر للقضية بعين واحدة.
يجدر الاشارة الى ان اللجنة القانونية والادارية التي شكلتها الحكومة لم تأت لغزة ولم تجتمع مع أي من الجهات المعنية وكل النقاش والمقترحات المتداولة يتم الحديث فيها مع اللجنة الدولية المكونة من لجنة سويسرية والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي.
"الرسالة" حاولت الوصول الى معلومات دقيقة خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف الملف من جميع الأطراف وتمكنت من الوصول إلى مصدر مطلع على عملية الدمج التي تتوسط فيها الجهات الدولية بين الحكومة وحركة حماس، حيث أكد أن العمل جار على عودة موظفي الصحة والتعليم المستنكفين للعمل كخطوة أولى في عملية الدمج تتبعها باقي الوزرات.
"أبو شهلا: اللجنة تعمل بالتنسيق مع باقي الوزارات وتنهي عملها قريباً
"
ومن المتوقع ان تتم عملية الدمج بحسب الخطة الدولية على ثلاثة مراحل، الاولى: قضية موظفي غزة المدنيين ومن ثم التطرق للعسكريين في وقت لاحق وتصفية الموظفين ودمجهم، والثانية: العمل على هيكلية الحكومة بالضفة والمرحلة الاخيرة: الوصول لهيكلية واحدة للحكومة في الضفة وغزة معاً، كما يؤكد المصدر.
مسألة الدمج لا تواجه صعوبات من الناحية الادارية بحسب المصدر كما أن اللجان الدولية تعقد اجتماعات دورية في الضفة وغزة للحصول على جميع البيانات الخاصة بالموظفين، وتناقش المقترحات مع الطرفين.
وشدد المصدر على ان الوساطة الدولية وضعت شرطا مسبقا قبل بدء عملها مع الجهات المختصة في غزة والضفة وهو ان تكون قراراتها ملزمة للطرفين ويتم العمل بها.
خيارات الا البقاء
حديث الرئيس عباس وبعض مسئولي الحكومة بالضفة اكثر من مرة عن عدم "شرعية" موظفي غزة زاد التخوفات لدى الموظفين؛ ما دفع بالظاظا للتأكيد أن التوافق جرى على عدم التطرق لسلامة قرارات التعيين وانما دراسة اجراءات التعيين.
وبين أنه في حال جرى التعيين بإعلان رسمي ومن خلال مسابقة فإن الاجراءات سليمة، وفيما يخص الفئة العليا من الوظائف فإن البحث في مصدر قرار التعيين سواء من مجلس الوزراء او الرئيس غير مطروح للنقاش وانما ما يحق للجنة الدولية دراسته هو ما إذا كان هذا الشخص تتناسب امكاناته وشهاداته ومؤهلاته مع الموقع الذي يشغله أم لا.
وتابع "اذا كان الموظف يتناسب وموقعه الوظيفي فيبقى فيه وإلا فينقل الى مكان مناسب داخل اروقة المؤسسة الحكومية، بمعنى انه غير مسموح بطرد أي موظف، كما ان كل من اقترب من سن التقاعد وأراد ان يتقاعد اختيارياً يسمح له.
وفي الجلسات الأخيرة بين ممثلي الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي مع ديوان الموظفين العام جرى التفاهم بان التعامل مع الموظفين بالاحترام الكامل ووفق القانون، وأقروا بحقهم في دفعات مستمرة من الراتب لحين انتهاء عمل اللجنة.
وتحدث الظاظا عن وجود حلول ابداعية خاصة فيما يتعلق بموظفي الفئة العليا، حيث ان عدم قدرة الموظفين على التنقل بين الضفة وغزة يسمح بأن يكون شخصان في منصب وكيل وزارة أحدهما للضفة والاخر في غزة وذلك ينسحب على باقي الوظائف العليا.
واوضح الظاظا ان الحكومة فيها 24 وزارة اثنتان بلا حقائب وقرابة 38 مؤسسة وشركة وهيئة حكومية، وجميعها تتقاضى رواتبها من وزارة المالية ومسجلة لدى ديوان الموظفين؛ وبالتالي يمكن الاستفادة من هذه الهيئات التي لا يوجد فيها أي موظف من قطاع غزة تم تعيينه بعد العام 2007، وهذا ما يفتح المجال لجميع الخبرات.
وأكد الظاظا أن اللجنة الدولية تسعى لأن يبقى عدد الموظفين كما كان عليه قبل عام 2007 مع مراعاة نمو طبيعي بقيمة 3%" ووجدوا ان جميع الموظفين في القطاع المدني كان عددهم 32.5 الف حتى العام 2007، واعتبروا ان هناك معدل نمو طبيعي 3% أي ما يقارب 38 ألف موظف أي أن عدد الموظفين في غزة بعد دمجهم يجب ألا يتخطى هذا الرقم.
وبين أن العدد الاجمالي للموظفين العاملين والمستنكفين وصل حالياً 47.5 ألف، قرابة ألفين منهم بلغوا سن التقاعد، ما يعني ان المشكلة لا تتعدى بضعة آلاف وهؤلاء يمكن استيعابهم بسهولة في الشركات والهيئات الحكومية، هذا عدا أن عددا منهم يمكنه أن يطلب التقاعد المبكر.
وتشير المعلومات أن كل وزارة يوجد بها خانات واسعة لاستيعاب الموظفين والمدراء وذلك لأن الهيكليات المعتمدة في الضفة واسعة جداً بخلاف هيكليات حكومة غزة السابقة التي كانت تعمل بشكل مقلص.
التقاعد أو بيع السنوات
تخفيض سن التقاعد وطرح التقاعد المبكر، الى جانب شراء سنوات الخدمة يمثل أبرز الحلول التي يمكن أن تساهم في تسهيل عملية الدمج للموظفين وتنهي ظاهرة الترهل الوظيفي.
المصدر المطلع أكد للرسالة أن الحلول المذكورة مطروحة بقوة، مبيناً أن عددا كبيرا من موظفي السلطة السابقة لا يرغبون بالعودة للعمل الى جانب وصول عدد منهم الى سن التقاعد ما يسهل الحلول امام اللجان المختصة.
وأوضح المصدر أن اللجان لن تبحث في شرعية الموظفين وانما في سلامة اجراءات التعيين وقد تضطر الى عمل مقابلات لبعض الموظفين للتأكد اذا ما كان مناسبا لموقعه أم لا وتحديد المكان الأنسب له في الحكومة.
"مصادر: البعض سيجبر على ترك الحكومة وآخرون سيخضعون لمسابقات جديدة
"
وبين ان المبدأ الذي يجري العمل عليه هو الضمان الوظيفي للجميع، ولن يجبر أحد على ترك مكانه الا في حالات قليلة وبمقابل مخرجات قانونية ومغريات مالية، مؤكداً أن موظفي الفئة العليا سيجري دراسة كل حالة منهم والتأكد من سلامة اجراءات التعيين ومدى ملاءمته للمنصب، وقد يخضع لمسابقة ومقابلة جديدة لاختيار الافضل اذا كان من يشغلون المنصب أكثر من شخص.
المعايير الدولية للوظائف هو ما تعتمد عليه اللجنة الدولية في عملية دمج الموظفين وسيتم بناء عليها تصنيف الموظفين واختيار الشخص الانسب للمنصب خاصة فيما يتعلق بالوظائف العليا، كما أن بعض الاشخاص الذين ستسحب منهم الترقيات سيجري التعامل معهم وفق قانون الخدمة المدنية الفلسطيني 2005 والقوانين الدولية فيما يتعلق بالاستحقاقات المالية والادارية، وفق المصدر.
وأوضح أن العمل الجاري يستثني كل أصحاب العقود السنوية والبطالة في المرحلة الأولى ولن يتم بحث قضيتهم حالياً، كما أنهم لن يتقاضوا الدفعة المالية الثانية المقرر دفعها للموظفين خلال الفترة القريبة.
وهذا ما نفاه الظاظا، معتبراً أن ما يقال عن اجبار بعض الموظفين على ترك أماكنهم بالحكومة غير صحيح، وأن حركته لن تقبل باستثناء موظفي العقود والتشغيل المؤقت.
تصنيف ظالم
الرسالة تساءلت عن صاحب التصنيف المجحف بحق الموظفين (مدني- عسكري) والذي حرم قرابة 17 ألف من موظفي الداخلية التي تعتبر في كل القوانين الدولية والاقليمية وزارة مدنية من تلقي دفعة مالية اسوة بباقي الموظفين.
"تصنيف الموظفين لعسكري ومدني خطأ فادح ارتكبته السلطة في عام 1994 عندما جاءت لغزة وأرادت ان تميز من يعمل في الداخلية عن باقي الموظفين ووضعت قانونا عسكريا وآخر مدنيا، وعندما جاءت حماس للحكومة لم تحدث تغييرا على وضعهم وان كانت مقتنعة بضرورة ضمهم حتى لا يجري خلل كبير في منظومة العمل الحكومي"، وفق الظاظا.
لكن مصدر "الرسالة" حمل حركة حماس مسئولية الخطأ حينما أرسلت أسماء الموظفين على شكل قائمتين واحدة للمدنيين وأخرى للعسكريين واحتوت على كلمة "Military" أي عسكري والمعروف أن العسكري في وزارة الدفاع وليس الداخلية.
وأوضح أنه كان من الأفضل أن ترسل الاسماء في كشف واحد يتضمن الجميع لان موظفي وزارة الداخلية يعتبروا مدنيين، كما ان المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي أجرت فحصا أمنيا على جميع الاسماء اعتقدت ان العسكريين المقصود بهم كتائب القسام وليس موظفي الداخلية وهذا ما سبب الازمة.
وتأكيداً على مبدأ التوافق أكد الظاظا انه لا عودة لأي موظف مستنكف ولا انتهاء لملف الحكومة الا بانتهاء دمج الموظفين، معتبراً ان الدفعة المالية السابقة كانت مخالفة للاتفاقات لأنها دفعت بقيمة ثابتة للجميع بينما الاتفاق كان أن يدفع راتب كامل لكل الموظفين.
بينما أوضح مصدر "الرسالة" أن الدفعات التي أقرت للموظفين المدنيين بغزة هي ثلاثة تكفلت بها دولة قطر؛ لكنها ليست شهرية وتخضع لرقابة الامم المتحدة، وجار العمل على الدفعة الثانية، لكن حتى الان لم تتضح الصورة حول القيمة والآلية والتوقيت لصرفها.
"الرسالة" طرقت العديد من الابواب في غزة والضفة للحديث عن ملف الدمج الا المعظم امتنعوا عن الحديث والبعض الآخر تحجج بعدم توفر معلومات كافية لديه بمن فيهم وزير العمل مأمون أبو شهلا احد اعضاء اللجنة القانونية والادارية التي شكلتها الحكومة في الضفة.
أبو شهلا رفض الحديث حول اللجنة واكتفى بالقول أنها تمارس عملها بالتنسيق مع باقي الوزارات ومن المتوقع ان تنهي عملها قريباً دون تحديد موعد لنهاية عملها والذي كان متوقعا نهاية العام الجاري.
ويبدو أن الغموض الذي يلف عملية الدمج ليس مرهونا بانتهاء الملف فقط وانما خشية الضجة التي قد تحدثها القضية في أوساط الموظفين، خاصة أنها تمس قرابة 40 ألف موظف في قطاع غزة.
"أبو جياب: بعض المعايير وضعت لاستبعاد أشخاص بعينهم وفق الرغبة الشخصية والحزبية
"
رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية محمد أبو جياب قال "للرسالة" أنه اطلع على بعض تفاصيل العمل من أحد القائمين على عملية الدمج والذي أكد له أن اجراءات دمج الموظفين كانت تسير بوتيرة ممتازة لكنها تراجعت بعد أحداث التفجيرات بغزة.
ولفت إلى أن عددا كبيرا من موظفي السلطة المستنكفين لا يرغبون بالعودة للعمل إلى جانب عدد آخر وصل سن التقاعد، وقد جرى بحث عدة حلول لمن تبقى منهم، منها التقاعد المبكر مع مغريات مالية أو شراء سنوات الخدمة لبعضهم.
حديث أبو جياب أكده أحد المصادر المطلعة من داخل اروقة الحكومة بغزة، والذي قال للرسالة أن الجهات الدولية التي تعمل على ملف دمج الموظفين تضغط بقوة لإنهاء هذه القضية التي تبقى معلقة حتى الان؛ بسبب غياب قرار سياسي من الرئيس محمود عباس.
وتابع المصدر "للرسالة " الجميع يضغط على الرئيس لإنهاء الملف ودفع رواتب موظفي غزة بما فيهم العسكريين وذلك خوفاً من انفجار القطاع".
الجهات التي تعمل كوساطة بين غزة والضفة تتحرك باستمرار، وتنقل أفكارا ومقترحات بين الطرفين، وتؤكد أن حكومة الضفة ليس لديها مشكلة في الحلول التي طرحت، ولا في الملف المالي، لكنها تشدد في كل مرة على أنها بحاجة لقرار من الرئيس، وفق المصدر الحكومي.
من ناحيته يقول أبو جياب: "بعض الموظفين ممن يتوفر بدائل عديدة عنهم أو غير مؤهلين سيجبرون على ترك مواقعهم ومغادرة الحكومة مقابل بعض المغريات، وستقدم لهم عدة حلول ومقترحات ما عدا البقاء، منها الحصول على مبلغ مالي او تمويل للمشاريع".
البقاء لمن؟
ورغم وجود وساطات دولية تعمل بمعايير القانون الدولي الا أن التخوفات تبقى حاضرة من أن البقاء قد لا يكون للأفضل من الموظفين، ويرى أبو جياب أن بعض المعايير وضعت لاستبعاد أشخاص بعينهم وفق معيار الرغبة الشخصية والحزبية لاستكمال الدور الذي تمارسه حكومة الحمد الله ضد غزة.
واعتبر أن وزارتي التعليم والصحة لا يوجد خلاف كبير عليهما لانهما الوزارتان الأكبر وبحاجة ماسة لعدد من الموظفين.
"الاشكالية تتمثل في موظفي الفئة العليا فقط "مدير عام فما فوق" من المدنيين والذين يبلغ عددهم في حكومة غزة السابقة 172 بينما عدد موظفي حكومة الحمد الله من ذات الفئة (غزة - ضفة) 926، في حين بلغ عدد العسكريين من الرتب العليا "رائد فما فوق" في حكومة غزة 987 وفي حكومة الحمد الله 14.196
"
ولفت ابو جياب الى وجود مشكلة كبيرة حتى في حال انهت اللجنة الحكومية عملها وهي أن الحكومة تجاهلت غزة في موازنة العام 2015 وكل الاجراءات التي تستبق اعداد الموازنة تمت بمعزل عن غزة وعن ملف الموظفين الذي يجري بحثه، وهذا يعني أن أي قرارات تصدرها اللجنة قد تبقى معلقة حتى موازنة عام 2016، بحجة عدم مخالفة القانون.
وأكد أن ابو مازن لديه مشكلة كبيرة مع ملف العسكريين، وقال في احدى جلساته انه لن يدفع لهم مرتبات حتى لو توفرت الاموال بينما يمكن الحديث حول المدنيين فقط.
وتشير التوقعات بحسب ابو جياب أن الرئيس يريد استبعاد قرابة ثلاثة آلاف عنصر من الداخلية دون تحديد السبب، كما سيجري بحث قضية رتب العسكريين والتي قد يجرد بعضهم منها، كما انه لن يسمح لعناصر محسوبين على حركة حماس من الحصول على رتب عالية.
ويؤكد أبو جياب ان ملف الموظفين حتى لو طال الحديث فيه سينتهي لأن المجتمع الدولي مهتم بالقضية وبإنهاء أزمات غزة لضمان ألا تنفجر في وجه (اسرائيل)، خاصة في ظل وجود عدة جبهات مشتعلة في المنطقة.
ورغم أن مراحل خطة الدمج تبدأ بغزة ومن ثم تنتقل للضفة كمرحلة ثانية الا ان الحكومة ترفض الحديث عن هيكلية الضفة وتعتبر ان المشكلة في غزة فقط.
وتشير جميع المصادر الى ان عملية الدمج ممكنة في ظل الحلول المقترحة والتي من ضمنها خفض سن التقاعد حتى خمسين عاما وهذا ما لاقى استحسان الوسطاء والحكومة بالضفة، مع مراعاة تعديل القوانين والتشريعات حتى لا يكون مخالفة، علماً أن قرابة ألفي موظف وصلوا للتقاعد من المستنكفين خلال الثماني سنوات الماضية.
ويبين المصدر الحكومي "للرسالة" أن أزمة العسكريين يمكن ان تحل ببساطة لأن موظفي الداخلية بحسب القانون مدنيون، والضفة لم تعترض عليهم، وانما الحديث يدور عن خلاف على قرابة 700 عنصر من الامن الوطني فقط، على اعتبار انهم يمثلون الجيش وهؤلاء يمكن استيعابهم في اماكن أخرى أو ايجاد حلول بديلة لهم.
الأرقام والمعلومات التي استعرضتها "الرسالة" خلال التحقيق تعكس إلى حد كبير تأثير الأزمة السياسية على مصير عشرات الآلاف من الموظفين ينتظرون جرة قلم من الرئيس عباس الذي يبخل بها، ويقف صامداً، بخلاف العادة، في وجه الضغوط الدولية لإنهاء هذا الملف خوفاً من التداعيات التي قد تتسبب فيها معاناة آلاف الأسر الغزية.
وأياً كان تأثير هذه الضغوطات لكن ما يتضح من خلال التحقيق أن عملية دمج الموظفين ليست معقدة كما يظن البعض، والحلول أمامها لا تنتهي ويمكن طي الملف خلال فترة قياسية اذا ما توفرت النوايا لذلك.