المقاومة في فلسطين هي العدو المشترك لكل من محمود عباس ومحمد دحلان وعبد الفتاح السيسي، واستمرار خلافات عباس مع دحلان يعيق مشروع القضاء على المقاومة في قطاع غزة؛ لذلك يبذل السيسي جهودا كبيرة ومضنية من أجل جمع عباس ودحلان من خلال عودة الابن الضال إلى حضن أسرته، التي طرد منها لخلافات شخصية وتنظيمية بين الطرفين، ما أدى إلى تفتيت الجهود المبذولة في تحشيد حركة فتح كمشروع سلام في مواجهة مشروع المقاومة لتحرير فلسطين كل فلسطين.
هذا أحد الأسباب الرئيسة التي تعكر العلاقة بين السيسي وعباس الذي لازال يرفض عقد مصالحة مع دحلان رغم استمرار محاولات السيسي والذي يمارس ضغوطات كبيرة على عباس من أجل إنهاء الخلاف بين الرجلين، ومن المتوقع أن تنجح جهود السيسي مدعومة من المنظومة الإقليمية المعادية للمقاومة ومن أمريكا وأوروبا، على أمل أن يشكل هذا الصلح وحدة موقف للحركة في مواجهة مشروع المقاومة مما يسهل عملية التصفية للقضية الفلسطينية.
العامل الثاني في الموضوع هو أن عباس بلغ من العمر مبلغه، ويبدو أن الدور الذي أنيط به أو المرحلة التي حددت لتمريرها عبر عباس أوشكت على الانتهاء، للدخول في المرحلة القادمة وهي مرحلة البديل لمحمود عباس، كما حدث في صناعته كي يكون البديل لياسر عرفات. عباس يدرك الهدف من وراء هذه المساعي التي أوكلت للسيسي من أجل إقناع عباس بالمصالحة مع دحلان حتى يتمكن صناع الرئيس الجديد من تعيين محمد دحلان كي يكون نائبا لمحمود عباس في رئاسة حركة فتح، وحال غيابه أو تغيبه يكون دحلان جاهزا لهذا الأمر الذي يعده التحالف ضد المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية.
لن يصمد عباس كثيرا أمام الضغوطات والتهديدات التي يتولاها السيسي ولكن على ما يبدو يبحث الآن عن ضمانات لعدم المس به سواء من (إسرائيل) أو من محمد دحلان أو المس بمصالحه ومصالح أولاده التي تضخمت خلال فترة حكمه وفي نفس الوقت سيعمل عباس على التضييق على محمد دحلان من خلال اتخاذ بعض الإجراءات التي ستعقد عليه الأمور عند توليه الرئاسة أو عند إجراء انتخابات فلسطينية بأي شكل كان، حتى يكون تواجد دحلان على رأس الهرم في السلطة مر عبر محطة الديمقراطية والشرعية حتى لو كانت مزيفة.
ولكن تبقى محاولات عباس مستمرة مع السيسي من أجل العدول عن القيام بهذه المهمة من خلال ما يطرحه من إمكانية قبول تواجد قوات مصرية على الأراضي الفلسطينية في محاولة لدغدغة شهوة السيسي في السيطرة والتواجد بشكل كبير في الساحة الفلسطينية، وإن هذا الإعلان هو أمر فردي قرره محمود عباس وفق قانون فرعون (أنا ربكم الأعلى) سيمرره دون عودة لا للشعب الفلسطيني ولا لقواه المختلفة، تحت ذريعة أنه الرئيس (الشرعي)، وربما يلجأ إلى التيس المستعار (منظمة التحرير) ولجنتها التنفيذية؛ من أجل تمرير ما يريد عل ذلك يرضي السيسي ويحاول ترك الموضوع برمته.
في كلا الأمرين نسي هؤلاء جميعا أن هناك أمور تم تجربتها وفشلت ففي 2006- 2007 جرت محاولات لدعم دحلان من أجل السيطرة العسكرية والأمنية أي الانقلاب على الشرعية بعد انتخابات 2006، وهذه المحاولة كانت مدعومة في ذلك الوقت أمريكيا وأوروبيا وعربيا وخاصة مصر والإمارات والأردن والسعودية وتم تقديم كل أنواع الدعم المالي واللوجستي. وفشل دحلان في تحقيق المرسوم له وبقي خارج القطاع، وعاش في الضفة واكتشف عباس ما يدبره دحلان من أجل الانقضاض عليه، فاتخذ حجة الخلاف الشخصي أو التنظيمي من أجل طرده والتخلص منه، وهذا فشل مبكر نتيجة استعجال دحلان في اعتلاء السلطة قبل أن تنضج الأمور.
أما موضوع الجيش المصري وإبداء عباس الموافقة فأعتقد أنه طرح فاشل وغير منطقي خاصة أن الشعب الفلسطيني يرد التخلص من الاحتلال، فليس من المنطق أن يستبدل الاحتلال (الإسرائيلي) باحتلال مصري رغم أن كليهما يعمل على إنهاء المقاومة، واعتقد أن الشعب الفلسطيني وصل سن البلوغ، هذا أولا، ثم، وهذا ظني، أنه سيتعامل مع أي جيش تحت أي مسمى على انه احتلال وسيقاومه، ولمصر في عهد عبد الناصر تجربة في اليمن لازالت حاضرة وكانت تجربة فاشلة ومؤلمة للشعبين المصري واليمني.