وأخيرًا.. هلّ النور من جانبي البوابة السوداء لمعبر رفح البري بعد إغلاق دام ما يفوق الـ 56 يوماً متواصلاً في وجه آلاف المحتاجين للسفر من المرضى والطلبة وأصحاب الاقامات في الخارج.
تكدس مئات المسافرين الغزيين على بوابة المعبر منذ ساعات الليل، في انتظار أن تشرق شمس الفرج بعد غياب طويل، كادت أن تصدأ خلاله أقفال البوابة الفاصلة بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، إلا أنها ستعود للمغيب مجددًا بعد 48 ساعة فقط!
مئات المناشدات، وعشرات الاتصالات، سمحت بعدها السلطات المصرية بفتح معبر رفح للحالات الإنسانية لمدة يومين فقط، لا تكفي لسفر 10 % من طوابير المحتاجين للسفر الذين تراكمت أسماؤهم خلال الـ56 يوم الماضية.
في الصالة الخارجية للمعبر.. أينما وليت وجهك يحزنك تكدس المرضى، هنا عجوزٌ مصابٌ بالفشل الكلوي وإلى جواره سيدةٌ مصابةٌ بالكبد الوبائي وفي الناحية الأخرى شابٌ أنهك السرطان جسده، جميعهم لم تغفر لهم أمراضهم المزمنة لدى مأمور البوابة السوداء بأن يدخلوا مصر متى شاءوا لتلقي العلاج!.
محمد أبو دراز الذي بدا المرض واضحًا على جسده النحيف يقول لمراسل "الرسالة نت": "يسمحولي أسافر ومستعد انحبس في المستشفى وما بدي اطلع منه، بس ما يتأخر علاجي".
السلطات المصرية تحججت بالوضع الأمني في محافظة شمال سيناء لإغلاق معبر رفح طيلة الفترة الماضية، بزعم عدم انتهاء العمليات العسكرية التي بدأت بعد هجوم استهدف ثكنة عسكرية للجيش المصري منذ شهرين.
حاجة الأربعيني محمد للسفر ازدادت مع سوء حالته الصحية في غزة، في ظل صعوبة التحويلات الطبية للداخل المحتل أو مستشفيات الضفة المحتلة، وبقي ينتظر طيلة الفترة الماضية سماع نبأ فتح معبر رفح، لكن فرحته يشوبها التخوف من عدم السفر لضخامة الأعداد المسجلة، معرباً عن أمله في أن يحالفه الحظ بالسفر.
تفاجئنا خلال الحديث مع احد الحاضرين بأن رفيقه في المرض باسل العبادلة والذي كان من المفترض أن يكون رفيقه أيضًا في رحلة العلاج، توفي منذ فترة بسيطة لعدم تمكنه من السفر لاستكمال علاجه، ليُصبح وصمة عار على وجه من يحاصر مرضى غزة.
أهالي غزة انحصرت مطالبهم للشقيقة مصر بأن تفتح لهم المعبر للتنقل بشكل لائق بهم كبشر، ودخول المساعدات الانسانية لتغيث القطاعين الصحي والانساني بعد أن انهكتهما آلة الحرب الاسرائيلية في العدوان الاخير على غزة.
استمرت الجولة بين المرضى في الصالة الفلسطينية من المعبر، لتتكشف معها صعوبة الحالات المحتاجة للسفر، الحاجة وداد قالت وهي تستند إلى كتف أحد أبنائها "والله أنا مش قادرة امشي خطوتين، رايحين نتعالج مش نتفسح، ارحمونا يا عالم".
لم يمنع هطول الأمطار بكثافة المسافرين من التزاحم على بوابة المعبر الخارجية، فحاجتهم للسفر أنستهم تعب الوقوف لساعات طويلة، وبرودة الأجواء هناك.
على أول مقعد صادفها جلست تلتقط أنفاسًا أعلى صوتها الارهاق، لتبعث برسالة محبة لمصر وأهلها: "احنا وشعب مصر أخوة، ليش بيغلقوا المعبر علينا؟، مش مكفي حصار (إسرائيل) إلنا؟"، أسئلةٌ بسيطة في شكلها ومضمونها، إلا أن الاجابة عليها تبدو صعبة.
وفي تفاصيل التشغيل الاستثنائي للمعبر، قال ماهر أبو صبحة مدير هيئة المعابر بغزة في تصريح لـ"الرسالة نت" إن قرار السلطات المصرية بفتح المعبر خلال هذين اليومين في كلا الاتجاهين جاء بعد المناشدات من جميع الأطراف بضرورة فتح المعبر.
وأوضح ابو صبحة أن المعبر يعمل لعودة العالقين في الجانب المصري، ولمغادرة الحالات الانسانية من غزة تجاه الأراضي المصرية.
وحول الفئات المسموح لها بالسفر، أوضح أبو صبحة أن يوم الاحد خصص لأصحاب التحويلات المرضية من وزارة الصحة وهم مرضى السرطان والكبد الوبائي والفشل الكلوي والعالقون من أصحاب الاقامات والمقيمين بالخارج فقط.
فيما خصص يوم الاثنين للطلاب المسجلة أسماؤهم من طلبة البكالوريوس ولديهم اقامات في الخارج.
ونوه أبو صبحة أنه سيتم التدقيق في جميع الجوازات ليتمكن المحتاجين للسفر من مغادرة غزة، داعيًا أصحاب هذه الفئات فقط بالتوجه للمعبر.
وأوضح أنه سيعاد إغلاق المعبر مساء الاثنين في حال لم تسفر الاتصالات المستمرة عن أي تطورات بخصوص تمديد عمله، مشيرًا لتلقيه وعودات بفتح المعبر بصورة أفضل خلال الفترة القادمة.
ويأمل أبو صبحة كما جميع المسافرين أن تُبقي السلطات المصرية معبر رفح البري مفتوحًا أمام المحتاجين للسفر.
ساعات ويعاد إغلاق المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة، ليتحول مجددًا إلى سجن كبير، تُعدم الحركة منه وإليه، إلى أن يحنّ الجار المصري ويفتح البوابة مرةً أخرى، ولسان حال الغزيين يقول: "عسى أن يكون ذلك قريبًا".