تتكئ الأم على ابنتها الصغيرة لترى بعينيها ما لم تره منذ ولادتها وتتحسس ما تستطع، فتفاصيل منزلهم قد ذابت بين ركامه بعد أن مسحته (إسرائيل) عن الخارطة في حربها الأخيرة على قطاع غزة.
كانت الأم الكفيفة تحفظ تفاصيل منزلها القديم عن ظهر قلب، لكن آلة حرب (إسرائيل) حرمتها الأمان والراحة، لتنتقل إلى "كرفان"، وتحاول جاهدة التأقلم مع ألواح "الزينكو" علها تمنحهم بعضا من الدفء.
الكفيفة تحرير النجار تقطن وابنتها الوحيدة في بيت متنقل "كرَفان" بجوار منزلهم المدمر في بلدة خزاعة شرق خانيونس جنوب القطاع، كحال المئات من العائلات التي أصبحت بلا مأوى، وتفترش أرض غزة بانتظار الإعمار.
هيئة الأعمال الخيرية في غزة وزّعت 100 منزل متنقل للمدمرة بيوتهم بخانيونس منذ أكتوبر الماضي، فيما وضعت وزارة الأشغال حجر الأساس لألف "كرفان" في حي الشجاعية وبيت حانون.
النجار ثلاثينية العمر تقول إنها حاولت التعايش مع واقع المنزل بعد تدمير القديم، لكن كونها كفيفة فهي تعاني الأمرّين مع كرفان صغير تحيط به ألواح "الزينكو" من كل مكان، حتى إن ملامستها لجدرانه يقشعر له بدنها من شدة برودته.
قضية الكرفانات باتت المأوى المؤقت للمتضررين والمدمرة منازلهم بانتظار الحل النهائي، لكّن معاناة هؤلاء لم تنتهي حتى بوجود تلك البيوت.
جيران الأموات
في بلدة خزاعة بخانيونس أصبح الأحياء والأموات "جيرانًا" بعد أن عثر المواطنين في حيّ "الكرفانات" على جماجم وعظام لأموات بين الرمال.
وينظّم الحراك الشعبي ببلدة خزاعة فعاليات متواصلة للمطالبة بالإسراع بالإعمار وإنقاذ المواطنين من سوء وضعهم المعيشي، وقد زار الحراك سكان الكرفانات، للاستماع إلى مطالبهم.
ويرى المواطنون أن حياتهم أصبحت جحيمًا في ظل اللاحياة التي اقترنت بهم، ويقول محمد النجار الناطق باسم الحراك إن المواطنين يعلمون حجم المؤامرة ضد غزة، لكّن الحكومة والجهات المعنية مُطالبة بأن تساند المتضررين.
ركودٌ مخيف
وما زالت قضية اعمار غزة في حالة ركودٍ مخيف، تبلّد بسببه المواطنون وأرهقهم الانتظار، إلا أن ثقتهم بالمقاومة الفلسطينية ما زال يكبر يومًا بعد يوم.
وقد حذّرت المقاومة، الاحتلال من المماطلة في إتمام اتفاق وقف إطلاق النار واعمار غزة، وإلا فإن الوضع ذاهب للانفجار، فيما تستمر فعاليات متضرري الحرب المُطالبة بإعمار ما دمره الاحتلال.
القيادي بحماس فتحي حمّاد قال: "سننتزع إعمار منازلنا بسلاحنا"، محذرًا أن استمرار الحصار المفروض على القطاع وتأخير اعمار منازل المتضررين فيه سيؤذن بانفجارٍ قريب.
وفي ظل اشتداد الحصار على القطاع، لا تزال آلاف العائلات الغزيّة تنتظر على أحر من الجمر أن تنتهي معاناتهم ويعودوا لمنازلهم.