رغم تغلب الطفل منتصر بكر على جراحه الجسدية التي خلفتها الحرب جراء استهدافه واقاربه على شاطئ بحر غزة، إلا أنه لازال عاجزا على مواجهة جرحه النفسي الأعمق والأشد خطورة.
الطفل بكر البالغ من العمر 12 عاما الذي فقد شقيقه وابن شقيقه في حادثة الاستهداف هو وثلاثة من أبناء عمه ممن عايشوا الجريمة ليسوا بأحسن حال من أخوتهم الذين رحلوا، فقد جارت الحرب على طفولتهم واكتظ خيالهم بكوابيس الدمار وجثث الأحبة، فحاول اثنان منهم الانتحار بعد ان وقعا ضحية لوضعهما النفسي المتدهور.
لم تقف معاناة الأطفال الناجين عند هذا الحد -حسب الطبيبة المعالجة- حتى أن ذويهم بالكاد استطاعوا ثنيهم عن الاتجاه نحو المقبرة ليلا وهم نيام بحثا عن أخوتهم، فيما "منتصر" يدخل بين حين وآخر نوبات تشنج.
الأضرار النفسية التي تعرض لها الغزيون والتي لا تتعارض مع مبدأ الصمود في المعركة لم ترصد بشكل دقيق من أي من الجهات الحكومة أو الأهلية حتى اللحظة، لذا فإن القطاع يحتاج لخطة إعمار نفسي على غرار خطط إعادة إعمار المساكن. تلك الخطط وجدت "الرسالة نت" أثناء تحقيقها أنها غائبة بسبب القصور الحكومي وضعف الامكانيات.
أعراض عديدة
ورغم انتهاء الحرب إلا أن آلاف الندب النفسية لم تختف وتتكشف اعراضها مع الأيام، ويقدر مختصون أن ما يزيد عن 60% من السكان تعرضوا لتأثيرات نفسية متفاوتة الدرجة جراء الحرب، فيما اعتبرت اليونيسيف أن 326 ألف قاصر وطفل بحاجة إلى الرعاية النفسية في قطاع غزة.
وتكمن خطورة الآثار النفسية للحرب، في حال إهمالها، في أن تبعاتها تكون آنية وتستمر على المدى البعيد، بحسب مختصين.
"الكثير من الحالات التي تعافت من الحروب الماضية عادت وانتكست مع الحرب الأخيرة.
"
د. حسن الخواجة مسؤول لجنة الطوارئ في الحرب -طبيب عيادة منطقة غرب غزة التابعة إلى وزارة الصحة- قال لـ"الرسالة نت" إن أكثر من 60% من الحالات التي عاينها كانت تعاني من اضطرابات نفسية من الحرب.
ويجمع المختصون النفسيون على أن نسبة الإصابات النفسية بالصدمة ترتفع لدى المصابين جسديا جراء الحرب، مؤكدين أن جزءا منهم يحتفظ بتلك الآثار في داخلة ولا يتخلص منها، مدللين ان عددا من الأمريكان لازالوا يعانون من آثار الحرب الفيتنامية رغم مرور وقت طويل عليها.
وذلك ينطبق واقعا على أسرة المواطن أبو احمد (اسم مستعار) القاطنة في مدينة رفح، حيث تخضع للعلاج النفسي في أحد المراكز العلاجية بالمدينة خصوصا بعد إصابتها بجراح جسدية ونفسية غائرة، لذا فهي تحتاج إلى وقت طويل للتعافي منها بعد أن فقد الأب إحدى قدميه في الحرب، فيما فقدت الأم كلتيهما، ولم ينج طفلهما الوحيد من الإصابة بعد استهداف المنزل.
انتقال العائلة من خانة الأصحاء لتصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة ترك آثارا نفسية مضاعفة على أفرادها الذين لن يتمكن العلاج من محو كل تلك الآثار مهما بلغت نجاعته بحسب طبيبهم المعالج.
وتكمن الخطورة بحسب الطبيب الخواجة، في العديد من الحالات التي تجهل مرضها النفسي، وتنعكس عليها أمراضا عضوية كالأمراض الجلدية واوجاع المعدة والتقيؤ والشعور بالغثيان، فتبقى تلك الأمراض ملازمة للشخص لسنوات بسبب الخلل في التشخيص الطبي.
ويجمع المختصون الذين استطلعت "الرسالة" آراءهم على أن الحرب الأخيرة حملت للسكان آثارا نفسية هي الأصعب مقارنة بالحربين السابقتين.
وشبه الخواجة الصدمة التي تخلفها الحرب بالقنبلة التي لا حدود لآثارها والتي تضرب في كل الاتجاهات، موضحا أن من آثارها، العصبية وتبلد المشاعر والتعامل بقسوة مع الآخرين ما يجعل آثارها تنكس على الوسط المحيط.
ونصح كل من شعر بأي تغيرات بعد الحرب على سلوكه وحياته بالاتجاه للعيادات النفسية للمعاينة.
وأشار الخواجة إلى أن نسبة ليست بالقليلة من سكان القطاع كانت قد تعرضت للأذى النفسي، لكن غالبيتهم لم يتلقوا العلاج اللازم لحالتهم، إما لضعف الثقافة أو الخشية من الوصمة النفسية.
الأخصائي النفسي بمستشفى الطب النفسي اسماعيل أبو ركاب قال إن الفترة الزمنية الفاصلة ما بين الحرب والتي تعد بمثابة الحدث الصادم ولحظة كتابة التحقيق كانت كافية لمحو آثار الحرب عن البعض، فيما عمقت تلك الآثار لدى البعض الآخر لإهمال العلاج.
"تأثير المرض النفسي لا يقتصر على المصاب بل ينتقل إلى عائلته التي تظهر عليها الاضطرابات.
"
وأوضح أن بعض الفئات استطاعت علاج الآثار مع المدة بسبب التكافل الاسري والتدخل النفسي، ذاكرا أن الأطفال أكثر تأثرا نتيجة لقلة خبرتهم بالصدمات على عكس الكبار الذين قد تعرضوا لخبرات سابقة تمكنهم من مواجهة الحدث، مشيرا إلى أن الخبرات الصادمة الأولى تعد مهددة للحياة في بعض الاحيان وردة الفعل التي تنتج عنها تكون عنيفة لكونها مفاجئة.
وتعد أهم الآثار النفسية التي خلفتها الحرب على الأطفال بحسب أبو ركاب الصراخ والعدوانية، وتشتت الانتباه وفقدان التركيز، بالإضافة لردات الفعل الإسقاطية المتمثلة بالتبول اللاإرادي وقضم الاظافر والكوابيس والهروب من الواقع بكثرة النوم، في حين يتعرض الكبار لتلك الأعراض السابقة ويضاف إليها التوتر والسرحان والقلق والاكتئاب، وتوقع الأسوأ دوما والتفكير السلبي بالمستقبل.
تسبب الانحراف
الوضع السياسي في القطاع له دور في تكريس الحالة النفسية السيئة لدى المواطنين، خاصة أن سكان القطاع يعايشون صدمة منذ العام 1948 وتنتقل تلك الصدمة للأجيال.
ويؤكد د. سامي عويضة الطبيب النفسي في برنامج غزة للصحة النفسية أن دولة الاحتلال تعتمد على الحرب النفسية وتدرسها خلال حروبها للقطاع بهدف تدمير المواطن الفلسطيني، مشيرا إلى أن ثلاثة حروب خلال 6 سنوات تعتبر قاصمة، موضحا أن الاحتلال اختار توقيت الحرب بعد ست سنوات من الحصار ليجهز على المواطنين رغم أنه فشل في تحقيق ذلك.
ويذكر عويضة أن أصعب ما في الحرب الأخيرة هي فقدان أشخاص وعائلات بأكملها كون الفقد له تداعيات نفسية خطيرة.
ويرى أن الأعراض النفسية لم تستثن أيا من سكان القطاع، لكن ما تسبب بإضرابات نفسية للبعض هو اجتماع أكثر من عرض نفسي لديهم، واصفا الوضع بالكارثي في قطاع غزة على الصعيد النفسي.
وبحسب مشاهدات "الرسالة نت" فإن البعض ممن أصيبوا باضطرابات نفسية والتقتهم في مراكز للعلاج لم يتعرضوا شخصيا للأذى لكن حالة الخوف والهلع هي من تسببت لهم بالاضطراب النفسي.
أحد أولئك الشبان البالغ من العمر ثلاثين عاما والذي كان ينتظر دوره في إحدى العيادات الخاصة يشتكي من قلق واكتئاب منذ نهاية الحرب وهو ما أثر على حياته الأسرية والعملية.
"رغم مرور أربعة أشهر على الحرب إلا أن الإحصائيات لازالت غائبة.
"
يقول إنه بات عصبيا لأتفه الأسباب ولا حظ أنه يضرب أبناءه بشكل مستمر لذا قرر اللجوء للعيادة، وبعد عدة جلسات لاحظ أن حالته تحسنت بشكل لافت وبدأت حياته تعود لطبيعتها.
ويؤكد أخصائيو علم النفس أن عددا غير قليل من الحالات التي عرضت عليهم سواء لكبار أو صغار لم يكونوا في مكان الحادثة بل أن بعضهم تأثر من مشاهدته للتلفاز أوقات الحرب.
مخاطر الاضطراب النفسي لا تقف عند حد تغيير سلوك المصاب بحسب أبو ركاب لذا فإن بعض المواقف المهددة للحياة تجعل الشخص يميل للانحراف وتعاطي المخدرات للهروب من الواقع نتيجة للضغوط النفسية الواقعة عليه.
وهو ما يوافقه فيه الطبيب الخواجة فيرى أن 70% ممن يعانون الصدمة في حال إهمالهم، يكونون معرضين للانحراف الجنسي والسلوكي، ويتجهون إلى تعاطي المخدرات.
فقدان تركيز
وتعاني نسبة كبيرة من الأطفال من فرط الحركة ونقص الانتباه والتركيز بحسب تأكيدات العديد من المراكز الخاصة بالعلاج النفسي والمختصين، معتبرين أن ضعف التحصيل العلمي بات سمة لدى الكثير من الطلبة وخاصة من تعرض منهم لتجارب خاصة خلال الحرب.
ويقدر الدكتور الخواجة نسبة الأطفال الذين يعانون الاضطراب النفسي بـ20%، مؤكدا أن تلك المشكلة تؤثر على التحصيل العلمي ومستوى الذكاء لديهم وبخاصة أن غالبيتهم لم يتعرضوا لعلاج بسبب ضعف ثقافة الاهل.
الأعراض السابقة أكدها "للرسالة نت" عدد من مدراء المدارس والذين لاحظوا بدورهم تراجع في مستوى الطلبة مقارنة بالعام الماضي، مشيرين إلى أن الأطفال الذين تعرضوا للخطر والأذى بشكل مباشر في الحرب بدت اعراض تشتت الذهن والسرحان وكذلك العنف ظاهرة عليهم أكثر من غيرهم من الطلبة.
"الرسالة"، وبسبب فقدان الدراسات (الافتقاد للإحصاءات الرسمية) وذلك لحداثة الحرب الأخيرة على غزة، استعانت بإحصاءات أعدها الدكتور عطا حسن درويش الأستاذ المشارك في قسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الأزهر عقد الحرب الأولى في العام 2008-2009 والتي أظهرت أن هناك أثرا سلبيا للعدوان على تحصيل التلاميذ ودافعيتهم نحو التعلم، وقد كان مستوى تأثير العدوان في الستة شهور الأولى على مستوى تحصيل التلاميذ 48%، والدافعية 52%.
أما فيما يتعلق بمستوى تركيز التلاميذ فقد تأثر سلبيا بنسبة 50% كذلك تأثر نشاطهم ومشاركتهم داخل الحصة بنسبة 58%، أما فيما يتعلق بمستوى العنف داخل المدرسة فقد ازداد بنسبة 52%، بينما تأثر مستوى عدم الانضباط ليشكل زيادة مقدارها 53%، في حين أظهرت النتائج أن مستوى اهتمام الأهل بزيارة المدارس والسؤال عن أداء أبنائهم قد تأثر بشكل سلبي ليصل إلى 50% في الشهور الاولى بعد الحرب.
ويؤكد أبو ركاب انتشار العنف في المدارس، فيما ازدادت حالات الطلاق والعنف الأسري، مشيرا إلى أن ما يحدث هو ردات فعل طبيعية لأحداث ومواقف غير طبيعية.
مشاريع تذهب سدى
ولعل حجم الاضطراب النفسي الحاصل في القطاع يبقي السؤال عن جدوى وفاعلية مشاريع الدعم النفسي التي يذيع صيتها غالبا بعد الحروب على غزة، وتقوم عليها المؤسسات الأهلية، غير أن مختصين نفسيين أشاروا إلى أهمية أن تقوم وزارة الصحة بممارسة دور رقابي على تلك المشاريع.
"الرسالة" طرقت أبواب عدد من المؤسسات التي ترعى مشاريع الدعم النفسي في غزة، وتبين لها أن حلقة الاتصال مع وزارة الصحة مفقودة، فضلا عن كون تلك المؤسسات غير متخصصة أصلا في مجال الرعاية النفسية.
ويقتصر دور تلك المؤسسات على الإعلان عن حاجتهم لمنشطين اجتماعيين ونفسيين ومن ثم البدء بجولات ميدانية دون إخضاع القائمين لدورات تأهيل.
المختص النفسي أبو ركاب أكد أن بعض المختصين العاملين في تلك المشاريع غير مؤهلين بالشكل الكافي، في حين أن كل مختص يحمل فلسفة مختلفة عن زميله في التعاطي مع الحالات مما يؤثر على آليات العلاج.
وبحسب أبو ركاب فإن بعض الجمعيات تعمل بشكل مهني لكن الدعم المشروط ومحمود المدة يؤثر على العمل، كما أن تغير الأشخاص القائمين على العلاج لانتهاء الدعم أو العقود في بعض الأحيان يؤثر على الخدمات المقدمة.
بدوره يرى المختص الخواجة بأن الكثير من المشاريع تذهب هباء منثورا، لغياب الرقابة وعدم تحديد الأولويات لذا فجلها يعتمد على الترفيه والذي لا يغير من حالة المصابين لاحتياجهم لتدخل علاجي.
وتساءل الدكتور يوسف عوض الله مدير عيادة رفح الحكومية ماذا لو عادت الحرب من جديد هل لدينا خطط للعمل؟، مشيرا إلى أن العديد من تلك المؤسسات أغلقت أبوابها وقت الحرب، داعيا لاستغلال دعم تلك المشاريع في أشياء دائمة وذات فائدة.
ودعا المشاركون في التحقيق إلى ضرورة أن تكون وزارة الصحة مظلة لتوجيه تلك الجمعيات والمؤسسات في العمل لتحديد الأولويات، مشيرين إلى ضرورة وجود تخطيط واستراتيجية في التعامل معها.
"إهمال الأهل لعلاج المرضى يزيد من صعوبة الحالات وقد يدخلها في انعكاسات خطيرة تتمثل بالإدمان والانحراف الجنسي.
"
وأكد عوض الله على ضرورة معرفة كل مؤسسة لدورها عند وقوع الحدث من خلال الخطة التي تعتمد تقسيم المناطق والمهام فيما بين المؤسسات من خلال بنك معلومات يضمن عدم تضارب العمل وتشرذمه.
وبحسب أبو ركاب فإن هناك تداخل في عمل المؤسسات ووزارة الصحة، موضحا أن مهمة المؤسسات الخاصة التدخل على صعيد المستوى الأول والثاني فقط من العلاج فيما تسند مهمة العلاج في مستواها الثالث للحكومة إلا أن ذلك لا يحدث.
فيما اعتبر النفسي عويضة أن كل مؤسسة تعمل وفق برامج محددة تحكمها فيها كمية الدعم ومدته، مشيرا إلى أنه نظرا لحجم الكارثة تعجز المؤسسات المحلية في تغطيتها بالشكل الكافي في ظل انتكاس العديد من الحالات في كل مرة تتجدد فيها الحرب على غزة مع إضافة أعداد جديدة.
ورغم الانتقادات إلا أن الأخصائيين في الحكومة أكدوا أن عددا من مؤسسات المجتمع المدني استطاعت أن تتفوق على الحكومة في بعض الجوانب أهمها المسح الميداني والإحصاء.
اهمال حكومي
"الرسالة نت" وخلالها إجرائها للتحقيق لامست قصورا حكوميا في التعامل مع ملف الطب النفسي وظهر ذلك في تأخر ظهور الإحصائيات الخاصة بعدد المتضررين النفسيين من الحرب رغم مرور أربعة أشهر على انتهائها، بالإضافة لضعف إمكانيات العيادات الحكومية وضيقها وعدم ملاءمتها لأعداد المترددين عليها.
القصور ظهر جليا في عيادة غرب غزة التي زارتها "الرسالة" ورغم أنها تغطي المرضى في مناطق (الشاطئ- الشمالي - تل الهوا - النصر - الجلاء - الشيخ رضوان) إلا أنها تشكو من الضيق وقلة الغرف والامكانات اللوجستية وتفتقد لمولد كهربائي.
مدير العيادة الدكتور الخواجة ذكر ان عيادته غير مؤهلة لعلاج المرضى، كما اشتكى من نقص حاد في الأدوية، مشيرا إلى أنهم ليس لديهم المقدرة للوصول لكل الحالات بسبب قلة الكادر البشري خاصة وان من يتردد عليهم هم قرابة 100 شخص فقط.
ومن المهم الحديث عن أن وزارة الصحة لم تجر مسحا ميدانيا بعد الحرب الأخيرة للوصول لكل المصابين، خاصة وان البعض يجهل أعراض الاضطراب النفسي.
وبحسب الخواجة فإن الكثير من المرضى لا يوجد لهم دواء لكون الكميات الموردة للوزارة هي ذاتها منذ سنوات طويلة رغم تضاعف أعداد المرضى وهو ما يقف عائقا في تحسن عشرات الحالات.
ويذكر أن قطاع غزة يضم 6 عيادات نفسية تعمل صباحا بالإضافة لمستشفى في مدينة غزة، احدها عيادة مدينة خانيونس وهي عبارة عن شقة في عمارة سكنية لا تتلاءم أوضاعها من مواصفات العيادة النفسية.
فيما اشتكى عوض الله من قلة الكادر البشري في مجال الطب النفسي، مشيرا إلى أن منظمة الصحة العالمية عند تقييمها لعيادته ذكرت أنها تحتاج لثلاثة أطباء نفسيين في حين أنها لا تضم سواه طبيبا.
وذكر أن عيادته تحتاج إلى غرفة للعلاج باللعب، مرجعا سبب النقص لقلة الامكانات والحصار المفروض على القطاع. وبين أن هناك نقص فيما يقارب 15 عقارا طبيا من أصل 40 وهي أدوية أساسية في علاج العديد من حالات الاضطراب النفسي.
وانتقد عوض الله عدم وجود إحصائيات حتى اللحظة، مشيرا إلى أن المؤسسات الأهلية تسبقهم في ذلك، قائلا "أهيب بالباحثين التركيز على الجانب البحثي في القطاع لغياب العديد من الأبحاث الهامة في المجال".
السبب ضعف الإمكانيات
وللوقوف على أسباب القصور توجهت "الرسالة نت" للدكتورة د. خضرة العمصي مديرة مستشفى الطب النفسي وقالت بدورها إنهم محكومون بعدد الموظفين المقدمين للخدمة والأدوية، مشيرة إلى أن النقص مشكلة قديمة سببها الحصار وتظهر واضحة بعد الحرب.
وتعتمد الوزارة في أدوية الجانب النفسي على الهبات والمنح، موضحة أن وزراتها في انتظار وصول بعض الأصناف التي طلبتها من منظمة الصحة العالمية منذ ستة أشهر.
وحول قلة الامكانيات في المراكز تحدثت أن وزراتها لديها عدد من المراكز المتقدمة في منطقة الزوايدة وتل السلطان وفي كل المناطق يحصل الطب النفسي على جناح في العيادات الأولوية.
العمصي أقرت بعدم ملائمة عيادتي غرب غزة وخانيونس لعلاج المرضى النفسيين، موضحة أن المشكلة ظهرت في غرب غزة بعد قرار ضم الجزء العلوي من العيادة لوزارة الأوقاف لذا تسعى وزراتها لاسترجاعه. أما عيادة خانيونس فهي في انتظار بناء عيادة رعاية أولية لحل المشكلة.
ونفت أن يكون اهتمام الوزارة بالجانب النفسي غير كاف إلا أن ضعف الإمكانيات هو الذي يقف حائلا أمام التطوير، خاصة وان الوزارة لا يمكنها فرض نوع التبرع على الجهات المانحة.
وذكرت العمصي أن وزارتها لديها خطط للعمل، مؤكدة أن الخطة التشغيلية للوزارة تضم جانبا للصحة النفسية، مع التأكيد على وجود تنسيق دائم بين الوزارة ومؤسسات المجتمع المدني.
وحول الاحصائيات المتعلقة بضحايا الحرب ذكرت أن وزراتها تعكف على الانتهاء منها مع نهاية العام الجاري، كما انها بصدد تنفيذ خطة استراتيجية تشارك فيها الوزارة إلى جانب المؤسسات الأهلية والدولية لتقسيم الأدوار فيما بينها.
وأقرت العمصي أن وزارتها ليس لها دور رقابي على المؤسسات الأهلية إلا تلك التي تشترك مع الوزارة في مشاريع، أما المؤسسات الصغيرة فهي لا تراقبها لكونها تعمل بشكل موسمي وبدعم قليل وليست ذات جدوى.
وتشير إلى أن قدرات وزراتها والاطقم الموجودة لا تكفي لإجراء مسح ميداني، وتتغلب على ذلك بعمل دورات وجولات تثقيفية مستعينة بوسائل الإعلام.
وترى العمصي ان الحكومة يقع على عاتقها الجزء الاكبر من الخدمات، وهي تسعى لتكون المسيطرة على كل مقدمي الخدمة من خلال تكوين لجنة وطنية وبزيادة أعداد الكادر البشري.
وللدلالة على اهتمام وزارتها ذكرت أنهم بصدد عمل بورد فلسطيني في الطب النفسي، بالإضافة لافتتاح قسم دبلوم متخصص للممرضين في مجال الطب النفسي.
العلاج ضروري
ويبدو العلاج في حالة وعي الأهل ناجعا في الكثير من الحالات أحدها كانت للفتاة مريم أسم مستعار 16 عاما والتي دخلت في حالة اضطراب عقلي بسبب قصف منزلها وانتقالها لمنزل آخر.
اهتمام العائلة بالفتاة وعرضها على طبيب نفسي تسبب بشفائها بعد شهرين من العلاج وكان كفيلا بإخراج الفتاة من الاضطراب العقلي والتخلص من حالة الاكتئاب بعدها لتعود لمقاعد الدراسة.
ويرى الطبيب عوض الله أن وعي الأهل نقطة جوهرية في علاج المصابين، داعيا للسماح للأطفال للتعبير عن أنفسهم وتوفير أوراق وألوان للرسم.
ونصح الأهالي بالإكثار من التنزه خلال الفترة الحالية مع إشعار الطفل بالأمان من خلال الاحتضان والطبطبة والحديث الدائم.
ويرى عوض الله أن إعادة مشاهد الحرب على شاشات التلفزة تساعد في ترسيخ الصدمة لدى المصابين، داعيا إلى التقليل منها والتركيز على كيفية بناء الأسرة والمجتمع.
فيما يعتبر الدكتور عويضة أن جزءا من تحسن المصابين متعلق بتحسن الأوضاع السياسية.
ويرى أنه لا جدوى لأي برنامج نفسي في حال عدم وجود تدخل خارجي للجم الاحتلال، مشيرا إلى أن معاقبة الجاني ومحاكمته تشعر الضحايا بالرضا وتحسن من وضعهم.
وينصح الدكتور الخواجة بتعريض جميع فئات المجتمع للعلاج النفسي في حال شعروا بأي تغير على حياتهم بمن فيهم المقاومون، موضحا أن ذلك لا يعني أن المصاب ضعيف بل عايش ما يفوق قدرته على التحمل.
ويشير إلى أن دولة الاحتلال لديها أعداد غير معروفة من مراكز العلاج النفسي المختصة بالترويح عن جنودها بعد الحروب ليصبحوا أكثر قدرة على اتخاذ القرارات في وقت الحرب.
من الواضح أن الاضطرابات النفسية تترك آثارا كارثية على المصاب والمحيطين به؛ لذا من الضروري وجود مجلس أعلى للصحة النفسية يضم المؤسسات الحكومية والأهلية للعمل باستراتيجية واضحة على إعادة إعمار الأجساد التي دمرتها آلة الحرب (الإسرائيلية).