"ممنوع الاعتراض"، يافطة معلّقة في مخيلة رئيس السلطة محمود عباس، تقابل كل من يفكر في مجابهة سياسة أبو مازن، خاصة تلك التي تؤثر على بقائه في الحكم.
خلافات عباس مع قيادات وازنة في السلطة ومن فتح تحديدا، بدأت منذ نهاية عام 2010، عندما كشفت مصادر فلسطينية موثوقة أن الشهرين الأخيرين شهدا مزيدا من الخلاف بين عباس والنائب عن حركة فتح محمد دحلان.
وأشارت المصادر حينها إلى أن أهم ما فاقم العلاقة بين الرجلين، اتهام مساعدين لعباس دحلان بأنه وراء تحريض قيادات في فتح، خاصة ناصر القدوة، على أنهم أحق منه ورئيس حكومته سلام فياض بالحكم واستلام زمام الأمور بالسلطة، فيما قالت إن ما فاقم الخلاف بشكل حاد، تدخل دحلان بملف تشكيل الحكومة الجديدة لفياض آنذاك، الأمر الذي أزعج الأخير وأبو مازن.
ومنذ ذلك الوقت استمرت الخلافات بينهما، إلى أن وصلت ذروتها قبل حوالي أسبوع، عندما خرج أنصار دحلان في غزة، واتهموا عباس بالفساد والسيطرة على السلطة، ورفعوا شعارات ضده لترك الحكم، فيما صرح دحلان بعدها على صفحته عبر فيسبوك "أن هذه التظاهرة بداية لمرحلة جديدة".
عبد ربه وفياض
وبالانتقال من أشد قيادات فتح عداء لعباس، إلى "المدافع" عن أفكار رئيس السلطة سابقا، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، الذي ظهر خلاف حديثا بينه وأبو مازن بعد إعلان الأخير إعفاءه من منصبه.
وتعود جذور الخلافات بين عباس وحليفه سابقا، إلى تاريخ "استحقاق أيلول" عام 2011، إذ اتهم الأول، عبد ربه بمحاولة التشويش على مساره الدبلوماسي في إطار معركة الاعتراف الدولي بفلسطين، على أن عبد ربه وفياض أوحيا إلى العواصم العربية بعدم جديّة رئيس السلطة في استحصال الاعتراف.
وبعد حروب كلامية، سحب عباس حقيبة الإشراف على الإعلام الرسمي، بما فيها هيئة الإذاعة والتلفزيون من يد عبد ربه، ووصف ما جرى بأنه "طعنة في الظهر في لحظة تاريخية حساسة".
نقطة الانفجار جاءت بعد مدة وجيزة، إذ تراجع عبد ربه وفياض عن المشاركة في وفد فلسطيني كان مكلّفاً بنقل رسالة عباس إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو ما اعتبره المراقبون "القشة التي قصمت ظهر البعير"، لكن بعد ذلك عادت الأمور إلى طبيعتها بين الرجلين.
ويبدو أن مدة الصلح لم تدم طويلا، فعاد الخلاف مجددا ليطفو على السطح عندما أعلن رئيس السلطة نيته إقالة عبد ربه من منصب أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة.
وشهدت العلاقة بين عبد ربه وعباس توترًا حادًا، خاصة بعد وصول معلومات رسمية للأخير بإجراء عبد ربه لقاءات سرية مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية وشخصيات مرموقة داخل الأوساط "الإسرائيلية"، لا سيما بعد لقاء الأول مع دحلان -عدو عباس اللدود-وكيري في دبي.
وحديثا، قرر عباس العفو عن عبد ربه مقابل إعفائه من منصبه وإسناده لشخص آخر، مع ابقاء مشاركته باجتماعات القيادة الفلسطينية، كما ذكر مصدر قيادي رفيع المستوى في تصريح سابق لـ "الرسالة نت".
خلافات عباس مع رجالاته لم تقف عند هذا الحد، وكانت قد وصلت حدتها مع رئيس الوزراء السابق في حكومة رام الله سلام فياض عام 2012، عندما استقال بعد اختلافه مع أبو مازن على قبول أو رفض استقالة وزير المالية في حينه نبيل قسيس، فيما كان فياض يمسك بقوة بتلك الحقيبة لسنوات.
الأحمد وزكارنة
وقبل أسابيع قليلة أصدر رئيس السلطة أيضا، أمرا غير قانوني بإقالة أمين سر المجلس التشريعي، إبراهيم خريشة -الذي عيّنه عباس بنفسه-بعد أن أطلق الأخير تصريحات حمّل فيها رئيس الحكومة رامي الحمد الله، المسؤولية عن اعتقال رئيس نقابة الموظفين بسام زكارنة ونائبه معين عنساوي.
وأظهر استطلاع للرأي أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين يخشون انتقاد رئيس السلطة، وأن بعضاً من أفعاله يبرهن أن معارضته لها سعرها الغالي.
ووفقاً للاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني المستقل للبحوث السياسية والمسحية، فإن أكثر من66% قالوا إنهم لا يستطيعون انتقاد عباس دون الخوف من العواقب.
وبحسب صحيفة هآرتس (الاسرائيلية) التي أوردت الخبر على موقعها الناطق بالإنجليزية، فإن عباس حظر الشهر الماضي أكبر نقابة عمالية فلسطينية، بل وسجن اثنين من قادتها، بعد تنظيمهما لإضرابين.
وأضافت الصحيفة أن الأجهزة الأمنية التابعة لعباس، تراقب وبشكل روتيني وسائل التواصل الاجتماعي، وترسل تهديدات لبعض من ينتقد عباس، وفي الوقت نفسه فإن عباس -زعيم حركة فتح-مستمر في تطهير من يؤيد غريمه في الخارج، في إشارة لمحمد دحلان.
وبحسب هآرتس، فإن منتقدي عباس يقولون إنه يشرف على نظام استبدادي إلى حد كبير، وهو ما ينفيه أنصار أبو مازن، الذين يدعون أنهم في ظله يتمتعون بمزيد من الحريات السياسية أكثر من معظم بلدان العالم العربي.
ومن آخر مفاجآت خلافات عباس، ما أفاده مصدر قيادي من منظمة التحرير أن العلاقة بين عباس وقيادات فلسطينية أخرى شهدت حالة من التوتر وفي مقدمتهم عزام الأحمد، على خلفية مشاركته في برنامج تلفزيوني قبل أسابيع، واشتباكه الإعلامي مع رئيس الوزراء رامي الحمد الله في هذه المقابلة.
وذكر القيادي بأنّ الأحمد قبّل رأس أبو مازن في إحدى اجتماعات القيادة الفلسطينية، في محاولة منه لاسترضائه.
وكما نرى، فإن الآونة الأخيرة شهدت خصامًا سياسيًا بين عباس وعدد كبير من قيادات السلطة، ما أحدث توترا في علاقاته الداخلية للسلطة وفتح، ويبقى السؤال المطروح للفترة المقبلة: "الدور على مين؟".