رام الله – مراسلة الرسالة نت
"سأكون طبيبة ناجحة".. وقفت أحلامها عند هذا الحد قبل أن تسرق براءَتها عجلاتُ سيارة مغتصب بالقرب من منزلها، فأمست الفتاة المتفوقة "سمر" اسماً في لائحة طويلة من الأسماء التي غرقت بدمائها شاكية ظلم المستوطنين.
ولم تقترف سمر رضوان "19 عاما" أي ذنب حين قررت زيارة جدتها في قريتها اللبن الغربية غرب مدينة رام الله، فتوجهت مع شقيقتها سحر "17 عاما" إلى بيت الجدة كي تنعم ببضع ساعات من الراحة بعيداً عن كتب الثانوية العامة لتعود بنشاط أكبر، ولم تكن تعلم أن ساعات الراحة تلك ستكون أبدية لا رجعة منها.
وأثناء سيرهما على رصيف الشارع الذي سرقه المستوطنون سمعتا صوت سيارة مسرعة من بعيد، فالتزمتا الرصيف أكثر من ذي قبل، إلا أن المستوطن آثر استهدافهما بشكل متعمد مقتحماً الرصيف الآمن وملقيا بسمر على الأرض مضرجة بدمائها، أما سحر التي لم تصب بأذى فوقفت مشدوهة تنظر إلى شقيتها وقد تهشم رأسها.
متعمداً وكاذباً
هي لحظات فقط تأرجحت بين ضحكات سمر مع أختها وبين سقوطها أرضاً مشوهة الملامح، حتى كادت طيور الأشجار التي شهدت الحادث تنعاها من عليائها محزونة على مصابها.
أما المستوطن فحاول الهرب من المكان إلا أن بضع سيارات تواجدت منعته من ذلك، حتى إذا جاء شرطي احتلالي سأله عن السرعة التي كان يسير بها فأجابه بأنها كانت 25 كم في الساعة، وهي الإجابة التي أضحكت حتى الشرطي الصهيوني واصفا إياه بالكاذب، ولكن جزاءه لم يزد على ذلك فأطلق سراحه وتابع مسيره.
وهناك في بيت سمر وصل الخبر المثقل بالدموع ليتحول إلى ساحة بكاء وعويل تنتظر خبراً صافياً عن حالتها، ويمسح شقيقها سامر دمعة تساقطت على وجنته قبل أن يشرح لـ"الرسالة" كيف تلقت عائلته الخبر.
فيقول:" وصلتنا أخبار من أهالي القرية بأن حادثا وقع مع فتاة وشقيقتها فعرفنا أنهما سمر وسحر وحاولنا التوجه إلى المكان بعد الحادث مباشرة ولكن تم نقلها إلى مستشفيات داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وكانت حالتها بغاية الخطورة، ولم يستطع أي منا الوصول إليها بسبب عدم حيازتنا التصاريح ما عدا خالها، فكنا على اتصال دائم معه حول حالتها الصحية".
وليس الموقف أكثر إيلاماً إلا على سحر التي ما زالت تعاني من آثار الصدمة، فيقول سامر بأنها لا تأكل ولا تشرب ولا حتى تبكي ولا تفعل أي تصرف آخر، وإنما تجلس وحيدة بادية عليها آثار الصدمة أو الذهول.. كيف لا وهي من فقدت شقيقتها أمام عينيها؟!
وفي اليوم التالي رن جرس الهاتف في البيت المحزون، وإذا به خال سمر يتحشرج صوته متقطعا بالدموع والألم على إعلان استشهاد الفتاة المتفوقة سمر ذات الأحلام البريئة..
ويضيف سامر:" سمر كانت فتاة متفوقة ذات معدل 90% في الفصل الأول من الثانوية العامة الفرع العلمي، وكانت تحب الحياة وتحب أهلها وتبني لهم أحلاما ترفع رأسهم كما كانت تقول، واليوم غادرتنا وانتزعت قطعاً من قلوبنا.. لتزيد جرحاُ فوق جرح شقيقي الأسير هيثم المحكوم بالمؤبد خمس مرات".
جرح قديم جديد
وليست حكاية المسنة زهدية رضوان (60 عاما) من قرية حارس قرب سلفيت أقل ألماً من قصة سمر، فقبل 11 عاماً كانت على موعد مع عجلات سيارة مستوطن آخر باغتها حين كانت تهم للتوجه إلى حقلها لقطف الزيتون، فأسقطها أرضاً وتركها تنزف دون أي مساعدة.
وبعد فترة لا بأس بها وصلت سيارة إسعاف صهيونية نقلت المسنة إلى مستشفى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 مانعة أياً من أهلها من دخول الأراضي المحتلة أو زيارتها والاطمئنان عليها.
ويقول نجل الشهيدة الوحيد ناجح لـ" الرسالة" :" عندما وقع الحادث في 1999 منعنا من رؤية والدتي أو الاطمئنان عليها، واكتفوا بالقول بأن حالتها صعبة ولم يخبروننا بأي شيء، وحاولت أكثر من مرة إصدار تصريح لزيارتها ولكنهم رفضوا إعطائي، وبقيت والدتي 11 عاما في حالة موت سريري".
وقبل أيام قليلة هاتف مشفى بيتاح تكفا الصهيوني نجل المسنة سلطان مخبراً إياه بأن والدته فارقت الحياة، فرحلت دون أن يراها أو يودعها وبقي الحادث غصة في قلبه منذ سنوات.
ويتابع:" والدي موجود في الأردن ويمنعونني من زيارته ووالدتي الآن رحلت وتركوني وحيداً لا أرى أياً منهما، أما المستوطن الذي قتل أمي فحر طليق منذ ساعة وقوع الحادث ولم تكلف شرطة الاحتلال نفسها بالبحث عنه أو محاكمته".
سلاح ممنهج
وضمن سياسات الاحتلال الهادفة إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم تبرز هذه الوسيلة موقعة ضرراً كبيراً في أجساد ونفوس المواطنين، فالمستوطنون يتعمدون استهداف الفلسطينيين بسياراتهم على الشوارع الرئيسية التي سلبوها وحولوها إلى ممرات خاصة بهم يحظر على الفلسطيني دخولها.
وأمست هذه الوسيلة نهجاً دائماً يتبعه المستوطنون لإرهاب الفلسطينيين ومحاولة إجبارهم على الرحيل من أرضهم، ولأن الخبث يحرّك أفعالهم فللصهاينة تاريخ أسود تدميه حالات الدهس وحوادث السير المتعمدة بحق الفلسطينيين ومركباتهم، لتسجل وسيلة قديمة جديدة لقتل المواطنين وجرحهم إضافة للأسلحة الفتاكة وجرافات هدم المنازل والسياسات التهويدية.
وتشير تقارير لمؤسسات حقوقية بأن تسعة مواطنين استشهدوا خلال عام 2009 وأصيب 31 بين خطيرة ومتوسطة وطفيفة بعد تعرض مركباتهم وأجسادهم للاصطدام أو الدهس من قبل المغتصبين وآليات جيش الاحتلال.