يطوي عام 2014 صفحاته مخيبا آمال الفلسطينيين في قطاع غزة، بعدما جاءت مقدمته مبشّرة وحملت أحداثا أسعدتهم، كان باكورتها اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس ثم تشكيل حكومة التوافق الوطني، لكن الخاتمة جاءت على غير ما كانوا يشتهون، لتدوّن عدوانا إسرائيليا "كان الأعنف وغير المسبوق"، أعقبه عودة الخلاف بين أطراف الانقسام، وما تبعه من تلكؤ في إعمار غزة، قفز بمؤشر المعاناة.
وكان الفلسطينيون قد تنفسوا الصعداء حين أُعلن في النصف الأول لعام 2014، وتحديدا في شهر إبريل، عن توصل فتح وحماس إلى اتفاق مصالحة ينهي بموجه سنوات الانقسام، عُرف باسم "اتفاق الشاطئ"، وأفضى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد شهرين من توقيعه، وكان رجائهم وقتها أن يقود ذلك نحو إنهاء الحصار، وأن يضع حدا لشظف العيش.
ورغم المخاض العسير الذي شهدته الشهور القليلة التي أعقبت اتفاق الشاطئ، إلا أنه انتهى بولادة حكومة التوافق، وكان يوم إعلانها بمنزلة "مناسبة وطنية" احتفل بها الفلسطينيون في شتى أماكن تواجدهم، لكن "دولاب الحظ" لم يدر على الشاكلة ومستوى السرعة التي أرادوها، فـغرقت الباخرة قرب المرفأ -على رأي المثل-وتبعثرت الآمال مع اندلاع العدوان (الإسرائيلي) بداية شهر مايو، الذي تدحرج إلى غزة بعد حادث خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية المحتلة، وإحراق الفتى محمد أبو خضير من حي سلوان في القدس المحتلة.
قسوة العدوان وحجم الضحايا الذين سقطوا بسببه، حرّكت المواقف العربية الراكدة اتجاه غزة، حتى مواقف الدول الأوروبية نفسها، التي جابت شوارعها مظاهرات مناهضة لـ(إسرائيل) ومدافعة عن حقوق الإنسان، انتهت بتبني الدولة مجتمعة الدعوة إلى التهدئة، وعقد مؤتمر في القاهرة لإعادة إعمار ما دمّرته (إسرائيل)، وكان المؤتمر بحد ذاته، حدثا مهما في هذا العام نفسه، مع وجود أكثر من 50 منظمة وحكومة، تعتزم تقديم الدعم لغزة.
ولا يمكن القفز عند الحديث عن العدوان (الإسرائيلي)، عن انتصار المقاومة وإيراده باعتباره الحدث الأكثر أهمية، والذي تغنّى به الفلسطينيون وغطّت فرحتهم به -في ذاك الحين-على فرحتهم بمصالحة فتح وحماس وتشكيل حكومة الوحدة، خصوصا أنها فاجأت الجميع بأسلحة عسكرية وتكتيكات قتالية جديدة، لم تُحسن أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية) تقديرها، كان أبرزها سلاح الأنفاق، الأمر الذي كبّد جيش الاحتلال خسائر فادحة، فضلا عن اتساع مديات القذائف الصاروخية، حتى وصلت مدينة حيفا المحتلة شمالا.
وليست مبالغة اعتبار الوفد الفلسطيني المفاوض، حدثا يضاف إلى قائمة الأحداث المهمة التي شهدها عام 2014 في غزة، انطلاقا من أنه جمع الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، تحت مظلة واحدة للمطالبة بحقوقنا، وكذلك الحملات الفلسطينية لمقاطعة المنتجات (الإسرائيلية)، التي انطلقت وأُعلن عنها أثناء العدوان، ولاقتا قبولا واسعا واستجابة كبيرة من مختلف القطاعات، وتنامت إلى الحد الذي ألحق بالاحتلال خسائر اقتصادية فادحة أيضا.
وعكس المعتقد، لم تتحسن أحوال غزة بعد العدوان ومؤتمر الإعمار، وزادت حمولة المعاناة لديها، بعد حادث تفجير سيناء في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر هذا العام، الذي راح ضحيته 31 جنديا مصريا، لتعلن السلطات مباشرة إغلاق معبر رفح البري كاحتراز أمني مبكر، ثم لاحقا تكشف عن نيتها إقامة منطقة أمنية عازلة على الحدود مع القطاع؛ بغرض الإجهاز على ظاهرة الأنفاق، التي كانت بمنزلة الشريان الاقتصادي لغزة، علما أن هذا الحدث كان حينها شاغلا كبيرا لدى الفلسطينيين، لسبب أن أصابع الاتهام بالمسؤولية عن الحادث كانت منذ اللحظات الأولى له، تتجه نحوهم.
واستمرار للترتيب الزمني، فإن تلك الأحداث مع نهاية عام 2014، لم تتوسط لإنهاء الخلاف بين الفلسطينيين أنفسهم (فتح وحماس)، حتى تفاقم بعد التفجيرات التي استهدف منازل عدد كبير من قيادات فتح، وما أعقبها من منع إحياء الذكرى العاشرة للرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم تجاهل حكومة التوافق غزة تماما، واعتبارها "حمولة زائدة".
مما سبق، يتضح أن التفاؤل الذي استقبل به الفلسطينيون عام 2014 غدا شقاءً، لا يزال يراوحهم حتى قُبيل إطلالة العام الجديد، لكنهم رغم ذلك يأملون خيرا بعام أفضل لقناعة لديهم أن "بقاء الحال من المحال".