أطلّ العام الجديد 2015م مرتديًا وشاح الحزن والأسى، مشرعًا سيفه في وجه الغزيين ومكشرًا عن انيابه بما يحمله من أحداث مفجعة، أحرقت قلوب الغزيين في مساء عاصف بالبرودة، معتم من كل شيء سوى نيران التهمت جسدي طفلين وغيبتهما قهرًا وعنوة عن عالم الأحياء.
شمعة صغيرة كانت كافية بأن تطفئ حياة الطفلان عمر وخالد محمد الهبيل، اللذين توفيا جراء حريق نشب في منزلهما بحي الشاطئ غرب غزة مساء السبت، بسبب شمعة استخدمتها العائلة لانقطاع التيار أدت إلى حرق غرفة الطفلين.
لحظات من الرعب والذعر عاشها الطفلان قبل وفاتهما، حينما هبتّ النار في الغرفة حيث يلهو الطفلين، وتلاحقهما حتى داخل "الخزانة" التي حاولا الاختباء بداخلها للاحتماء منها، لتُمسح أسماءهم بغمضة عين من السجل المدني ليدونا في سجل الموتى.
أمنياتهم وألعابهم واللحظات الأخيرة في حياتهم، وحتى ضحكاتهم التي ملأت ارجاء المنزل قبل لحظات، لم يعد منها شيء سوى المشهد الأخير لاحتضان الطفلين بعضهما البعض لكن هذه المرة كان احتضان الخوف من مارد مرعب لحق بهما حتى الموت.
الأم المكلومة بفقدان طفليها حاولت أن تستجمع شيئًا من قوتها أو أن تستعيد وعيها لتتذكر المشهد الأخير، فلم تذكر سوى مشهد العثور على طفليها من تحت الفراش المحترق.
اللحظات القاسية ترويها الأم لـ ، بقولها إن "طفليها كانا على استعداد للنوم، بينما كانت تترصدهما نيران الشمعة المتمركزة عند باب الغرفة، لتحيل حياتهما خلال ثوان إلى العدم".
وتضيف الأم" حاول والدهما أن ينقذهما غير أن الباب كان موصدًا لقوة النيران، وبعدها فقد الوالد الوعي ولم يعد بمقدوره أن يفعل شيئًا، حتى هرعت طواقم الدفاع المدني وتمكنت من السيطرة على النيران وإخراج جثتي الطفلين".
لم تتمالك الأم نفسها ودموعها حينما بات أمام ناظريها مشهد حريق منزلها، وهي تسأل بحرقة وألم، ترى ما الذنب الذي اقترفه الطفلين كي يحترقا؟، في وقت لم تأت فيه الكهرباء على منزلهما سوى سويعات قليلة.
هذه الكهرباء اللعينة التي جاءت بعيد الحريق بدقائق، وكأنها تستفز مشاعرهم لتظهر لهم حجم الألم والحسرة إزاء ما سببته الشمعة في غيابها، هكذا ولدت شعور الكراهية لدى الأم " التي صرخت أكره الكهرباء تلك التي يذلنا بها رئيسنا ومعه الاحتلال"، كانت تقول.
وبلهجة سادها الغضب والحسرة وجهت رسالتها لرئيس السلطة محمود عباس بالقول " لقد حرق طفلي ألا يكفي ذلك كي تكف بلا وأذاك عن أهل غزة".
هنا قاطعتها جدة الأبناء برسالة غضب " يا عباس ويا حمد الله دماء ابناءنا في رقابكم إلى يوم الدين".
لقد مات خالد ومعه عمر، ولسان حاله يقول " مت يا أمي يوم ماتت ضمائر بعض مسئولينا، لم نعد نشعر بشيء يوم فقد الناس من حولنا معاني الشعور".
"الرسالة نت" توجهت لتوثيق المشهد حيث لم يعد في غرفة الطفلين سوى ما بات شاهدًا على أفظع كارثة يعيشها الغزيون، وعن أبشع أزمة ما زالوا يكتوون بنيرانها منذ ثمانية أعوام.
الطفلان رقدا بسلام في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وبقي أشقاءهما يتناوبون دمعات الألم والحسرة، يسألون عن الذنب الذي اقترفه شقيقيهما الطفلين حيث رحلا بلا عودة، ولن تعود ضحكاتهما البريئة لتملأ اركان المنزل من جديد.
لن تعود سارة باللعب مرة أخرى مع شقيقيها، ودمية الصغير عمرو لم تفارقه حتى في مماته فهي امتزجت بدمه وبقيت شاهدة على الجرم بحقه.
المشاهد المؤلمة ارتسمت على وجوه الصغار قبل الكبار في الحي قبل العائلة التي اكتظ الناس المعزون في فناء منزلها، والسؤال ذاته بات يتكرر على لسان الكثيرين منهم ما ذنب الطفلين لتزهق ارواحهم ظلمًا وقهرًا؟، ومن سيكون عليه الدور في المرة المقبلة كي يفجع بعائلته؟، ومتى سيكون لهذا الشعب قيادة تليق به ولا تكون سببًا في آلامه ومعاناته؟
وكان المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني محمد الميدنة قد أكدّ لـ"الرسالة نت"، أن سبب وفاة الطفلين نشوب حريق كان سببه شمعة في منزل عائلة الهبيل بغزة.
وتأتي هذه الحادثة لتستفز ذاكرة الغزيين إزاء العشرات من الحوادث المشابهة التي تحدث بشكل دوري، نظرًا لاستمرار انقطاع التيار الكهربائي منذ ثمانية أعوام.