مؤمن بسيسو
ما الذي يعنيه قرار اللجنة المركزية لحركة فتح بتصعيد المقاومة الشعبية السلمية في وجه الاحتلال؟!منذ أوسلو تدور فتح في دوامة من التناقضات التي سلبتها حضورها وحيويتها، وأوردتها موارد التراجع والخسران.
يمكن تفهّم قرار فتح بشأن المقاومة الشعبية السلمية إذا انتظم في إطار مرحلي كي يشكل توطئة انتقالية في إطار مراجعة الخيارات السياسية والبدائل الوطنية، واستهدف بلوغ خلاصات قاطعة تحتّم مواجهة المشروع الصهيوني ومخططاته المتصاعدة، أما إذا كان مجرد أداة ضغط أو تهويش بغرض الاستهلاك الخارجي أو محاولة لتنفيس غضب الرأي العام، فإن ذلك يشكل ضحكا على الذقون ولن ينطلي على أحد.
تعيش فتح أزمة خيارات، فقد ارتضت خيار التسوية استراتيجيا دون بديل، وأقحمت ذاتها في متاهة لا نهاية لها من المفاوضات العبثية، ولم تستطع أن تبلور رؤية أو حتى ملامح أي تصور كان إزاء البدائل التي يمكن استدعاءها حال فشل التسوية وانسداد الأفق التفاوضي.
المقاومة الشعبية السلمية لن تشكل بديلا حقيقيا لخيار التسوية الساقط في المرحلة الراهنة، فالتظاهرات والاعتصامات السلمية التي تفتقر إلى الأنياب الحادة لن تثير أي إزعاج لحكومة الاحتلال ومخططاتها الخطيرة، وما لم تكن جزءا من منظومة متكاملة ذات فاعلية وأثر ضاغط وحقيقي، فيمكن اعتبارها كأنها لم تكن!
لا تبدو فتح في وارد الجدية والصدقية المطلوبة إزاء قرار اعتماد المقاومة الشعبية، فمنذ اتخاذ القرار وحتى اليوم لم نلحظ أية ملامح تؤشر إلى خطة فتحاوية جديدة لاستنهاض البعد الجماهيري، وبدا الأمر أشبه ما يكون بفقاعة إعلامية لم يعضّدها حتى فعالية جماهيرية واحدة! لو ناوش القرار الفتحاوي الحد الأدنى من الجدية الوطنية لما استمر الحظر الأمني على النشاط الجماهيري في الضفة، ولأُطلقت الطاقات الشعبية الهائلة عصفا وتفجرا في وجه الاحتلال!
الإشكالية الكبرى التي تواجهها فتح أنها تتأخر كثيرا عن سياقات الموقف الجماهيري الواعي والمتقدم، وتحاول أن تطرح مبررات –أيا كانت- وتختلق آليات موهومة للحاق بالحراك الوطني الفلسطيني المتواصل دون جدوى.
لا تريد فتح أن تعترف بفشلها السياسي وفشل مشروعها الوطني الذي نافحت عنه منذ عقود، فقد تجاوزت نقاء برنامج الماضي ليتحول مشروعها الوطني هذه الأيام إلى مشروع أمني مسخ يقوده الثنائي فياض – دايتون في الضفة الغربية، ولا هدف له إلا إنضاج حالة فلسطينية جديدة لا علاقة لها بالقيم والحقوق الوطنية، ولا ترى في الصهاينة أعداء بل أصحاب جوار تربطنا بهم اتفاقيات والتزامات واجبة الاحترام والتنفيذ أيا كانت الظروف!
"المصلحون" داخل فتح لا زالوا قلة قليلة لا تملك مقومات التأثير اللازم لإصلاح الواقع الفتحاوي سياسيا ووطنيا وتنظيميا، بل إن التيار الانبطاحي المهيمن استولى عليهم وأمعن فيهم احتواء وتدجينا.
تجترح فتح وسلطتها سياسة أمنية مكشوفة لا تواري تعاونها مع الاحتلال، بل ولا تربط وتيرته بمدى تقدم مسيرة التسوية، وتقيم نظاما بوليسيا يحارب المقاومة ولا يعترف -واقعا- بالحريات السياسية والمجتمعية.
من المستحيل أن تستعيد فتح –سلطة وتنظيما- قيمتها ومكانتها ما دامت عقارب سياستها وممارساتها العملية تدور في إطار معاكس لطموحاتنا ومصالحنا الوطنية.