استسلمت معظم العائلات الغزية لموجة البرد، في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، بينما جاهد أربابها لتوفير الحد الأدنى من التدفئة لأطفالهم، الذين تعرضوا للإعياء بسبب الانخفاض الحاد في درجات الحرارة.
وتضاعفت معاناة هذه الأسر بسبب غياب التيار الكهربائي عن المنازل لأكثر 12 ساعة متتالية، واضطر كثيرون إلى إيقاد النار داخل المنازل غير آبهين بالمخاطر المترتبة على ذلك، كما فعل محمد سلامة الذي برر ذلك بعدم مقدرة أبنائه على تحمل البرد.
وقال سلامة من جباليا إنه لجأ إلى إشعال النار في الموقد وإدخالها المنزل رغم علمه بمخاطرها؛ بسبب غياب وسائل التدفئة الأكثر أمناً، خصوصا التي تعمل على الكهرباء.
منزل سلامة المغطى بألواح "الزينقو" لم تفلح أي محاولات أخرى لتدفئته، فقد حالت أزمة الغاز أيضا دون تشغيله المدفأة، لعدم امتلاكه سوى اسطوانة واحدة للطهي.
المعاناة جراء انقطاع التيار الكهربي لم تقف عند سلامة بل طرقت كل أبواب منازل القطاع، لتشكل صنوفا مختلفة من العذاب، خاصة مع إعلان سلطة الطاقة تقليص ساعات وصول الكهرباء إلى 4 ساعات.
وتضاعفت معاناة هذه الأسر بسبب غياب التيار الكهربائي عن المنازل لأكثر 12 ساعة متتالية، واضطر كثيرون إلى إيقاد النار داخل المنازل غير آبهين بالمخاطر المترتبة على ذلك
تلك الأزمة وصلت حد الموت، وهذا ما حدث مع عائلة الهبيل في مخيم الشاطئ غرب غزة، التي فقدت اثنين من أطفالها جراء استخدام الشموع للإنارة.
الشمعة التي تسببت بحريق توفي على أثره الطفل عمر محمد الهبيل وشقيقه خالد إضافة الى إصابة والدهما محمد خالد الهبيل (45 عاما) بحروق خطيرة.
ورغم تكرار حوادث الوفاة جراء الشموع بسبب فقدان البدائل، فإنه لم يعد يتسنى لكثير من العائلات شحن الأضواء الكهربائية (الليدات) بسبب انقطاع التيار، ول يتحرك أحد لحل الأزمة التي يعاني منها قطاع غزة منذ أكثر من سبع سنوات.
المواطن محمد الحلو اتخذت معاناته مع الكهرباء طابعا مغايرا لسابقه، فهو يقطن في أحد الأبراج السكينة، ويتكبد عناء مضاعفا.
يقول الحلو لـ : "أسكن في الطابق السادس وعند انقطاع الكهرباء يتوقف المصعد وهذا يعني توقف حياتنا، ويصبح أمامي خياران أحلاهما مر، فإما أن أبقى أسير البيت ولا أستطيع مغادرته إلا للضرورة القصوى وإما أن أقرر النزول والصعود عبر السلم".
ويضيف: "لا تقتصر معاناتنا عند هذا الحد، فانقطاع الكهرباء يعني عدم وصول الماء إلى الخزانات" مشيراً إلى أن انقطاع الماء أسوأ بكثير من غياب الكهرباء، ما يدفعهم في أحيان كثيرة إلى شراء المياه المعدنية أو المكررة ورفعها يدويا للدور السادس.
شركة توزيع الكهرباء أكدت من جانبها أن توقف محطة التوليد في قطاع غزة، والنقص الحاد في كمية الطاقة مع الأجواء الباردة حاليا؛ أدى إلى ارتفاعات غير مسبوقة بمعدلات الاستهلاك، وارتفاع الأحمال على شبكات الكهرباء لمستويات أدت إلى اختناق معظم المحولات العاملة على الشبكة.
وقالت الشركة في بيان لها: "حرصا منا على المصارحة والمكاشفة لجمهورنا الكريم توضح أن عدم التناسب الخطير القائم حاليا بين الموجود من الكهرباء والمطلوب الفعلي لتغطية احتياجات غزة أدى إلى عدم قدرة الكمية المتوفرة حاليا من تمكين برنامج 6-12".
وأشارت إلى أن ساعات الوصل تشهد انقطاعات كثيرة ومتكررة تهدد ممتلكات وأجهزة المواطنين وتهدد أيضا شبكة الكهرباء ومكوناتها بالانهيار، مبينة أنها لجأت مضطرة لفصل التيار لمدة ساعة أو ساعتين في كثير من المناطق أثناء ساعات الوصل الستة.
فيما أكدت فصائل فلسطينية أن أزمة الكهرباء التي تمر بها قطاع غزة مفتعلة وهي جزء من المناكفات السياسية.
المناكفات السابقة تركت آثراها الصعبة على حياة الطالبة الجامعية في قسم الهندسة شيماء جواد، فهي اضطرت إلى استعارة أكثر من جهاز كمبيوتر من أشقاءها لشحنها واستخدامها في انهاء مشروعها الهندسي.
ورغم معاناتها في توفير عدة أجهزة إلا أن جهودها لم تفلح بسبب ساعات انقطاع التيار الطويلة، ما اضطرها للذهاب إلى الجامعة في ساعات مبكرة ومغادرتها مع غروب الشمس لاستثمار وجود التيار.
وتعتبر الطالبة شيماء في المستوى الرابع أن غياب التيار الكهربائي يتسبب لها بمشاكل كثيرة مع اقتراب موعد امتحانات نصف الفصل، ويضطرها لقضاء اغلب وقتها في الجامعة رغم برودة الطقس.
وتقترح عائلات غزية توفير مولدات ضخمة للأحياء تعمل الأسر على تزويدها بالوقود بدلا من المعاناة التي لم تحل منذ سنوات.
يذكر أن قطاع غزة يعاني منذ سبع سنوات من جدول توزيع الكهرباء بواقع 8 ساعات فصل إلى 8 ساعات وصل، وفي حالة نفاد الوقود المخصص لمحطة توليد الكهرباء في غزة تمتد إلى 12 ساعة فصل مقابل 6 ساعات وصل، فيما يحتاج القطاع إلى (360 ميغا واط) لا يتوفر منها سوى (200 ميغا واط) من محطة توليد الكهرباء ومن الاحتلال الإسرائيلي ومصر.