قائد الطوفان قائد الطوفان

غزة على مفترق طرق.. 5 خيارات "مكلفة"

عباس والحمد لله
عباس والحمد لله

الرسالة نت-أحمد الكومي ولميس الهمص

تقف حماس اليوم على مفترق طرق، بعد الإشكال الأخير المتعلق بوعود حكومة التوافق ونفيها في اليوم نفسه، والذي أخذ منحى خطيرا، وطفح لأجله كيل الحركة، وجعلها تلوّح بخيارات قد تضطر لها، مدفوعة بضغط الشارع الفلسطيني.

كثيرة هي الذرائع التي يمكن أن ترتكز عليها حماس في أي خطوة لاحقة ستنتهي إليها؛ لإنهاء حالة المراوحة الحاصلة في الوضع بغزة، ولن تبالي الحركة بدفع تكاليف خياراتها على ارتفاع أثمانها، لسبب أنها منذ عام 2006 وهي تدفع ضريبة الانقسام والحكم، ولن يضيرها إذا ما دفعت ثمن فشل الوحدة الوطنية، التي عجزت عن إنهاء حالة الانقسام السياسي، وحلّ مشكلات غزة، التي هي الضاغط الأساسي على حماس.

ويتصدّر تقصير حكومة التوافق في مسؤولياتها اتجاه غزة، ترتيب تلك الذرائع، إلى جانب سلوك الرئاسة الفلسطينية التي تنظر إلى غزة على أنها عبء على السلطة، وأن حلّ مشكلاتها لا يكون إلا بتسليم حماس السلطة كاملة لها، دون اشتراطات، ثم توحيد السلاح، بمعنى تجريد كتائب القسام -الذراع العسكرية للحركة-من سلاحها.

ثم يأتي تباعد المسافات بين فتح وحماس، وتجمّد المصالحة بينهما، تحت مبررات وشروط يسوقها طرف ويرفضها آخر، ويقود معها الملفات المتعلقة بها، أهمها ملف الموظفين والرواتب، وقد اتضح التنكر بأجلى صوره في بيان الحكومة الأخير، الذي أورد حلولا "غير عقلانية" لهذا الملف، من خلال عودة المستنكفين ومنح موظفي حكومة غزة مكافأة نهاية الخدمة أو توفير مشاريع صغيرة لهم.

ويحتل ملف الإعمار الهم الأكبر في صدر حماس، خصوصا أنه يربط معه معاناة عشرات آلاف المواطنين الذين دمّرت بيوتهم في العدوان الإسرائيلي الأخير، في الوقت الذي تتعمد فيه حكومة التوافق -التي حازت شرعية وموافقة عربية وإقليمية للإشراف عليه- التلكؤ في إعادة الإعمار، مرهونة بقرار سياسي، وهذا الملف هو المحرّك الرئيس للضغط الشعبي على حماس، الذي يطالبها باستمرار بإيجاد بديل.

ولا ينفصل هذا الملف عن قضية تسليم المعابر، التي من الواضح أنها أفصحت عن النوايا الحقيقية للسلطة بخصوص الشراكة مع حماس في غزة، بعد شروطها القاسية بأنها لن تستلم المعابر في وجود الحركة، والمؤكد أن حماس، التي خاضت ثلاث حروب، لا تريد الخروج فارغة اليدين، وتصرّ على بقاء كينونتها التي أنفقت عليها الكثير في غزة، من خلال الاتفاق على بنية وظيفية واحدة متكافئة.

كل ذلك يقودنا إلى نتيجة أن حماس اليوم في موقف صعب يفرض عليها الاختيار بعناية كبيرة خيارا من خمسة سيناريوهات ماثلة أمامها اليوم، على ضوء المعطيات السابقة التي أوردناها.

السيناريوهات الخمسة

يقوم السيناريو الأول على عودة حماس لإدارة الأوضاع في القطاع، وإن كان ذلك بصورة تخالف الوضع القديم، لكن هذا الخيار تكمن صعوبته في عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب، ما يعني وقف مشاريع الإعمار في غزة بشكل كامل، وزيادة القيود على القطاع، بالتالي زيادة الأعباء المالية الخانقة التي واجهتها الحكومة السابقة، والتي كانت أحد الاسباب التي دفعت حماس للمصالحة والموافقة على تشكيل حكومة التوافق.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في اللجوء إلى الشراكة الوطنية مع فصائل وقيادات فلسطينية، خاصة أنها جميعا باتت غارقة في وحل غزة، ولا يمكنها التنصل من المسؤولية في ظل قناعة تشكلت لدى حماس بعدم إمكانية مواجهة الواقع وحيدة.

لكن من الضروري الإشارة إلى أن تلك التنظيمات يصعب الرهان عليها؛ لأن منها من لا يمتلك القرار المرتبط بالدعم والمال، بالإضافة لكونها جزءا لامتدادات تنظيمها في الضفة، لا ترغب بدفع الثمن.

مع الإشارة إلى أن أحد تلك القيادات، قد يكون المفصول من فتح محمد دحلان، الذي يحظى بدعم كبير في غزة، خاصة أن حماس سبق أن لوحت بمثل هذا الخيار، الذي قد يمثل مفتاحا متوقعا للكثير من المشكلات وسط غياب خيارات أفضل.

السيناريو الثالث يقضي بالانسحاب من هيكلية السلطة، والعودة للوضع ما قبل العام 1994م رغم اختلاف الظروف على الأرض، من خلال إشراف هيئة وطنية على إدارة القطاع، ورغم أن هذا السيناريو يعد الأقل كلفة لكنه الأكثر عجزا عن مواجهة مشكلات غزة؛ لأن تلك الهيئة لن تنجح بالانعتاق من وصاية حماس الأمنية والسياسية، وفي النهاية سيرفض العالم التعامل معها.

في حين يقوم السيناريو الرابع على إنشاء حكم ذاتي منفصل في غزة عن الضفة، بهدنة طويلة الأمد، يعمل الاحتلال على توفير احتياجاتها عبر السماح بإنشاء ميناء ومطار، مع رفع الحصار كليا، في مقابل التخلي عن خيار المقاومة، خاصة في الضفة، لكن ذلك الخيار صعب التطبيق، ويتعارض مع ايدولوجية حماس، وقد يكون مرفوضا من مصر.

السيناريو الأخير هو خيار الانتفاضة الثالثة، التي تعد مجالا حقيقيا أمام حماس للمقاومة، وهي تدرك أن تلك الانتفاضة قد تغير من معادلة القوة السائدة بين الحركة والسلطة، وقد تفضي لانهيار الأخيرة، وبالتالي خلق واقع سياسي جديد.

وعلى الرغم من منطقية الحجج التي تبرر اندلاع الانتفاضة، إلا أن هذا الخيار ايضا تقابله كثير من المعوقات أهمها حرص السلطة على احتواء كل مظاهر التوتر الذي قد يؤثر على خياراتها.

وفي هذا الإطار، أكدّت مصادر مقربة من نائب رئيس المكتب حماس، اسماعيل هنية، أن حركته تجري مناقشات "معمقة" عقب بيان حكومة الحمد الله، الذي اعتبرته "انقلابا على اتفاق المصالحة مع فتح".

ومن الواضح أن سير المصالحة الهشة بين فتح وحماس، قد يدفع الأخيرة إلى خيارات قد لا تريدها، لكنها تبدو كمن يفاضل بين خيار سيء وآخر أقل سوءا، وبين بديل مكلف وآخر أقل تكلفة، على اعتبار أن زمن البدائل الحسنة قد فات منذ زمن في أجندة حماس.

السيناريوهات السابقة لن تكون غزة أو حماس بحاجة لها، في حال تفعيل حكومة التوافق وقيامها بدورها، عند استشعارها بصعوبة ما قد تقدم عليه الحركة، كبدائل عن الوضع الراهن، وستبقى هذه السيناريوهات مرهونة بالوضع الإقليمي، واحتمالية انهيار السلطة، بالإضافة لأي مواجهة عسكرية غير محسوبة.

ويبقى الخيار الأقرب للتنفيذ هو الذي يلاقي دعما وضوءا أخضر من بعض الجهات الدولية والإقليمية للمضي فيه، لأن السياسية الفلسطينية أثبتت على مدار تاريخها أنها لا تستطيع المضي وحدها دون دعم وسند.

البث المباشر