أجسادهم الضعيفة لا تقوى على تحمّل أعباء الحياة، تفاصيل يومهم تقتصر بالجلوس على اسرتهم البيضاء، ليخترق أيديهم ذلك الانبوب الشفاف لنقل دمائهم إلى جهاز يغسلها ثم يعيدها إلى أجسادهم نظيفة، بجلسة تعرف بـ"الغسيل الكلوي" تستمر أربعة ساعات كل ثلاثة أيام على الأقل.
حال مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة يغني عن سؤالهم، ففي كل يوم تطفو لهم معاناة جديدة على سطح حياتهم المرهقة، كان أخرها انقطاع دواء رفع مستوي الدم وما يعرف باسم بـ(الكيرمون)، نتيجة للحصار (الإسرائيلي) المفروض على قطاع غزة .
ويعاني حوالي 700 مريض في القطاع من الفشل الكلوي حيث يحتاج المرضى إلى جلسات الغسيل بواقع ثلاث مرات أسبوعيا بمدة أربع ساعات للجلسة الواحدة، في حين يحتاج 20% منهم لعمليات زراعة الكلى.
وتضع المصاريف المرتفعة لعلاجهم حياتهم في مهب الريح، التحاليل الطبية والمواصلات والأدوية الغير موجودة في عيادة وزارة الصحة، جعلتهم يعيشون الأمرين حيث ان عدد كبير منهم باتوا لا يجدون الأدوية نتيجة لارتفاع ثمنها الامر الذي يشكل خطرا كبيرا على حياتهم.
انقطاع الأدوية
ويجلس الحاج فادي مشتهى داخل إحدى غرف الغسيل الكلوي بمجمع الشفاء الطبي ليروي "للرسالة" فصول معاناته مع المرض الذي انهك جسده وبدأ حديثة بالقول: "مانحن به هو قدر الله الذي ابتلانا ورضينا بحكمه، لكن كل ما نرجوه من الله أن يرحمنا عباده، أربعة أشهر لم اتلقَ ابرة واحد من "الكريمون" مما جعل دمي يضعف الى سبعة بعد أن كان قبل انقطاعها عشرة درجات".
ويضيف مشتهى: "انقطاع التيار الكهربائي وعطل الأجهزة بشكل مستمر يشكل لي كابوسا حيث تقرر في عدة مرات تأجيل جلسات تنقية دمي إلى ساعات طويلة، ما أرهق جسدي وجعلي أني على وشك أن أفارق الحياة.
ويضطر الستيني إلى إضافة وحدات من الدم خارجية يتبرع له بها أبناؤه وأقرباؤه، ليستطيع المحافظة على قوة دماه بشكل يضمن له الاستمرار في الحياة.
وانقطع حديثنا مع المريض بعد انشغاله بمراقبة جهاز الغسيل ونظرات الخوف تملأ عينيه، لارتفاع صوت أجهزة الإنذار لأجهزة الغسيل بسبب انقطاع التيار الكهربائي لمدة تجاوزت العشرين دقيقة.
نفقات كبيرة
ومع عودة التيار الكهربائي انتقلنا إلى الغرفة المجاورة حيث يجلس الشاب عطا الإسي على جهاز تنقية الدم، حال الإسي ليس بأفضل من سابقه، فتكاليف مرضه والنفقات التي يتكبدها خلقت له كابوسا كبيرا لازمه في حياته بجانب مرضه.
المريض الإسي الذي يقطن على الاطراف الشرقية لمدينة التفاح يحتاج الى مبلغ قدره خمسون شيكل ثمناً لجلسة الواحدة، بواقع "600" شيكل شهريا حيث تنقله سيارة أجرة خاصة الى المستشفى وتقوم بإعادته إلى المنزل لعدم قدرته على السير لمسافات طويلة.
ويبين العشريني انه يحتاج الى ادوية وفحوصات طبية غير متوافرة في عيادات مجمع الشفاء الطبي مما يضطره إلى شرائها على نفقة والده المعيل لسبعة أخوة.
وتمنى أن يتمكن من إجراء عملية زراعة الكلى خارج غزة بعد أن أبلغته المستشفيات المصرية بأنه يحتاج إلى ما يقارب الخمسين ألف دولار لشرائها وزراعتها المبلغ الذي لا يستطيع تحمله على الإطلاق.
وطالب الإسي الأيادي البيضاء أن تمد له يعد العون حتى يستطيع أن يتخلص من كابوس مرض الفشل الكلوي، والانتهاء من المعاناة التي يتلقاها في مشافي القطاع نتيجة لقلة الإمكانات المتوافرة بها.
أسباب المعاناة
"الرسالة" تحدثت مع الدكتور عبدالله القيشاوي رئيس قسم الكلي في مجمع الشفاء الطبي، عن أسباب معاناة المرضي داخل القسم التي ارتفعت وتيرتها في الأشهر الماضية بشكل كبير، فذكر أنه يوجد داخل القسم اثنين وأربعون جهاز غسيل كلوي، ثلاثة منها متعطلة بشكل كامل، وثلاثة عشر جهاز يجب استبدالهم بأجهزة جديدة لتجاوزهم الساعات المقررة لعملهم فباتت تلك الأجهزة تمثل عبئاً على طاقم القسم نتيجة لأعطالها المتكررة اثناء عمليات الغسيل للمرضى.
وبين القيشاوي أنه مع ارتفاع عدد المرضى قسّموا جلسات الغسيل الدموي، لأربع فترات داخل القسم والذي يبلغ عددهم 230 مريضا الأمر الذي يجعل مرضى الفترة الاخيرة، يعودون الى منازلهم بعد منتصف الليل ويعتبر هذا انهاكًا لأجسادهم خصوصا في الأجواء الباردة نتيجة ضعف دمائهم.
وحول انقطاع حقن رفع مستوى الدم قال: منذ أربعة أشهر لم يدخل للقسم حقنة واحدة وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على حياة المرضى حيث يحتاج المريض الواحد إلى حقنتين بعد عملية الغسيل للمحافظة على قوة دمائهم، لكن الحصار (الإسرائيلي) يمنع وصولها إلى القطاع، مما يدفعنا لاستبدال الحقن بوحدات دم نضعها للمرضي الذين تضعف دماءهم.
وأشار إلى أنهم طالبو وكيل وزارة الصحة في قطاع غزة، ووزارة الصحة برام الله توفيرها بأقرب وقت ممكن، وبدورهم أعطوا وعودا بجلبها الى القطاع خلال الأسابيع المقبلة.