بلا تردد، انطلق الفتى ابراهيم لبد ذو الأعوام الستة عشر، صوب أحد نقاط التسجيل لمخيمات "طلائع التحرير" في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة برفقة عددٍ من زملائه، رغم التحاقهم بذات المخيمات التي نُظّمت العام المنصرم واختتمت بحفل تخريجٍ مهيب.
هناك استقبله ثلاثةٌ من الملثمين الذين عصّبوا رؤوسهم بشارات كتائب القسام، وامتشقوا سلاحهم في منظرٍ يبهر كل من يمر بجانب نقطة التسجيل على إحدى زوايا ذلك الشارع الرئيسي، فأضافوا اسمه لقائمةٍ امتلأت بأسماء المئاتٍ ممن طلبوا الانضمام لهذه المخيمات التي ستنطلق مع انتهاء الفصل الدراسي الحالي.
والد الفتى إبراهيم أرسل ابنه للانضمام للمخيم مطمئنًا، بعد أن أعلنت الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" عن فتح باب التسجيل للأعمار ما بين (15-21)، وافتتحت لذلك نقاط تسجيلٍ علنية في مختلف مناطق القطاع.
يقول والد إبراهيم: "هي فرصة لتدريب أبنائنا وتعليمهم الفنون العسكرية، إضافةً لمهارات الرماية والقتال، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، موضحًا أن هذه المخيمات تأتي في الوقت المناسب لاستغلال الاجازة.
تدريب شعبي
القيادي في حركة حماس مشير المصري، أكد أن الهدف من هذه المخيمات هو التنشئة الاسلامية الصحيحة والتربية الوطنية، مع صقل الشخصية الفلسطينية للجيل الصاعد من الفتية.
وقال المصري في حديثه لـ، إن المخيمات تستهدف أيضًا تعزيز الحقوق والثوابت لدى جيل الشباب والتمسك بها أمام محاولات التفريط وتسويق روح الهزيمة والانبطاح أمام الاحتلال وقوته المزعومة.
وأضاف: "نسعى لترسيخ ثقافة المقاومة باعتبارها ثقافة شعب بأكمله، وهؤلاء هم جيل تحرير القدس، ولا بد من تجهيزه وتقوية ساعده للتهيئة للمعارك القادمة وحمل أمانة المستقبل".
وحول الرسائل التي تحملها هذه المخيمات العلنية للاحتلال، أشار المصري أن تنظيمها أوصل رسالةً أن العدوان الأخير وما قدمته المقاومة عزز من الالتفاف الشعبي حولها، خاصة بين جيل الشباب "الذين يتنافسون للالتحاق في صفوف التدريب الشعبي للتجهز لمقارعة العدو في أي وقت".
وأوضح أن توافد الآلاف للتسجيل في هذه المخيمات، دليلٌ على أن كل محاولات التمييع التي مارسها الاحتلال لأبناء هذا الجيل لم تفلح أمام جهود المساجد ومحفّظي القرآن.
وأكد أن التدريب الشعبي حق للفلسطينيين، مشيرًا إلى أن الاحتلال في المقابل يمارس التجنيد الاجباري.
وقال: "لا ينبغي أن ينتظر الاحتلال من هذا الجيل الاستسلام ورفع الرايات البيضاء، بل عليه أن يدرك أنه سيكون الجيل الأشرس في مواجهة العدو وحمل راية التحرير".
قفزة نوعية
الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أكد أن خطوة المقاومة الفلسطينية وفتح باب التسجيل بشكلٍ علني، يُعدّ قفزةً نوعية تحاول المقاومة من خلالها نقل العمل العسكري من عملٍ نخبوي حزبي إلى شعبي وطني يشمل قطاعات الشعب الفلسطيني.
وقال في حديثه لـ إن فتح باب التدريب الشعبي جاء نتيجة النجاح الذي قدمته كتائب القسام وفصائل المقاومة خلال أعوام عملها وتحديدًا في العدوان الأخير على القطاع.
ويرى المدهون أن توافد الآلاف للتسجيل في هذه المخيمات يسد جميع الذرائع أمام من يقلل من أهمية العمل العسكري، ويلجم من يطالب بنزع سلاح المقاومة.
وأشار إلى أن كتائب القسام تُعدّ اليوم الراعي الرسمي المركزي للمقاومة في فلسطين، وهي "تمارس دورها كرأس حربة في مشروع المقاومة خصوصا بعد معركة العصف المأكول".
وقال المدهون: "الاعلان العلني والواسع للتدريب الشعبي، رسالة لـ(إسرائيل) أنها هُزمت في عدوانها الأخير على القطاع ولم تحقق أهدافها، بل على العكس فقد استفادت المقاومة من تجارب صد العدوان وهي توسع قاعدتها الجماهيرية".
من جهته قال المختص في الشأن العسكري د. محمود العجرمي، إن "الجديد في هذه المخيمات أنها تأتي في وقتٍ يعتقد فيه كثيرون أن الحصار يزداد ثقلا على حماس، لكنها مدعومة من الشعب الفلسطيني ولا تؤمن بهذه الرؤية التي يحاول ترسيخها المتعاونون مع الاحتلال".
وأضاف في تصريحاتٍ صحفية: "حماس تركز على بنية المقاتل سواءً المعنوية أو الكفاءة والجاهزية لاستخدامها في المعارك، فالمقاوم هنا يُعدّ جيدًا كي يعوّض الفارق في السلاح"، مشيرًا إلى أن هذه المخيمات وغيرها "جزء من خطة فعلية تسيّرها الحركة بعد أن نجح مقاتلوها في الوصول إلى عمق فلسطين المحتلة والإنزال خلف خطوط العدو".
وأعلنت كتائب القسام عن فتح باب التسجيل لمخيمات "طلائع التحرير" العسكرية في الحادي عشر من يناير الجاري، موضحةً أن المخيمات التي ستنطلق يوم غدٍ الثلاثاء تتضمن التدريبات والمهارات العسكرية والرماية بالذخيرة الحية، إضافة للتدريب على الإسعافات الأولية والدفاع المدني.