في مخيم اليرموك.. يأكلون الخبيزة ويحرقون غرف نومهم للدفء

طفلة من مخيم اليرموك (الأرشيف)
طفلة من مخيم اليرموك (الأرشيف)

غزة - مها شهوان

"سامحيني يا أمي لا أستطيع الوصول إليكِ لأطلب رضاكِ قبل مماتي" رددها الستيني أبو القاسم من مخيم اليرموك بكلمات مرتجفة من شدة البرد، وهو ملقى على أرضية الشارع، فلا مسكن يأويه ولا طعام يسد رمقه، ووالدته في مدينة حمص لا يستطع الوصول اليها منذ عامين بعد إغلاق المخيم.

جار الستيني ابو القاسم، ويدعى ابراهيم عبد اللطيف - 29 عاما - كان قد اصطحبه إلى بيته خلال موجة البرد الاخيرة التي ضربت المنطقة بعد أن رآه يتقلب على ارصفة الطرقات.

تحدث الشاب عبد اللطيف عبر الهاتف "للرسالة" واصفا حال جاره بالمزري حيث آواه في منزله المتهالك ودثره بأغطيته المتآكلة، وأطعمه شوربة العدس التي اعتاد أهالي المخيم اعدادها يوميا كونها المتوفرة لديهم من معونات الاونروا.

يقول الشاب بصوت حزين: "أيام المخيم مريرة وأصعبها فصل الشتاء فلا كهرباء ولا مياه، الامر الذي يتسبب بوفاة عدد من سكانه ولا سيما كبار السن والأطفال(..). لا يسمح بإدخال المواد الطبية والغذائية أو التدفئة مما اضطرني كبقية أهالي المخيم لحرق غرفة نومي واستخدام خشبها للتدفئة وطهي الطعام".

ويتابع ابراهيم وهو أب لثلاثة أطفال بحرقة بعد ضياع مخيمه: "امنع أبنائي من الذهاب إلى المدرسة، فالأمراض منتشرة "كالنزلات المعوية والحصى الكلوية" وأخشى اصابتهم ولا استطيع معالجتهم، فالمال الذي يأتيني من أقاربي بالخارج قليل، والادوية في المخيم غير متوفرة".

وكان يعيش في مخيم اليرموك قبل الثورة السورية 22000 فلسطيني ولم يتبق منهم سوى عشرون ألفا، والبقية تم تهجيرهم.

الخبيزة والعدس

وفي المخيم ذاته دقت "الرسالة" هاتف "أبو مصطفى. س" فهذه المرة لم يكن هو المجيب بل ابنه الكبير حيث اخبرنا أن والده توفي منذ شهر من شدة البرد وتلوثت مياه الشرب التي على إثرها أصيب بمرض لم يستطع علاجه أطباء المخيم حتى صعدت روحه للسماء.

يصف مصطفى حال عائلته بالمخيم في فصل الشتاء بالمأساوية، حيث لم تعد لدى زوجته القدرة كالسابق على الذهاب إلى بلدة يلدا وبيت فحم المجاورة لشراء الملابس وبعض اللوازم الضرورية، على ضوء إغلاق تلك المناطق بسبب الاختلاف مع النظام السوري.

وذكر أن ما تبقى من ملابس شتوية وأغطية يستبدلها مع المحتاجين، لقاء أطعمة أو اخشاب متوفرة لديهم ليسد رمقه ويتحسس الدفء.

وإلى مأساة أخرى داخل المخيم فإن المقعد الاربعيني أبو ياسر، بقي في بيته برفقة صغاره الخمسة وزوجه ولم يغادره كبقية أشقائه خارج البلاد. تبدأ معانات الرجل اليومية من الصباح حيث يخرج بصحبة أحد أبنائه على كرسيه المتحرك لتعبئة المياه من بئر قريب من حدود المخيم، ومن ثم يعود لعائلته كي تعد الطعام وتغسل الملابس.

وفي بعض الاحيان يجلب أبو ياسر المياه للجيران لمنحه القليل من المال كي يشتري الاخشاب للحصول على التدفئة، فهو ليس باستطاعته شراء مولد كهربائي كونه بحاجة إلى زيوت لتشغيله وذلك لانقطاع التيار الكهربائي ما يقارب الـ 600 يوم.

ويعيش الفلسطيني أبو ياسر في بيت صغير مهترئ كما وصف، بالإضافة إلى أنه يلفه بالأغطية كونه تعرض لقذيفة هاون، الأمر الذي يجعله بحاجة إلى المزيد من الأغطية لتقيهم برد الشتاء القارس.

ويقول وهو على عجالة من أمره للذهاب لتعبئة المياه من البئر: "منذ شهر اكتشف الاطباء معاناتي من حصى كلوية بسبب المياه الملوثة التي اعتدنا شربها من الابار، ولا يوجد بحوزتي المال لاستكمال العلاج".

وتابع: المواد التموينية التي توزعها الأونروا على المواطنين من حين لآخر لا تكفى سوى أسبوع واحد ونقضي بقية الايام نأكل "الخبيزة" والعدس والفاصولياء".

اليرموك شريان الحياة

وتحدث ابراهيم العلي عضو مجموعة العمل من اجل فلسطيني سوريا بأن كل بيت في مخيم اليرموك يعد مأساة، موضحا أن سكانه يعتمدون في فصل الشتاء على حشائش الارض لسد رمقهم كالخبيزة أو زراعة الكوسا والملوخية وما يزيد عن حاجتهم يتم توزيعها على الجيران.

وذكر أن حملة الوفاء الاوربية ساعدت العام الماضي في ادخال بعض المواد الغذائية بحيث تم توزيع سلة غذائية لكل عائلة تكفيهم مدة أسبوع، مشيرا إلى أن الاونروا منذ ستة أسابيع لم توزع أي مساعدات نتيجة لوقوع اشتباكات قرب أماكن التوزيع.

وأوضح العلي أن سوء الأوضاع الانسانية داخل المخيم دفع العديد من أبنائه إلى الهروب خارجه من خلال الحالات المرضية التي يساعدها الهلال الاحمر والاونروا بالعلاج خارج المخيم.

وبحسب قوله فإن مخيم اليرموك قبل الثورة كان شريان الحياة لمدينة دمشق وريفها فقد كان يأتيه الناس لشراء الأطعمة والالبسة المختلفة، لكن الأوضاع التي حدثت في سوريا قلبت كل شيء وبات المخيم بحاجة من يجاوره.

البث المباشر