قائمة الموقع

مقال: واجبنا تجاه أسرانا ...

2010-04-07T09:48:00+03:00

بقلم النائب/ د . محمد شهاب 

الأسرى قضية مركزية:

          قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعتقلاته هي من القضايا المركزية للشعب الفلسطيني، فما من بيت إلا ذاق مرارة الاعتقال، فهي تحتل مساحة واسعة من نبض ووجدان الشعب الفلسطيني هي قضية الكل الوطني، هي ضمير كل الشعب الفلسطيني، وهي قضية دينية ووطنية وإنسانية، هي قضية حقوق سياسية وتاريخية وقانونية، هي معركة لا بد أن نخوضها معاً وجميعاً.

          إنها قضية وطن وشعب ومقاومة وتضحيات مستمرة، إنها معاناة كل فئات الشعب – الرجال والنساء والأطفال والشباب والشيوخ والعجائز، الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأبناء والبنات.

          قضية الأسرى تمثل معلماً رئيساً من معالم نضاله ومعاناته، ورمزاً من رموز صموده وثباته وشرفه وعدالة قضيته، ومن بين هؤلاء الأسرى قادة مقاومة كبار ورموز وطنية وتاريخية وسياسية.

الأسرى رمز وحدتنا:

          أسرانا كانوا وما زالوا عنوان ورمز وحدتنا الوطني، وقضيتهم من القضايا المجمع عليها وطنياً، وهي تحظى بتعاطف كبير والتفاف وطني صادق وحقيقي.

          فالأسرى اقتسموا فترة النضال خارج السجون معاً، وهم يقتسمون آلام القيد والسجان معاً وبدون تمييز ويواجهون المصير المشترك.

          لم تتغير نفوسهم بإغراءات السلطة أو الدنيا وفتنتها, وبهارج الصهاينة وأكاذيبهم عن السلام, فالمناضلون أقرب وأكثر من يعرف اليهود عن قرب أثناء النضال خارج السجن وداخله, وهم أول من يدرك أن كل اتفاقيات السلام التي عقدت بعد كامب ديفيد إلى الآن لم تطلق سراح أسير يتحفظ عليه الاحتلال لقتله محتلين صهاينة.

          وليس أدل على ذلك من دعوتهم المخلصة دوماً للحوار الوطني الجاد وما أبدعوه من وثيقة الأسرى التي فرضت نفسها وأصبحت أول وثيقة وفاق وطني شامل، والتي دعت إلى الوحدة في كل حيثياتها وبنودها والتي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال في مايو 2006م.

          وقد بلغت الوثيقة أسمى مدىً سياسياً ووطنياً، حيث أثمرت أول حكومة وحدة وطنية حقيقية تنال الثقة بما يقارب إجماع المجلس التشريعي.

          ورغم قيام الاحتلال بالعزل بين أسرى حماس وفتح بعد أحداث الحسم في غزة بحجة تفادي المشاكل؛ إلا أن قيادات الفصائل ما فتئت تناضل لإلغاء هذا العزل، حتى نجحت في ذلك ووقع اتفاق وحدة فصائلية بين حركتي حماس وفتح داخل سحن عوفر الإسرائيلي بتاريخ 6/3/2010م مما يعني توحد الأسرى دون معزل والخروج في فورة مشتركة, وقريباً يتحقق ذلك في باقي المعتقلات.

نواب أسرى .. فقط في فلسطين!!

          إن اعتقال النواب تكاد تكون قضية لم يشهدها شعب أو برلمان من قبل إلا الشعب الفلسطيني والبرلمان الفلسطيني؛ ففي دورة المجلس التشريعي السابقة اعتقل الاحتلال نائبين من نواب المجلس، وفي دورة المجلس التشريعي الحالية، اختطف الاحتلال أكثر من 50 نائباً, فضلاً عن العديد من الوزراء المكلفين، ورؤساء وأعضاء المجالس البلدية المنتخبين، وأودعهم السجن، وتعرضت هذه الرموز للتنكيل والإهانة والإذلال المقصود.

          واعتقالهم بالطبع كان سياسياً وليس أمنياً بأي حال، وأن التهم الموجهة لا تستند لأي أسس قانونية، بل هي شريعة الغاب باستخدام القوة الظالمة الغاشمة المعربدة، وأن الأحكام الصادرة ضدهم هي أيضاً أحكام سياسية محضة، ورغم ذلك قضى معظمهم 3-4 سنوات في السجن، علماً بأن هؤلاء يجب أن يتمتعوا بالحصانة الدولية، وأن الاختطاف يعتبر جريمة حرب.

الأسرى جرح نازف:

          إنهم جرح نازف في خاصرة الوطن، وإن بقاءهم أسرى بيد الاحتلال يلحق أضراراً فادحة بالقضية الوطنية، ويشلُّ الحركة السياسية الفلسطينية.

          إنهم جيش كبير يبلغ تعداده حالياً (7200) أسيراً من خيرة شباب الوطن ورجاله وفتيانه ونسائه، كان قدرهم أن يقعوا أسرى ومعتقلين في قبضة الاحتلال خلال مسيرة المقاومة، كان قدرهم أن يُغيَّبوا في سجون احتلال ظالم سادي لا يعرف للإنسانية حقاً ولا رَحِماً، يمارس ضدهم سياسة التعذيب والإذلال وحرمانهم من حقوقهم المشروعة، بل ممارسة سياسة القتل البطيء.

          حالياً هناك (15) نائباً ووزير سابق، هناك (37) أسيرة، منهن خمسة محكومات بالسجن المؤبد، هناك (340) طفلاً دون الثامنة عشرة، هناك (780) أسيراً محكوماً بالمؤبد، (315) أسيراً أمضى أكثر من (15) عاماً، منهم (115) أسيراً أمضى أكثر من(20) عاماً، و(14) أسيراً أمضى أكثر من ربع قرن، و(3) أسرى أمضى أكثر من (30) عاماً، أقدمهم الأسير (نائل البرغوثي) يقضي عامه الثالث والثلاثين.

          هناك (197) شهداء الحركة الأسيرة، منهم (50) أسيراً استشهد بسبب الإهمال الطبي، و(70) أسيراً استشهد جراء التعذيب، و(70) أسيراً قتل بدم بارد خلال اعتقاله، و(7) أسرى قتلوا داخل المعتقل، هناك (300) أسيراً إدارياً معتقل بلا تهمة أو محاكمة، هناك عشرات الأسرى معزولون بشكل تام في زنازين انفرادية، بعضهم قضى أكثر من ست سنوات معزولاً، هناك (1600) مريضاً بحاجة لرعاية طبية دائمة، منهم (16) مرضى سرطان و(88) مرضى سكري و(25) مرضى كلى و(20) معاقاً و(3) فاقدي البصر بشكل كامل و(40) نزلاء دائمين بمستشفى نيتسان العسكري- الرملة.

تحرير الأسرى واجب مقدس:

          إن كانت حرمة القدس وفلسطين تستوجب أن يكون الجهاد لتحريرها من أهدافنا وثوابتنا المقدسة؛ فإن حرمة أسرانا الذين هم جنود المقاومة وذخيرتها تستوجب أن تكون أولوية الجهاد لتحريرهم بشكل موازٍ من أهدافنا وثوابتنا المقدسة.

          خيار القوة لتحريرهم حق مشروع، فالاحتلال يقتل منا ويعتقل منا، والمعاملة بالمثل حق مشروع، قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). وفي تفسير قوله تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً) النساء 75؛ قال الإمام القرطبي: (أوجب الله تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده وإن كان في ذلك تلف النفوس .. وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال). وقال الإمام مالك: (يجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم وهذا لا خلاف فيه). وقال الإمام ابن العربي: (والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحدنا درهم). والإمام النووي قاس وجوب استخلاص الأسير المسلم على وجوب استخلاص ديار المسلمين من العدو بل يرى أن الأول أولى لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار.

          إن واجب الأمة والدولة المسلمة تحرير أسراها بشتى السبل العسكرية أو المالية، ولو كلف خزينة الدولة المسلمة كلها فهذا الخليفة المعتصم لم يسأل عن التكلفة العسكرية والأضرار، فلما بلغته استغاثة امرأة مسلمة أسيرة لدى الروم في مدينة عمورية جهز جيشه ولا يزال يقاتل حتى فتح عمورية واستخلص المرأة المسلمة.

          وفي مدينة أنطاكية أسر الروم عدداً من المسلمين فما زال الجيش الإسلامي يغزوها حتى فتحها وحررهم، وفي مدينة الرها كان للصليبيين سجن يضم خمسمائة أسير من المسلمين فما زال جيش نور الدين زنكي يغزوها حتى فتحها وحررهم.

          وهذا المنصور بن أبي عامر من كبار ملوك المسلمين في الأندلس يعود إلى قصره في موكب فرح عظيم بعد أن مكنه الله من الفرنجة بنصر عظيم  تستوقفه امرأة مسلمة لتقول له: (أنت والناس جميعاً تفرحون وأنا باكية حزينة، فيسألها: ولماذا؟ فتقول: (ولدي لا يزال أسيراً عندهم)، فيقطع موكبه وفرحته ويعود من فوره بجيشه مقاتلاً حتى استخلص ولدها وأقرَّ به عينها.

          هذا هو خيار الجهاد: تحريرهم بالقوة، حين يتمكن المجاهدون من أسر جنود العدو ومستوطنيه، ليتم بذلك مبادلتهم بالأسارى المسلمين، وهناك خيار الفداء: افتداؤهم بالمال وهذا مستطاع يمكن أن تتولاه دول وحركات ومؤسسات، فما أكثر أموال العرب والمسلمين، ولا يقولن أحد أننا نقوِّي العدو بالمال، بل إن تحرير المسلم أولى.

صفقات تحرير الأسرى:

          لقد نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية عبر مسيرة النضال الفلسطيني من تحقيق العديد من صفقات وعمليات تبادل أسرى مشرفة، وأجبرت الاحتلال على الخضوع لمطالبها وشروطها رغم المفاوضات المعقدة والمراوغات الخطيرة، وكان أعظمها: صفقة التبادل المشرفة بتاريخ 20/5/1985م حيث تم تبادل (1150) أسيراً من أسرى المقاومة في سجون الاحتلال، معظمهم من ذوي الأحكام العالية مقابل ثلاثة من جنود الاحتلال.

          وقد نفذت حركة حماس محاولات ممتازة وجريئة لاختطاف جنود بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، لكنها فشلت وقتل الجنود المختطفون، مثل آفي سبسورتس, وإيلان سعدون وناخشون فاكسمان, ونسيم طوليدانو وثلاثة محاولات مشابهة خلال حرب الفرقان الأخيرة، ونجحت فقط عملية الوهم المتبدد في أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25/6/2006م خلال مواجهة عسكرية على أرض قطاع غزة.

          ونسأل الله أن يوفق القيادة على تنفيذ أشرف صفقة تبادل لا تميز بين فصيل وآخر, وفي مقدمتهم النساء المناضلات وذوي الأحكام العالية والمرضى بدون أي تمييز.

          وللأمانة والتاريخ لا بد أن يسجل: لا سيما وهدفها تحرير الأسرى والأسيرات بإذن الله وتوفيقه، أن عملية الوهم المتبدد هي واحدة من أروع العمليات التي أنجزتها المقاومة الفلسطينية طوال تاريخها وهي تعبر عن إبداع هذا الشعب في كسر حواجز الاحتلال, وكان النفق الذي حفر وصولاً إلى الموقع العسكري لجنود الاحتلال تعبيراً عن إصرار المقاومة على تحقيق هدفها، ودقة تخطيطها وقوة تنفيذها وامتلاكها الحكمة والسرية العالية.

          والأكثر روعة هو قدرة الخاطفين على الاحتفاظ بالجندي شاليط ما يشارف الآن على أربعة أعوام، رغم أحدث وسائل تكنولوجيا البحث والتقصي التي يملكها الاحتلال, ورغم الطائرات التي ترصد على مدى الساعة كل شبر في القطاع, ورغم عملائه المنبثين في كل مكان، ورغم حرب الفرقان, وقد كان لذلك الأثر الكبير والمحبط لنفسية قادة العدو وجنوده ومجتمعه.

          إن مزاعم المنهزمين نفسياً بأن ما تعرض له الشعب الفلسطيني من خسائر وضحايا منذ عملية الوهم المتبدد هو نتاج أسر الجندي شاليط, هو تبرير جرائم الاحتلال ودفاع عنها، وافتراء يدحضه الواقع، لأن التدمير والعدوان الصهيوني في الضفة وغزة كان قبل وبعد أسر الجندي, وهل يمكن تفسير الاستيطان والتهويد وآلاف المعتقلين وهدم البيوت منذ ذلك التاريخ بأسر الجندي؟

          ثم ألا يستحق أسرانا ومنهم (780) أسيراً محكوماً بالمؤبد، ومنهم (315) أسيراً ممن قضوا أكثر من (15) عاماً داخل السجن أن يمنحوا بعض الأمل؟ بخطف الجندي, واستمرار التمسك بالثوابت والمطالب الشرعية والتي تتعلق بكل الأسرى من ذوي الأحكام العالية من جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني؟

رعاية الأسرى وذويهم واجب مقدس:

          يجب على المسلمين رعاية ومواساة الأسارى وأهاليهم مادياً ومعنوياً، وذلك بكفالتهم وأهليهم وأبنائهم، وشدّ أزرهم والدعاء الدائم لهم ودعم جهود المجاهدين لتحريرهم.

          إن هناك عشرات الجمعيات والمؤسسات والمراكز التي تعتني بقضية الأسرى، تدافع عنهم وتتضامن معهم، وتثير قضيتهم وتطالب بحقوقهم، وتفضح ممارسات العدو ضدهم، وتسعى لتحسين ظروفهم الاعتقالية، ولكن قلة ذات اليد وضعف الإمكانيات يقتل إبداعها ويشل جهودها، ويجب دعم هذه المؤسسات مادياً ومعنوياً، والمشاركة في فعاليتها وأنشطتها، وهذا أدنى الواجب تجاههم.

          يقول عليه السلام: (فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض) رواه البخاري، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أسارى المسلمين بالقسطنطينية: (أما بعد، فإنكم تعدون أنفسكم الأسارى ومعاذ الله بل أنتم الحبساء في سبيل الله، واعلموا أني لست أقسم شيئاً بين رعيتي إلا خصصت أهلكم بأكثر من ذلك وأطيبه، وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيركم وكبيركم وذكركم وأنثاكم وحركم ومملوككم بما يسأل عنه، فابشروا ثم ابشروا).

أمل أسرانا يتجدد:

          حينما ينظر أسرانا إلى تلك النصوص الشرعية ونماذج القادة الراشدين، يتساءلون: أين هذا من حال الزعماء الضعاف الذين وقعوا اتفاقيات صلح مع الاحتلال ولم يشترطوا أو يطالبوا بتحرير الأسرى من سجون الاحتلال؟!

          أسرانا لسان حالهم يردد "ما حك جلدك مثل ظفرك"، ولهذا نجد وثيقة الأسرى والتي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال في مايو 2006م، قد نصت على أن تحرير الأسرى والمعتقلين واجب وطني مقدس يجب أن تقوم به وبكافة الوسائل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية و "م : ت : ف" والسلطة الوطنية رئيساً وحكومة والتشريعي وكافة التشكيلات المقاومة.

          أسرانا يعيشون طيلة فترة الاعتقال يملؤهم اليقين بفرج الله, والأمل بتحريرهم على يد رجال المقاومة، وعندما يقرأ الأسير سورة يوسف عليه السلام، يتلوها بتدبر وطعم خاص لأنها تلامس شفاف قلبه، فقد سجلت محنة الابتلاء له ولأبيه يعقوب عليه السلام، ثم محنة السجن الظالم له في قضية عادلة، ثم الفرج الكريم والمقام الرفيع والخاتمة السعيدة، فيبقى الأمل بالله أولاً ثم بتسخيره سبحانه الأسباب وعمليات التبادل الناجحة لفك سراح أولئك الأبطال الصامدين.

أيتام على موائد اللئام:

          من المؤسف أن المفاوض الفلسطيني خلال اتفاق أوسلو المشئوم وما بعده، لم يتعامل مع قضية الأسرى بما تستحقه من مستوى الاهتمام والمسئولية، وعجزت تلك القيادات عن فرض قضية الأسرى على طاولة وأجندة التفاوض كقضية رئيسة، وسلَّمت بها كقضية فرعية ثانوية وجعلتها مرهونة ببوادر حسن النوايا من قبل حكومة الاحتلال، بعد جولات من الرجاء المذل والمهين، والمساومة والابتزاز والرشوة السياسية، ليفرج عمن يشاء بالشروط والمعايير والمواصفات والأسماء والأعداد التي يشاء، وقتما يشاء وكيفما يشاء، بالطبع بما لا يضر بأمنه المزعوم، ومزاج مستوطنيه، وبما يحقق مصلحته ومصلحة حلفائه وأعوانه.

          ومن المؤسف بل من العار ألاَّ يبذل زعماء العرب والمسلمين ووزراؤهم وسفراؤهم جهودهم لتفعيل هذه القضية في العالم، ناهيك أن يتذكروها في جولاتهم ومؤتمراتهم المحلية والعالمية مع زعماء العالم.

          ولم يقف الحد عند خذلان الأنظمة الرسمية وزعمائها لقضية الأسرى؛ بل تعدت إلى المؤسسات الإعلامية والحقوقية والقانونية والإنسانية والبرلمانية والتفاعل الجماهيري هناك، إلا من رحم ربي وهو جهد قليل لا يصل إلى الحد الأدنى المطلوب، إننا نشعر بمرارة من ظاهرة اللامبالاة السائدة في الساحات العربية والإسلامية، ولا نجد من الزخم الإعلامي والحضور السياسي والتفاعل الشعبي والجهد المؤسسي اللائق بقضية هؤلاء العظام، حتى ضنّ الجميع عليهم بمؤتمر تستضيفه عاصمة عربية أو إسلامية أو أوروبية.

عولمة القضية وصدارتها:

          صحيح أن قضية ضمان حقوق الأسرى داخل الأسر، ووجوب تحريرهم هو واجب وطني وعربي وإسلامي وإنساني؛ ولكن علينا أن نتذكر المثل القائل: ما حك جلدك مثل ظفرك، فيجب علينا - نحن الشعب الفلسطيني –  أن نتحرك نحن أولاً ونتفاعل بجدية ونتخذ كافة الوسائل ونستفرغ كل الجهود الممكنة لدينا، ونتصرف باعتبارها معركة وطنية يجب أن يخوضها الشعب كله، بكل أطيافه وألوانه السياسية ومستوياته الرسمية والشعبية .

          هي معركتنا جميعاً، ولا يمكن أن يخوضها فريق أو فصيل بعينه، فلا بد أن نخوضها معاً وجمعياً، وأن نرتفع جميعاً قوى وفصائل وقادة وساسة إلى مستوى هذه القضية وأن نضعها في مقامها المرموق، بحيث يقف كل واحد منا عند مسئولياته في هذه القضية.

          يجب أن تظل قضية كل الوطن، وبؤرة الاهتمام والنشاط الفكري والاجتماعي الوطني على كافة الأصعدة المحلية والعربية والدولية.

          يجب أن تتضافر الجهود الشعبية والرسمية والمؤسسية والحزبية، وأن نتعالى على خلافاتنا الداخلية من أجلها.

          قضية الأسرى تحتاج إلى إبداع يوازى عدالتها وإنسانيتها، إبداع وتفنن في إيصال رسالتهم للعالم الغربي، للأسف نحن نحاكى أنفسنا في وسائل إعلامنا المحلي، بينما قادة الاحتلال وزعماؤه وسفراؤه يحركون زعماء العالم وخاصة أصحاب النفوذ والتأثير، ويوجهون مجموعات الضغط العالمية في قضية شاليط.

          علينا أن ننجح في تحريك وتفعيل الضمير الإنساني محلياً وإقليمياً ودولياً تفاعلاً جدياً حتى تصبح قضية أسرانا حاضرة على الدوام، وحتى تفرض نفسها في صدر المسرح السياسي وفي كل الأروقة المحلية والعالمية، لتصبح قضية رأي عام دولي وليست موسمية فقط.

          علينا أن نتحرر من الجمود والتقليد الإعلامي، ولتنطلق طاقات المبدعين والموهوبين، من الفنانين والإعلاميين والحقوقيين، الكل مطالب ببذل الجهد لخدمة هذه القضية.

نفعل الكثير ونبدع أكثر:

          بمقدورنا أن نفعل ونقدم الكثير، وننجح فيه أيما نجاح، فالأسرى والمحررون والقادة والمفكرون لدينا كثيرون ولديهم رصيد نضالي طويل وتجارب عريقة وأفكار رصينة وسديدة في ابتكار وسائل النضال لتفعيل قضية الأسرى وتحريرهم، المهم أن يصدق منا العزم والإرادة – الفردية والجماعية والمؤسسية.

          عندنا في الداخل مؤسسات رسمية كالوزارات، وزارة أسرى وإعلام وخارجية وشباب ورياضة وثقافة وأوقاف وتربية وتعليم.

          عندنا مؤسسات أهلية وشعبية، اجتماعية ونقابية وحقوقية وخيرية، وإنسانية، ومحامون وإعلاميون وصحفيون وفنانون ومخرجون سينمائيون ونقابات.

          عندنا مجلس تشريعي ونواب وعلاقات  تربطنا بنواب وقادة وزعماء  واتحادات برلمانية عالمية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي واتحادات منظمات أهلية ومؤسسات اجتماعية وأدبية وإنسانية وحقوقية عربية وإسلامية ودولية.

          عندنا في الخارج سفارات وممثليات وسفراء ومندوبين  ولدينا مخيماتنا في دول الشتات وجاليات فلسطينية وعربية وإسلامية في دول العالم كله، وفي أروقة الأمم المتحدة.

          عندنا وفي العالم الإسلامي علماء دين ومؤسسات ومرجعيات دينية عريقة ومتعددة، ولها نفوذها، وقضيتنا ذات بعد ديني واضح تتفق عليها كل الشرائع السماوية، ويمكن أن نكسب في هذا المجال مواقف  رجال دين ومؤسسات دينية غير إسلامية.

          كل هؤلاء يجب تفعيلهم كلٌّ حسب مجاله واختصاصه بما يخدم قضية الأسرى ويجعلها حاضرة متفاعلة، بل ويكلفون ببرامج وخطط يلزمون بتنفيذها لإبراز وعرض قضية الأسرى في كل المحافل والمناسبات.

          لقد رأينا كيف اهتز الضمير العالمي عندما شاهد جريمة قتل الطفل محمد الدرة، ومشاهد تعذيب في سجن أبو غريب ومعتقل جوانتينامو، فكيف حين نتفنن في فضح ما يحدث يومياً من جرائم الاحتلال؟ لا شك أننا سنكسب تعاطفاً وتأييداً عالمياً هاماً، وسيضغط على قادة الاحتلال كثيراً ويربك سياستهم، وقد يتطور لأبعد من ذلك.

          يجب أن تتوجه الجهود ويجود أولو الأمر بالمال اللازم لإخراج فيلم سينمائي صادق ومؤثر ومترجم عن قضية الأسرى تبثه الفضائيات، وأفلام أخرى تلفزيونية وثائقية، ويجب أن تعقد مسابقات تشجيعية للمتنافسين، على غرار مهرجان غزة الدولي للأفلام التسجيلية.

          يجب أن يكلف أولو الأمر رجال قانون دوليين وأن يجودوا بالمال اللازم لرفع قضايا عديدة لدى محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل العليا في لاهاي ضد جرائم الحرب الصهيونية بحق شعبنا وأسرانا.

          لا شك سنكسب قضايا هامة وكبيرة كما كسبنا قراراً في موضوع جدار الفصل العنصري، حتى لو لم تنفذ حكومة الاحتلال القرارات الصادرة ضدها فإنه  سيشكل ضغطاً معنوياً وسياسياً ودولياً يحسب له ألف حساب، وله ما بعده، وسيأتي اليوم الذي يلزم به مرغماً ويدفع الاحتلال الثمن غالياً.

          يجب أن تتعانق وتتكاتف وتتكامل كل الجهود ضمن خطة شاملة، واضحة الأهداف والوسائل والمراحل، ومتابعة ذلك بشكل يومي، إن نجاحنا في هذه القضية يعني: تحقيق نصر كبير لشعبنا وقضيتنا.

          هذه وسائل سلمية لكنها مؤثرة ولا بد من استغلالها، وهي تنجح كثيراً في رفع معنويات الأسرى وتخفيف معاناتهم وتحسين ظروفهم الحياتية والإفراج عن بعضهم لظروف خاصة، وشرط  نجاحها وجود إرادة قيادات رسمية وشعبية ومؤسسية جادة ومبدعة تتقن فنون الإدارة بأركانها الأربعة التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة.

          نثمن عالياً قرار الحكومة هنا بتبني قضايا الأسرى واعتبار هذا العام عاماً لنصرة الأسرى، ونتابع الجهود الكبيرة والهادفة لوزارة الأسرى وتشكيلها اللجنة الوطنية العليا لتنفيذ خطط شاملة تشمل الوزارات والمؤسسات والقوى والفصائل بهدف تفعيل قضية الأسرى محلياً وعالمياً، وتتويج ذلك بعقد مؤتمر دولي لنصرة الأسرى، آملين أن تتوفر له كل أسباب الدعم والقوة والنجاح حتى يحقق الأهداف المرجوة منه، وألاَّ يكون كمؤتمر المفرطين في أريحا من قبل، والذي ُولد مسخاً مشوهاً لفظ أنفاسه فور انفراط أصحابه.

          هذه الجهود والفعاليات يجب أن تشمل تنظيم المؤتمرات والندوات واللقاءات الجماهيرية والورش الدراسية والحصص المدرسية والخطب الدينية، والمسابقات الرياضية والمسرحيات والأفلام الهادفة، وبرامج التأهيل والتدريب والتشغيل، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والحقوقية والجمعيات الخيرية والشخصيات المرموقة والمرجعيات الدينية والعلماء المخلصين، وتنظيم سلسة مستمرة من اللقاءات والندوات والبرامج المختلفة بالتعاون مع السفارات والأقليات العربية والإسلامية بالخارج.

          سنعمل في المجلس التشريعي على إنجاز التعديلات اللازمة لقانون الأسرى والمحررين وإلزام الحكومة بوضع الأنظمة واللوائح التنفيذية المطلوبة، والتي تقرُّ الحقوق المناسبة لرعاية الأسرى وذويهم، وكذا المحررين.

          نبذل جهوداً كبيرة ذات أولوية لقضية الأسرى، ونجحنا في تفعيل القضية بقوة مع كل الوفود واللقاءات والجولات محلياً ودولياً، وتم إيصال الرسائل العالمية وإطلاق الحملة الدولية بخصوص أسرى الشرعية، وندعم ونشارك في كل الجهود المبذولة، ونعقد جلسة المجلس خاصة بمناسبة يوم الأسير سنوياً، وسنعقد الجلسة القادمة في قاعة وزارة الأسرى لما في ذلك من رمزية واعتبار.

          ونسعى لتعزيز لجان الصداقة البرلمانية مع نواب العالم ومؤسساته البرلمانية وتسيير الوفود البرلمانية باستمرار لتحفيز الجهود والفعاليات وتزويدهم بملفات مفصلة وأقراص مدمجة بالصوت والصورة ورسائل موجزة موضحة حول قضية النواب الأسرى والأسرى عموماً.

اقتراحات وتوصيات:

          نطالب الأطراف الدولية المتعاقدة على الاتفاقيات والمعاهدات الإنسانية العالمية والدولية خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية مناهضة التعذيب لتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والعمل على إلزام حكومة الاحتلال بكل القوانين والاتفاقات ذات الصلة، لضمان حقوق الأسرى والمعتقلين.

          نطالب هيئة الصليب الأحمر بتكثيف جهودها باتجاه أداء دورها المطلوب كاملاً فيما يتعلق بمعاناة الأسرى وذويهم، وممارسة الضغط العالمي لإلزام حكومة الاحتلال بحقوق الأسرى التي أقرتها المواثيق الدولية أعلاه.

          نطالب قادة الدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي واتحادات البرلمانيين واتحاد المنظمات الأهلية والعلماء وقادة الفكر والأدب والإعلام بتبني قضية الأسرى وإحيائها في كل المحافل، والدفاع عن حقوقهم المشروعة.

          نطالب السلطة الفلسطينية وكل القوى والفصائل الفلسطينية تعزيز الجهود الصادقة والجادة والهادفة لتحقيق الوفاق الوطني والمصالحة الوطنية الصادقة وإعادة اللحمة الوطنية على أسس عادلة وقوية ومتينة، وهذا يتطلب منهم العمل على تذليل كل العقبات وتهيئة المناخ العام اللازم لإنجاحها.

          نطالب بوقف عملية التفاوض والتنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وأسرى المقاومة وأنصارها ومؤسساتها في الضفة الغربية المحتلة، ونذكر بأن ذلك مناقض لميثاق م. ت. ف، ومبادئ الثورة الفلسطينية ودستور السلطة الوطنية (القانون الأساس) ووثيقة الوفاق الوطني.

نطالب السلطة الفلسطينية تكليف قانونيين دوليين لوضع آليات واتخاذ إجراءات جادة للاستفادة من تقرير جولدستون ورفع قضايا ضد قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين لدى محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل العليا في لاهاي بتهمة ارتكابهم جرائم الحرب الصهيونية بحق شعبنا وأسرانا.

          نطالب فصائل المقاومة الفلسطينية بالتركيز على خيار أسر جنود العدو ومستوطنيه بهدف مبادلتهم بأسرانا، فهو خيار مشروع من باب المعاملة بالمثل، كما نطالبها أن تصمد وتصبر وتتمسك بشروطها المشروعة لإجراء صفقة تبادل مشرفة مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث يعلق الأسرى آمالهم بذلك بعد الله تعالى.

          نطالب بدعم الجهود المبذولة محلياً ودولياً للتضامن مع النواب الأسرى، والأسرى عموماً، وتطوير تلك الجهود وإمدادها بكل الطاقات المبدعة، خاصة في المجالات الإعلامية.

وفي الختام :

          كل التحية لأسرانا البواسل الصابرين المرابطين، هؤلاء الذين حولوا محنة السجن إلى منح ربانية، وجعلوا من غرف السجن وخيام المعتقل فصول مدارس وقاعات جامعات ومراكز تحفيظ، ومعاهد ثقافة وفكر تخرج القادة والوزراء والعلماء والدعاة والمجاهدين. 

          ونسجل هنا اعتزازنا البالغ وفخرنا الكبير وثقتنا العالية بأسرانا وأسيراتنا؛ بثباتهم وصمودهم ووعيهم، ونؤكد التزامنا مع هذه القضية العادلة والمقدسة، وأن جهادنا سيستمر حتى تحريرهم من سجون الاحتلال ومعتقلاته، أعزة كراماً بإذن اللهً، "ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً بإذن الله".

"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

اخبار ذات صلة