كلما نشطت حركة فتح في جولة جديدة من انتخاباتها الداخلية، كلما تجددت الصراعات بين تياراتها المختلفة، ومما لا شك فيه أن قضية قطع الرواتب عمن يتهمون بـ"التجنح" في فتح، أججت المشاعر لدى بعض الأطراف الفتحاوية التي عبرت عن ذلك بسيل من البيانات، تبعها العمل على تخريب أية انتخابات أو فعاليات فتحاوية وفق مبدأ "على كيفي أو بحرد!".
وترجم الموالون للمفصول من الحركة محمد دحلان تهديداتهم، بمهاجمة فندق آدم بمدينة غزة السبت الماضي، الذي تقرر عقد المؤتمر الحركي للأطباء فيه وأوقفوا أعمال المؤتمر. كما أقدم عدد من الموالين لهذا التيار -في نفس اليوم- على تحطيم كافة محتويات مؤسسة رعاية اسر الشهداء والجرحى بمدينة غزة احتجاجاً على قطع رواتبهم.
وكان رئيس السلطة محمود عباس أقدم فعلياً على قطع رواتب نحو 250 عنصراً من العسكريين بسبب موالاتهم لخصمه الداخلي دحلان ومشاركتهم في المسيرات التي خرجت بغزة قبل أسابيع تهاجم عباس.
من مؤتمر إلى معترك!
وفي ملابسات ما جرى من هجوم على المؤتمر الفتحاوي للأطباء، فقد كشف الكادر الفتحاوي هشام ساق الله في مدونته، أن عدداً من المقطوعة رواتبهم تابعين لدحلان هاجموا مقر المؤتمر وحولوه إلى "اعتداء وضرب كراسي وهجوم بالعصي على الحضور من الأطباء وكوادر حركة فتح الذين جاءوا لحضور جلسات المؤتمر".
وأكد ساق الله أنه جرى الاعتداء على عدد من قياديي حركة فتح عُرف منهم عضو المجلس الثوري محمد جوده النحال الذي اصيب برأسه ويده، إضافة إلى مرافقه معتز النحال وأصيب برضوض في جميع أنحاء جسمه نُقل على أثرها إلى المستشفى.
ولفت الكادر الفتحاوي ساق الله، إلى أن الهيئة القيادية العليا قررت إلغاء الانتخابات المقررة في كافة المناطق هذا الاسبوع بسبب مشكلة الرواتب وقطعها وحفاظاً على عدم اثارة أي اشكالية.
يذكر أن حركة فتح في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، ناشدت محمود عباس بالتدخل لاعتماد نتائج الانتخابات الداخلية للحركة التي أجريت في تلك المنطقة وتم إلغاؤها بفعل تدخل أنصار دحلان، مطالبين إياه بالتدخل سريعاً لاعتماد النتائج واتخاذ قرارات صارمة بحق "المتجنحين"، والضرب بيد من حديد على كل من يحاول تعطيل وعرقلة المسيرة الديمقراطية في الحركة مهما كان موقعه بالحركة، على حد تعبيرها.
من المسئول عن "المتجنحين"؟
بدوره قلل عبد الله أبو سمهدانة عضو الهيئة القيادية العليا لفتح، من حجم المشكلات الأخيرة التي حدثت في المناطق والنقابات التابعة لحركة فتح، مشيراً إلى أن أية انتخابات عادةً ما يشوبها نوع من الاعتراض و"الحرد".
وامتنع أبو سمهدانة في تصريح مقتضب لـ عن سرد تفاصيل ما جرى من تعطيل مقصود للمؤتمر الحركي للأطباء على اعتبار أنه مازال في طور جمع المعلومات عما حدث لتقدير الموقف.
وفي وقت لاحق، أعلنت هيئة فتح بغزة، شجبها واستنكارها للاعتداء على مقر المؤتمر، مؤكدة إن هذا العمل خارج عن أخلاقيات فتح ولا يمكن تبريره مهما كانت الذرائع والأسباب.
وفي سياق متصل، نفى أبو سمهدانة أية علاقة للهيئة القيادية لفتح بقطع الرواتب عن "المتجنحين"، مشيراً إلى أن حركته تحاسبهم بقرارات تنظيمية مختلفة عن تلك القرارات التي تقوم بها السلطة برام الله.
وكان "أنصار دحلان" من المقطوعة رواتبهم في غزة، أعلنوا عن تشكيل مجموعة أطلقوا عليها اسم "السواعد الضاربة" لملاحقة جواسيس السلطة من كتبة التقارير التي تزودها بأسماء المعارضين من أبناء الحركة.
ولم تكن حادثة إحراق سيارة القيادي الفتحاوي أحمد علوان -الخميس الماضي- الأولى ولن تكون الأخيرة، كما ورد اسمه على رأس قائمة الأسماء التي نشرها أنصار دحلان في بيانهم الذي ضم قرابة مائة اسم.
رسالة تهديد واضحة
إلى ذلك، قال مدير مفوضية العلاقات الدولية لحركة فتح في قطاع غزة مأمون سويدان، إن قيام جماعة المفصول محمد دحلان بإرسال رسائل تهديد لكوادر ومناضلي حركة فتح في قطاع غزة يعبر عن عقلية قطّاع الطرق والعصابات التي تحرك هذه الجماعات.
وأوضح سويدان في بيان صدر عن مفوضية الإعلام والثقافة التابعة لفتح، أن أنصار المفصول دحلان أرسلوا أكثر من 2000 رسالة لكوادر ومناضلي الحركة في قطاع غزة، بهدف ابتزازهم وتهديدهم، في محاولة لثنيهم عن التزامهم بقرارات قيادة حركة فتح والرئيس محمود عباس.
وأضاف قائلاً: "هذه الفئة الضالة معروفة وتعمل بهذا الأسلوب منذ أكثر من 15 عاماً لتدمير حركة فتح من خلال اعتمادها على المال المشبوه وشراء ذمم الناس وتشويه كوادر ومناضلي الحركة".
أما شامي الشامي النائب عن حركة فتح، فقد اعترف بأن حركته تعتريها خلافات كثيرة بين تياراتها المختلفة، ولكنه اعتبر ذلك صحياً ويحدث عند أي حزب في العالم.
وأوضح الشامي لـ أن الانتخابات الداخلية لحركته اصطدمت بكثير من المنغصات الداخلية إلى جانب الأوضاع السياسية والإقتصادية التي حالت دون انجاز انتخابات الأقاليم سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، لافتاً إلى أن حركته بالرغم من كل ذلك ماضية في انجاز مؤتمراتها الفرعية في كل الأقاليم وصولاً للمؤتمر العام السابع للحركة.
وفضل الشامي عدم توقع موعد محدد لانجاز انتخابات الأقاليم الفتحاوية، ولكنه أكد أنه لن يتم عقد المؤتمر السابع إلا بعد الانتهاء من الانتخابات في كافة الأقاليم في الضفة وغزة وبعد توفر الأجواء السياسية المناسبة!.
تحرر من التبعية
ومن ناحية تحليلية، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة، أن انتخابات حركة فتح تشهد في الوقت الحالي تحرراً من التبعية والتفرد بالقرار الذي يسود الحركة، مبيناً أن ما يجري من خلافات بين تيارات فتح في الانتخابات يعبر عن نهضة فِرق في فتح تريد إحداث تغيير حقيقي.
ووصف أبو شمالة في حديثه لـ عملية قطع الرواتب عما يوصفون في فتح بـ"التجنح" هو "تبجح" من القيادة التي تعتبر نفسها الآمر والناهي في كل شئ حتى فيما يُمكن التعبير به عن الرأي، لافتاً أن عباس يُذيق فتح من نفس الكأس الذي يذيق به خصومه السياسيين.
يشار إلى أن السلطة برام الله، أقدمت على قطع رواتب 130 من وجهاء ومخاتير يتبعون لدائرة شئون العشائر التابعة لوزارة الحكم المحلي في قطاع غزة، دون إبداء أية أسباب.