قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: ليش بنصًرخ؟!

الكاتبة رشا فرحات
الكاتبة رشا فرحات

الرسالة نت- رشا فرحات

يقول يوسف بك وهبي :

"عندما كنت أمضي إجازة العام الماضي في أوروبا، زرت لندن، واستأجرت شقة مفروشة لإقامتي، وما إن وضعت حقائبي فيها حتى زارني مستأجر الشقة العليا وسألني عن مواعيد نومي ويقظتي !

ودهشت في مبدأ الأمر ولكنني - بعد أن عرفت السبب- أيقنت أن نجاح الانجليز في حياتهم الاجتماعية يعود بلا ريب إلى معرفة كل فرد منهم بما له وما عليه.

لقد كان سبب الزيارة والسؤال، أن جاري يرغب في تنظيم مواعيد لعب أطفاله بالحديقة بحيث لا تقع في أوقات نومي فتضايقني !! وان هذه الحادثة لتتمثل في ذهني كلما وقع بصري علي أوجه الفوضى في حياتنا عموما !

إن نجاح الدولة من نجاح الفرد. ونجاح الفرد يتوقف علي طريقة احترامه لحقوق الغير!".

هذا المقطع قرأته على أحد الصفحات فلفت نظري، وأحببت أن أنقله لكم، ربما لكثرة ما أعاني من ضوضاء في هذا المجتمع، ولا أدري لماذا لا يعاقب القانون على الضوضاء والصوت المرتفع ؟.

فمثلا: الحفلات في الشوارع، التي يسمح بقيامها حتى ساعة متأخرة في الليل، مسرح، وفرقة، وتسكير شوارع، وكل أفراد الحارة يأتون راكضين مجتمعين حول المطرب النشاز الذي يغني أغنية معروفة الكلمات، ناشزة اللحن، وأنا تحت كل هذا مطلوب مني أن أمارس حياتي بكل أريحية، وكأن الوضع عادي، بينما فعلا يتعامل أطفالي مع الموضوع وكأنه موضوع مبهج، مثار للرقص والفرح، ففي حارتنا حفلة عرس!

أنا لست ضد الفرح، ولا أبالغ حينما أقول لك أن حفلة أمام بيتي لمدة أربع ساعات تقلب كل عقلي وتجعلني غير مسيطرة على أعصابي، ويسيطر على نفسي النكد والعصبية المفرطة والخوف، وربما تزداد عدد خفقات القلب بشكل ملفت، وحينما قرأت في تأثير الضجيج على الصحة، وجدت أن الأمر قد يؤدي إلى الموت، يالهوي، أموت من الدوشة، هيك كتير!

ولكن، ليس هذا ما يقلقني، إن ما يقلقني أكثر هو أن الدوشة، والضجة، أصبحت شيئا عاديا لدى أطفالي، يعني لو طلبن من ابنتي أن تخفض صوتها، تستغرب وتقول: وهل صوتي عالي؟! ولو طلبت من أبني أن لا ينادي على صديقه من النافذة، فيقول: وما في الأمر، كل الناس بتصًرخ!

نعم، ليست حفلة على الباب فقط هي من أزعجني، لكن طبيعة المدينة التي تملأها الضوضاء، البائع في الشارع ينادي على بضاعته حتى ساعة متأخرة، بائع الماء يدخل الحارة بصفارة، باص المدرسة يدخل الحارة بزمارة، سيارة الغاز تدخل الحارة بطرق مرعب على الأنابيب تيقظ الميت من رقدته!

 هذا غير صرخات جارنا أبو أحمد الذي لا يكف عن سب زوجته وأبنائه على الطالعة والنازلة، ويشتهي دوما كوبا من الشاي تحت نافذة غرفة نومي في ساعة القيلولة وينادي على أم أحمد عشرة أصوات وأسمعه أنا وأقلع عن فكرة النوم، ويصحو كل البيت، وتسمعه كل الحارة،  وأم أحمد لم تسمعه بعد!

ما الخطب يا جماعة، لماذا يصرخ الجميع في غزة، السياسة تصرخ، البيت يصرخ، الشارع مليء بالصرخات، الإزعاج يحيطنا من كل الجهات!

أخفضوا أصواتكم قليلا، لا داعي للصراخ، حتى لا نفقد ما تبقى من عقولنا !

البث المباشر