غزة / ديانا طبيل
لم تكن تدرك أم طارق عفانة " 33 عاما " أن حفلة عيد ميلاد ابنتها رغد ستجر إليها تكاليف باهظة لم تكن في الحسبان ، لتصبح إحدى العادات السنوية التي لابد من تكبد مصاريفها ثلاث مرات سنوياً ، الاولى باحتفالها بميلاد طارق يليه ميلاد حلا ثم ميلاد رغد.
فمنذ سنوات قليلة بدأت تظهر في المجتمع الغزي ظاهرة الاحتفال بأعياد الميلاد للأطفال وتعدت ذلك ليحتفل طلبة جامعات وأزواج جدد وعائلات، لتصبح عادة شبه متعارف عليها بين الكثيرين ،رغم ما تنص عليه الشريعة من انها بدعة تجر إلى النار.
** بدعة مردها النار
في حين يرفض اشرف ضبان " 35عاما " حفلات عيد الميلاد جملة وتفصيلاً عملاً بنص الشريعة الغراء إذ يرى في حفلات الميلاد بدعة مردها إلى النار ، ويقول عن ذلك: تربينا تربية إسلامية بحتة لم نعهد خلالها طفولتنا حفلات الميلاد ، ويعزو ضبان انتشار هذه البدعة إلى التقليد الأعمى والإعلام المنهزم والهابط الذي يوجه رسائل غزو ثقافي إلى المجتمعات العربية ويرى أن ذلك لم يأت صدفة بل هو سياسة غربية مدروسة.
بينما لا يتمكن أبو محمود "40 عاما "من إقامة اى حفلات أعياد ميلاد لأطفاله أو حتى المشاركة فيها لتكلفتها التي تفوق قدرته، كما أن المشاركة فيها يتطلب اخذ هدية وهو ما يصعب على أبو محمود القيام به بسبب وضعه الاقتصادي المتردي.
** عادة الاحتفال
وتتخلل الاحتفال بالميلاد تكاليف كثيرة يظهر فيها الاسراف، وتقول أم طارق أنها تعد قوالب الكيك والحلويات المختلفة والمعجنات والعصائر إضافة إلى قالب من " الجاتوه " كبير الحجم، إضافة إلى الفواكه والمكسرات وأوراق الزينة وكاميرا التصوير وما إلى ذلك من تفاصيل لا تنتهي.
وتقول أم طارق أنها بدأت الاحتفال بميلاد صغارها وهم في مرحلة الحضانة حيث دعتها إدارة الحضانة للاحتفال بميلاد ابنها طارق ومنذ تلك اللحظة عرف أطفالها هذه العادة السنوية، وتضيف: لا يمكن أن يمر تاريخ ميلاد واحد منهم دون دعوة جميع الأهل من خالات وعمات وأبناء عمومة والأصدقاء والجيران ، مبينة أن تكلفة الاحتفال تتراوح ما بين 400 شيكل إلى 600 شيكل.
وترى أم طارق أن عادة الاحتفال بالميلاد تعطى الأطفال نوعا من الفرح والانبساط خاصة في ظل الظروف السياسية السيئة التي نحياها ، لذا تلجأ إلى الاحتفال بذكرى الميلاد كنوع من تفريغ انفعالات أطفالها وأصدقائهم في جو احتفالي يجمعهم.
وبنفس التفاصيل والتكلفة تقيم شيماء أبو عيدة " 20عاما " احتفالا سنويا يجمعها وصديقاتها وبعض أقاربها إذ ترى فيها مناسبة للتواصل الاجتماعي الذي يزيد الترابط بين الصديقات وأفراد العائلة الواحدة.
وتقول أبو عيدة أنها عكفت منذ ثلاث سنوات على الاحتفال بذكرى ميلادها وتتلقى الهدايا من صديقاتها ، وتضيف أنها تحتفظ في تقويم جوالها بتاريخ ميلاد كل معارفها وصديقاتها وأقاربها وزميلاتها لترد لهم هذه الهدايا، مضيفة أنها تكتفي أحيانا بإرسال رسالة جوال كنوع من التهنئة لبعض صديقاتها.
** إجابتها غير جائزة
من جهته يقول دكتور الشريعة محمد شريدة : دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين ولا أصل لها في الشرع المطهر ، ولا تجوز إجابة الدعوة إليها، لما في ذلك من تأييد للبدع والتشجيع عليها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ،إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ".
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"
ثم إن هذه الاحتفالات مع كونها بدعة منكرة لا أصل لها في الشرع هي مع ذلك فيها تشبه باليهود والنصارى لاحتفالهم بالمواليد ، وقد قال صلى الله عليه وسلم محذرا من إتباع سنتهم وطريقتهم : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟، قال : فمن " ، ومعنى قوله : " فمن " أي هم المعنيون بهذا الكلام ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " .
من جهته يقول الأخصائي النفسي والاجتماعي إيهاب العجرمي: بدأت ظاهرة حفلات أعياد الميلاد تطفو إلى السطح في الآونة الأخيرة رغم انه ولسنوات مضت لم يعهد المجتمع الاحتفال سوى بعيد الفطر وعيد الأضحى المبارك، بيد أن تغيرات اجتماعية جمة حدثت مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي مع المجتمعات الغربية.
العولمة والغزو الثقافي.
ويرجع انتشار هذه الظاهرة إلى اتجاه الغزيين لتقليد المجتمعات الأخرى في أعيادهم وسلوكهم وأنظمة غذائهم وملابسهم وطريقة تفكيرهم واهتمامهم، وما نتج عن العولمة والغزو الثقافي من تبعيات المجتمعات الشرقية للحياة الغربية.
ويضيف بعض فئات المجتمع قد بدأت تقيم هذه الحفلات من باب الترفيه والتسلية جراء الضغط النفسي الذي يعاني منه المجتمع, في محاولة لتفريغ انفعالاتهم ومشاعرهم الدفينة أو لتفريغ الخوف والقلق الذي يعيشه أطفالهم من خلال جو من الفرح والانبساط, ليخففوا معاناتهم النفسية جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويرى العجرمي أن الاحتفال بأعياد الميلاد يشكل عبء اقتصاديا جديدا للأهالي في ظل الفقر الذي تعيشه الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة ، مما قد يفاقم بعضا من الضغط النفسي والشعور بالعوز والنقص لدى الأسر التي تعاني من الفقر المدقع ولا تستطيع الاحتفال بهذه الأعياد , حيث يزداد شعورهم بالنقص وعدم القدرة على تلبية احتياجات أطفالهم.