قبل أكثر من ثلاثة عقود، كان عيد شم النسيم، بطقوسه وإجازته الرسمية، معتمدا باعتباره موروثا من عهد الإدارة المصرية التي حكمت قطاع غزة 1948-1967، ولم يكن باستطاعة خطب الجمعة وحدها إقناع الناس بعدم الاحتفاء بعيد لا يخص المسلمين، ولا يرتبط حتى بالتراث الفلسطيني.
في أحد الأعوام خلال دراستي المرحلة الابتدائية في مدرسة الشيخ جميل قرر ناظر المدرسة الأستاذ الشيخ احمد نمر حمدان أخذ زمام المبادرة، وعدم الاكتفاء بخطبه ودروسه، وأعلن عن يوم رياضي ترفيهي في المدرسة في نفس يوم إجازة شم النسيم، وما يزال ذلك اليوم عالقا في ذاكرتي، بعدما تحول إلى مهرجان شارك فيه معظم الطلاب واستوعب جيران المدرسة، رغم ما نال الأستاذ أبو محمد بعد ذلك من غضب وعقاب الاحتلال والأونروا، لكن شم النسيم انتهى من ثقافتنا وإجازتنا الرسمية.
واليوم يحرص ورثة القديس "فالنتاين" انتشال مناسبة من أعماق التاريخ حيث القرن الثالث الميلادي، لإحياء يوم الحب، ومهما اختلفنا أو توافقنا حول المناسبة، فهي حاضرة بكل زينتها وطقوسها، تختزل الحب في اللون الأحمر والوردة والدب، وتمنح البخلاء في مشاعرهم والكاذبين في أحاسيسهم فرصة ليوم واحد يمحون فيه ذنوبهم العاطفية، وبرودة حياتهم الزوجية، أو علاقاتهم الاجتماعية والغربة العائلية، التي تحتل معظم أيام السنة.
هكذا تكتفي تلك الزوجة المسكينة بالدب الأحمر نيابة عن الزوج ذي القلب الأخضر، بينما تقيس أخرى قوة الحب بحجم الدب.
الحب بماديته اليوم يمتد إلى جذور تشير إليها احدى الروايات في العصر الروماني عندما احتفل الرومانيون بـ"عيد التخصيب" خلال الفترة بين 13 و15 فبراير من كل عام، مع اختلاف طريقة الاحتفال بالعيد، التي كانت تتضمن خروج الرجال دون ملابس في الشوارع، ثم يضربون النساء على ظهورهن باستخدام جلد الماعز والكلاب، من أجل زيـادة خصوبتهـن وقدرتـهن علـى الإنجاب.
في زمن الحب الحقيقي الهدية الحقيقية تلك التي تأتي دون موعد، أو يتشارك فيها المحبان مناسبة خاصة تميزهما عن باقي المحبين.
بينما في اليوم التالي "للفالنتاين"، يعود البخلاء إلى حياتهم الباردة، فيغيب الحب ويبقى الدب.