قائمة الموقع

ضحايا العنف الأسري يعزفن عن الشكوى العلنية ويعانين بصمت

2015-02-26T09:35:52+02:00
ضحايا العنف الأسري
غزة- فادي الحسني

هل يمكن أن نقول إن سماح (اسم مستعار) كسرت كل الأعراف المجتمعية حين هربت من بيت زوجها ليلاً على إثر "علقة سخنة" بعصا غليظة هوت على رأسها فشجتها، ثم خرجت بلباس البيت دونما غطاء رأس والدم يقطر على وجهها المكتنز، تطلب الاسعاف وسط شارع موحش في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة؟

كلا، المرأة المسكونة بالخوف لم تعر أمر العادات اهتماماً لأنها باختصار لم تخدش شرف أحد على ضوء افتقادها لأسرتها الأولى، فهي ابنة لرجل خمسيني يقضي يومه عاملا في الانفاق، ولديها شقيق واحد من زوجة ابيها كان يتحرش بها وقتما كانت في ضيافته قبل زواجها، كما تقول.

هذه السيدة صاحبة البشرة القمحية لا يتطابق شكلها مع عمرها، وتبدو للوهلة الأولى في العقد الخامس، لكن بطاقتها الشخصية تكشف أن عمرها الحقيقي (26 عاماً) وتبرر ذلك بتحملها للشقاء باكراً مذ كانت طفلة.

وتلك حادثة واحدة من بين عشرات حوادث العنف داخل الأسرة الفلسطينية التي كانت الأنثى ضحيتها، دون تطبيق فعلي لنصوص القانون بحق المعتدين، أو ضوابط مجتمعية تقف في وجوه الرجال الذين استخدموا عضلاتهم المفتولة للتسلط على نسائهم أو تعريض فتياتهم وشقيقاتهم لاعتداءات جنسية.

وتسجل إحصاءات رسمية لدينا نسخ عنها، أن 90 حالة لجأت خلال العام الماضي 2014 إلى بيت الأمان (مؤسسة رسمية تعنى بالحفاظ على الفتيات المعنفات) لطلب الاقامة، على ضوء المشكلات الاسرية والخلافات الزوجية والاعتداءات الجنسية التي تعرضن لها، بينما قدم الاستشارة إلى نحو 37 حالة.

في المقابل، فإن مركز (حياة لحماية وتمكين النساء والعائلات) قد تعامل مع 164 حالة خلال العام المنصرم، فيما تعامل خلال العام 2013 مع 147 حالة، وذلك يعني أن نسبة الإناث المعنفات آخذة في الازدياد، علما أنه لم يتسن لنا الوقوف على تفصيل دقيق للأرقام المتعلقة بحجم الاعتداءات الجسدية والنفسية مقابل الجنسية، مع اشارة بعض المختصين إلى أن ضحايا الاخيرة يمثلون الغالبية.

معاناة صامتة

وقد تبدو هذه الأرقام للوهلة الأولى بسيطة، غير ان ناشطات في قضايا المرأة كشفن عن أن هناك أعداداً مهولة من الإناث ما زلن يعانين بصمت داخل أروقة الأسرة؛ إما طمعا في البقاء تحت "مظلة رجل لا ظل حائط" كما يقال، أو تلافيا للفضيحة المتعلقة بالاعتداء الجنسي الواقع عليهن من المحارم.

وفي مجتمع كقطاع غزة معروف بعاداته وتقاليده، كان من الصعوبة بمكان أن تمرر الأنثى حكاية اضطهادها عبر وسائل الإعلام لدواعي الحفاظ على سمعة العائلة، غير أن بعضهن ساقتهن الجرأة إلى الحديث في المحظورات وازاحة الستار عن واحدة من اكثر القضايا حساسية ألا وهي "سفاح القربى".

وبالعودة إلى قصة سماح، فهذه السيدة عندما بلغت الثالثة والعشرين من عمرها، تقدم لخطبتها رجل متزوج، فقبلت بذلك طمعا في التملص من تحرش شقيقها بها، والجور الواقع عليها من زوجة ابيها. وتقول "كنت حينها في غفلة، ظننت ذاك الرجل المنجد الوحيد من الوحل الذي غرقت فيه وقبلت أن اصبح خادمة له على البقاء في بيت والدي".

كانت الكارثة بالنسبة إلى سماح التي لم تحظ بمراسم زفاف كنظيراتها، أنها انتقلت مباشرة من المحكمة الى بيت زوجها بعد عقد القران، دون قدرة منها على الاعتراض، بزعم عجز العريس تحمل نفقات لا طائل منها.

تقول السيدة: "لم تدم سعادتي أسبوعاً واحداً حتى بدأت اتعرض للعنف بدافع من الزوجة الأولى، فمكثت عمليا أربعة اشهر من اصل ثلاثة اعوام في بيت زوجي.. طيلة الوقت كنت اهرب وألجأ إلى رجال العشائر حتى يجنبوني الظلم والجور الواقع علي".

وسبق أن سجل جهاز الشرطة إفادة "سماح" في واقعة ضرب عنيف حدثت لها إبان نزوحها مع زوجها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة (يونيو 2014)، على مرأى النازحين داخل مأوى يتبع الوكالة الدولية (اونروا).

وحتى كتابة هذا التحقيق كانت السيدة التي انجبت طفلة وحيدة لم تنهِ عدة الطلاق (مدة 3 اشهر تقضيها المرأة بعد طلاقها من زوجها في بيتها، لا تخرج ولا تخطب لزوج آخر)، وهي تقيم الآن داخل بيت الأمان، دون وجود معيل يتحمل نفقاتها وصغيرتها ذات العامين.

أوصدت الأبواب

ولأن العنف الأسري مخبأ في أروقة المنازل، سعينا في سياق هذا التحقيق أن نأتي البيوت من أبوابها علنا، نقف على دواعي العنف الذي يستخدمه الرجال بحق الفتيات والنسوة، لكنها اوصدت في وجوهنا، فاضطررنا إلى لقائهن خارج أروقة الأسرة بعد أن هربن سراً للتخلص من الجور الواقع عليهن.

وأفضى التحقيق إلى نتيجة مهمة، وهي أن معظم الاعتداءات التي وقعت ضد الانثى، كانت داخل الأسر المفككة أصلاً، أما بفعل انفصال الأبوين، أو لفساد أخلاق الأب أو الزوج، ذلك وفق إفادة أكثر من عشر ضحايا في مناطق متفرقة من القطاع، استطلعنا حالاتها في هذا المضمار.

وبالكاد استطاعت ليلى (اسم مستعار) وهي سيدة متزوجة ولديها طفلان تقيم وسط اسرة ممتدة، أن تتمالك نفسها وهي تعبر عن أزمتها النفسية التي تسبب بها تحرش شقيق زوجها (سلفها)، وحين قررت الخروج عن صمتها، أودعت قصتها لدى أحد المراكز المعنية بالنساء المعنفات، وعمل الأخير على مساعدتها عبر اقناع زوجها بطريقة غير مباشرة بضرورة توفير مسكن مستقل خارج اطار العائلة.

تقول ليلى (30 عاماً) إن زوجها قد تفهم ظرفها وباع مصاغها واقام لها شقة على سطح منزل العائلة، غير أن العدوان الأخير جاء ودمر عشهما الزوجي، وعليه باتت مضطرة للنزول مجددا الى المسكن المشترك.

ووفقا لإفادة السيدة، فهي الآن تعاني مشكلة نفسية حادة جراء وقوعها ضحية تحرش، دون قدرة من زوجها المتعطل عن العمل لاستئجار شقة خارجية أو الاقامة بعيدا عن منزل العائلة، أو حتى وضع حد للعنف الجنسي الواقع على زوجته.

وترفض السيدة وزوجها تقديم دعوى قضائية بحق (السلف) على اعتبار أن ذلك سيخلق مشكلات أسرية طاحنة وسيضر بسمعتها وأسرتها.

وأمام هذه الحالة، تؤكد الأخصائية النفسية وفاء عيد، بالأرقام وجود عنف موجه ضد المرأة بشكل غير مسبوق في الأراضي الفلسطينية، مؤكدة أن مستوى هذا العنف يتزايد بشكل سنوي وقد أسهمت في وضع خطة علاج لأكثر من (164 معنفة) فقط خلال العام المنصرم داخل قطاع غزة.

وتوضح الاخصائية التي التقيناها بعد عودتها مباشرة من سجن غزة لمتابعة ضحايا أخريات كن وقعن تحت تأثير العنف الأسري، أن المعضلة الكبيرة التي تواجههم هي رفض الضحية الخروج إلى النور والكشف عن حقيقة العنف الذي تتعرض له؛ لدواعي المحاذير المجتمعية.

وعليه طالبت المحامية خديجة البرغوثي (محامية الهيئة المستقلة لحقوق الانسان)، بضرورة ايجاد آليات مؤسساتية تمكن النساء والفتيات من الإبلاغ عن أعمال العنف الواقعة عليهن، وتمكنهن أيضا من تقديم الشكاوى، وذلك في جو آمن ومستتر، يمنع الانتقام، ويضمن حصول النساء ذوات الإعاقة على المعلومات والخدمات التي تلزمهن فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة.

ضياع الحق

الشرطة: المشكلة أن حق المرأة يضيع في ظل الأعراف والتقاليد

غير أن جهاز الشرطة الفلسطينية أقر بوجود العنف الأسري انطلاقا من الشكاوى التي جرى التعامل معها-لا تتوفر احصائية حولها- مؤكداً أن المشكلة تكمن في ضياع حق المرأة في ظل الاعراف والتقاليد المجتمعية.

ويقول الرائد أيمن البطنيجي، المتحدث باسم جهاز الشرطة في قطاع غزة، إن مثل هذه القضية موجودة في المجتمع ولا يمكن إنكارها، "ولكن للأسف الشديد العرف يدخل ليضيع حق المرأة، فيما يتعلق بالاعتداء عليها من زوجها على سبيل المثال، والاصل ان يعاقب هذا المعتدي".

ولفت إلى أن غالبية القضايا من هذا النوع يجري التعامل معها عبر ما يعرف بـ(العلاقات العامة للشرطة) بمعنى أنها لا تأخذ الصفة الرسمية كقضية حفاظا على الأسرة، مؤكدا أنه حال قررت الضحية أن تأخذ الأمور سياقها القانوني فإن الشرطة تتعامل مع هذا القرار.

ذات النهج في التعامل مع قضايا من هذا النوع، تتبعه مؤسسة بيت الأمان (مؤسسة رسمية تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية)، وتشير مديرة المؤسسة هنادي سكيك إلى أن التعاطي مع الحالة يجري بعد الاستماع الكامل للقصة والتحري الأمني عنها.

ويخيم هدوء تام على البيت الذي دخلناه بعد حصولنا على موافقة رسمية، حيث تظفر السيدات والفتيات اللواتي يقمن هنا بسرير على الأقل للمبيت دون مدة محددة للإقامة، فضلا عن تأمين المأكل والمشرب والقدرة على قراءة بعض الكتب "المحافظة"، غير أنهن لا يحظين بفرص الدخول إلى عالم الانترنت أو حيازة الهواتف النقالة.

وتوضح مسؤولة البيت سكيك، أن الأنثى التي تلجأ إلى هذا المكان يجب ألا تكون خريجة سجون، أو مدمنة مخدرات، أو مريضة نفسيا، مقابل الحصول على الرعاية الاجتماعية والعناية الشخصية اللازمة وكذلك الاستقرار بما يضمن لهن العيش الكريم، مؤكدة أن البيت اقيم لاستقبال النساء المعنفات بمختلف الاشكال.

الشروط الثلاثة التي يضعها البيت القائم تحت إدارة نسوية بحتة، وهو الوحيد على مستوى قطاع غزة، تحرم الفتاة حنان (اسم مستعار) في الثامنة عشرة من عمرها، من الإقامة داخله، ما يبقيها حبيسة جدران سجن غزة المركزي.

ووقعت هذه الفتاة ضحية لشذوذ والدها، والذي كان يحلل لنفسه أن يسافحها بشكل مستمر منذ طفولتها دون قدرة من والدتها على تغيير هذا الواقع، ولكن عندما وقعت في جريمة تبين من خلال التحقيق معها الأزمة التي تعانيها.

هذه الفتاة انهت محكوميتها ولكن الاجهزة الأمنية لا تزال تتحفظ عليها لتلافي تعريضها مجددا للعنف الجنسي، لكن المشكلة الأكثر تعقيدا أنه بدأ يظهر عليها أثناء فترة احتجازها اعراض الشذوذ الجنسي على ضوء ممارسات والدها، وعليه أصبحت تتحرش بالسجينات، الأمر الذي يدفع بإدارة السجن للمطالبة بنقلها إلى دار الأمان، خاصة أنها بحاجة ماسة الى رعاية وتوجيه نفسي.

سبل إنهاء المشكلة

بيت الأمان: نوفر الرعاية الاجتماعية والاستقرار لمعنفات

الدافع وراء الوقوف على المشكلة، قادنا إلى التوجه لإدارة السجن المطوق بالسياج، والتقينا هناك الضابط أمل نوفل، التي رفضت السماح لنا بمقابلة الفتاة لدواعي تردي حالتها النفسية، وعندئذ اكتفينا ببحث سبل انهاء مشكلة هذه الحالة.

وعليه قالت نوفل: "هذه هي الحالة الوحيدة النزيلة، نتمنى اجراء بعض التعديلات على بيت الامان لاستقبال بعض الحالات من هذا النوع، حتى لا تبقى ضحية تعاني داخل السجن (..) نحاول أن ندرس الأمر مع الاطراف المعنية لاستقبال الحالة الموجودة حتى لا تبقى مقيمة هنا مدى الحياة".

في المقابل، تقدم مسؤولة بيت الأمان (سكيك) مبررا يتعلق برفض استقبال مثل هذه الحالات، بقولها "يصعب دمج مثل هذه الحالة مع سيدات يقمن برفقة اطفالهن وطالبات مدارس موجودات هنا داخل البيت".

سكيك لم تقف عند حدود كلماتها، بل زادت "من الأصل أن يكون هناك حل من الجهات العليا، حتى لا يصبح هناك تضارب في الأنظمة واللوائح الضابطة لعمل البيت".

في الأثناء، كان طاقم من مركز حماية (مؤسسة أهلية تعني بقضايا المرأة) يحاول التعامل مع حالة الفتاة حنان، وقد وضع خطة لعلاجها خاصة أنها بحاجة إلى مختصين نفسيين وأطباء للتعامل مع حالتها الحرجة، وفق ما قالته المختصة الاجتماعية "عيد".

وتشير الاخصائية عيد إلى أن الطاقم القائم على الاشراف على الحالة يجد صعوبة في احتوائها داخل المركز، رغم أنه يتوفر لديهم مأوى مجهزا خاصا بالنساء المعنفات-قمنا بمعاينته- الا انه لم يحصل بعد على ترخيص وزارة الشؤون الاجتماعية.

وقبل البحث في الأسباب المؤدية إلى وقوع العنف على المرأة داخل المجتمع الفلسطيني، فإن ثمة سؤال يحتاج البحث عن اجابة يتعلق بطبيعة ملاحقة المعتدين قانونياً، في الوقت الذي تعاني فيه الضحية الأمرين، خصوصا أن المادة 155 من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936 المعمول به في القطاع، نصت على أن "كل من واقع بنتا غير متزوجة تجاوزت السادسة عشرة من عمرها ولم تتم الحادية والعشرين مواقعةً غير مشروعة أو ساعد أو عاون غيره على مواقعتها مواقعة غير مشروعة وكانت البنت من فروعه أو من فروع زوجته أو كان وليّها أو موكلا بتربيتها أو ملاحظتها، يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس مدة خمس سنوات".

النظام الأبوي

في هذا المضمار قالت المحامية البرغوثي: "يتسم قانون العقوبات الانتدابي المعمول به في غزة، بتكريس النظام الأبوي وتعزيزه كما يقوم على التسلط والخضوع اللاعقلاني الذي يتعارض مع قيم المجتمع المدني واحترام حقوق الانسان".

وأضافت "في ظل الانظمة الأبوية لابد من أن يتولد صراع اجتماعي نشوز نفسي من شأنه تضخيم الذكور وتبخيس الأنوثة، وبالتالي فإن هذا ينعكس في القوانين الوضعية والعرفية التي تضطهد بدورها المرأة في حقوقها الاجتماعية.

وأشارت إلى أن المرأة تتحول في مثل هذه البيئة من انسانة كاملة الحقوق الانسانية وفاعلة وشريكة، إلى انسانة مهمشة فاقدة الثقة بذاتها، الأمر الذي يحولها إلى ضحية للعنف الممارس ضدها بأشكاله المختلفة.

فضلا عن ذلك فقد سجلت دراسات محلية تتعلق بالعنف ضد المرأة انتقادا لاذعا للمادة رقم (285) من القانون الاساسي الفلسطيني، الخاص بعقوبة السفاح، والتي نصت على أن "السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة أو إذا كان لأحد المجرمين على الآخر سلطة قانونية أو فعلية يعاقب عليه بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات".

معالج نفسي: سببه استغلال مركز الذكر في الأسرة

منسقة مركز حياة تهاني قاسم، بدورها اشارت في هذا الصدد، إلى الدور الذي يلعبه المركز في سبيل نيل الضحية حقها القانوني على ضوء ما يقع عليها من اعتداء، على اعتبار انه يتيح لها المرافعة القانونية في المحاكم، إلا أنها لفتت إلى أن معظم الضحايا يرفض وصول الأمر إلى أروقة القضاء، خشية "وصمة العار".

وانصتنا في سياق هذا التحقيق، إلى قصة الشابة الجامعية سمر (اسم مستعار) التي أقرت بضرورة أن يعاقب والدها اشد عقاب على اثر تعنيفها جنسيا وتعريضها للتحرش مرارا، وعبرت عن تمانيها بحرقه، إلا أنها لا تزال غير قادرة على اعطاء أمر لمركز "حياة" لرفع دعوى قضائية ضده.

وقالت الفتاة التي لا تزال واقعة تحت سفاح الأب "كيف يمكن أن يقبل المجتمع أن تقف فتاة امام القاضي تتهم اباها بهتك عرضها؟ ليس لدينا كضحايا نعيش في مجتمع محافظ الجرأة الكافية للدفاع عن انفسنا، لأن وصمة العار ستلاحقنا على مدار العمر".

وتشير الفتاة إلى أنها تفكر جديا بالانتحار للتخلص من الأذى الجنسي الواقع عليها مذ دخلت سن المراهقة.

الأم ضعيفة

أخصائية: الضحية ترفض كشف العنف الواقع عليها ولا تلجأ للقانون

ويكشف أخصائي العلاج النفسي مراد عمرو، من مركز الارشاد النفسي والاجتماعي برام الله، عن أن الأسر التي تتعرض فيها الإناث للعنف، غالبا ما تكون فيها الأم ضعيفة وعاجزة عن توفير الحماية لبناتها.

ويؤكد عمرو أن موضوع الاعتداء من الأب على ابنته فيما يخص السفاح، تتغاضى فيه الأم خوفا من الزوج وتهديداته أو خشية فقدانه، مبينا أن السبب الرئيسي لحدوث السفاح هو العقلية الذكورية واستغلال مركز الذكر في الأسرة خصوصا أن النساء والفتيات يكن ملك الرجل أبا أو ابنا كبيرا أو أبا للزوج، فشخص صاحب تأثير وسلطة قد يستغل سلطته لفرض ممارسات جنسية على الأشخاص الخاضعين له.

وأوضح الاخصائي بموجب خبرته في المجال، أن معظم الحالات التي مورس فيها السفاح انحدر الفاعل من عائلة مفككة، فضلا عن أن الاكتظاظ السكاني المرتبط بالفقر ساهم في حدوث العنف الجنسي الواقع على الإناث، مشيرا إلى أن المخدرات والاحتياج العاطفي للمرأة ساهمت في وجود العنف الجنسي داخل بعض الأسر.

واعتبر أن مواجهة الفتاة لاعتداء من متولي أمورها يعتبر خللا وآفة تزعزع النظام الاجتماعي للأسرة وتركيبتها، وتحرف المسار الحمائي للأب أو الأخ أو العم، ما يؤدي إلى التأثير في البناء النفسي للفتاة كإنسانة، والتأثير في النسيج النفسي للعائلة، بالإضافة الى أنها تؤدي إلى تغيير صفات صلة القرابة كصورة للرحمة والحماية والأمان بالنسبة للفتاة.

وقبل أن تطلعنا مديرة بيت الأمان على الأسباب الكامنة وراء العنف ضد المرأة وفقا لخلفية واقع النزيلات لديها الذي عايشنه عندما تعرضن للعنف، أشارت إلى أن ادارة البيت مصعوقة بوجود ما يعرف بسفاح القربى داخل المجتمع الفلسطيني، لكنها رفضت وصفه بالظاهرة.

وأوضحت سكيك أن العنف مرتبط بداية بالضغوط الخارجية الممارسة على القطاع (تقصد الحصار الاقتصادي)، مؤكدة أن تردي الوضع المعيشي دفع ببعض ضعاف النفوس باتجاه الانحراف سواء بين أزواج أو آباء وبناتهم.

بالإضافة إلى ذلك أشارت الى أن ضعف الوازع الديني كان يقف سببا وراء اقدام بعض الذكور على تعنيف زوجاتهم او بناتهم واخواتهم بمختلف اشكال العنف.

المحامية البرغوثي: نطالب بآليات تمكن المعنفات من الإبلاغ عن الأذى الواقع عليهن

إزاء ذلك، قدمت المحامية البرغوثي جملة من التوصيات، تتعلق بداية بضرورة أن تدرس مؤسسات السلطة امكانية وضع خطط عمل وطنية لتعزيز حماية المرأة من جميع أشكال العنف، أو أن تدرج احكاما لذلك الغرض، وأن تصوغ على نحو شامل النهج الوقائية وكل التدابير القانونية التي تعزز حماية المرأة من جميع اشكال العنف، وتكفل ألا يتكرر إيذاء المرأة بسبب وجود قوانين وممارسات إنقاذية وأشكال تدخل أخرى لا تراعي نوع الجنس.

وشددت على ضرورة تعديل انماط السلوك الاجتماعية والثقافية للرجل والمرأة، وإزالة التحيز والممارسات التقليدية وكل الممارسات الاخرى المستندة إلى دونية أي من الجنسين.

وحتى نبدد سوداوية المشهد، فكان من الأهمية بمكان أن ننبه إلى قصة السيدة احلام (اسم مستعار) التي تعرضت في ربيعها الثالث عشر، للتحرش اكثر من مرة من ابيها وعندما قررت افشاء السر لوالدتها عنفتها وظلت واقعة تحت تهديد الاسرة حتى سن الثامنة عشرة. وعليه سارعت إلى طلب اللجوء لبيت الأمان ومن ثم اقامت هناك نحو عامين ثم تقدم شخص لخطبتها وتزوجت وأنجبت طفلين.

وكأنني بك عزيزتي الضحية وأنت تطالعين هذا التحقيق وفي الحلق غصة، أن تدركي أن هناك أكثر من نافذة من الممكن أن تخترقيها لتبددي واقعكِ الأليم، اذا لم يكن ذلك بحكم القانون رغم ضعف مواده، فعبر المؤسسات الرسمية، أو الأهلية، حتى لا تظلي تعانين خلف جدار الصمت فيما المعتدي حرّ طليق.

اخبار ذات صلة