لم يعد بإمكان الفصائل الفلسطينية التي التزمت الحياد والصمت مطولًا البقاء على موقفها، إزاء التدهور المريب في الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية في القطاع المحاصر، إذ بات بعضها يشب عن طوق الصمت ويؤكد صراحة وجود دور لأطراف في السلطة يتعمد تهميش القطاع ومفاقمة المعاناة فيه.
الجبهة الشعبية أعلنت موقفها صراحة حول وجود قرار سياسي لدى السلطة الفلسطينية يهدف الى تهميش قطاع غزة، ليعزز بذلك ما طرحته حركة حماس خلال الفترة الماضية بأن السلطة هي من تقف خلف تدمير القطاع والعمل على تهميشه، وهو ما تتفق عليه كثير من الفصائل ومن بينها أيضًا الجهاد الإسلامي.
الجبهة الشعبية أعلنتها صراحة في بيان لها، بوجود قرار سياسي لدى السلطة يهدف الى تهميش غزة، وابقائها على حالها، على الرغم من وجود إمكانية لحل مشكلاتها، متهمة حكومة الوفاق بعدم القيام بالمهام المطلوبة منها.
وحذرت الشعبية مما يحمله هذا الواقع من مخاطر حقيقية على البيئة الداخلية الفلسطينية، معتقدة أن هذه الظروف ستوفر تربة خصبة للجريمة المنظمة والتي لم تشهدها غزة منذ زمن طويل، فضلًا عن توفير بيئة لتنامي الأفكار المتطرفة لدى الشباب الذي احتواه اليأس من هذه الأوضاع، بحسب الشعبية.
ودعت الجبهة فصائل العمل الوطني والإسلامي لاجتماع طارئ يبحث الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لأهل غزة، وسبل معالجة هذه الأوضاع، ومواجهة تداعياتها التي تهدد الأمن والسلم المجتمعي.
الشعبية كان لها موقف سابق، اتهمت فيه حركة فتح برفض وصول وفد منظمة التحرير الى زيارة غزة لتحقيق المصالحة مع حركة حماس، وقالت إن قيادة السلطة تواصل عملية التفافها على المنظمة لصالحها.
السلطة تتآمر
الجهاد الإسلامي وافق الشعبية موقفها، مؤكداً وجود مؤامرة على قطاع غزة بمشاركة فلسطينية وإقليمية ودولية لتفجير الأوضاع بغزة، وتحريض الناس على المقاومة تمهيداً للانقضاض عليها.
القيادي بالجهاد خضر حبيب قال لـ، هناك اطراف فلسطينية لا ترغب بانفراج الأوضاع في غزة، داعيا إلى العمل على فضحها وانتزاع المبادرة منها لتوحيد الشعب الفلسطيني والمصارعة على عقد الاطار القيادي لمنظمة التحرير".
وحذر حبيب من خطورة استمرار هذه الأطراف بسياساتها والتخلي عن مبدأ الشراكة ومواصلة الاقصاء، خاصة في ظل ازدياد التحديات أمام المشروع الفلسطيني.
هذه المواقف سبقها تأكيد من حركة حماس على لسان نائب رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي قال إن السلطة تعمدت تجاهل معاناة القطاع وتصر على مواصلة التفرد بالقرار ورفض الشراكة، متهماً رئاسة السلطة بالعمل على إعاقة الوصول الى المصالحة.
جدير بالذكر أن حركتي حماس والجهاد أكدّتا لـ، عدم معرفتهما بانعقاد المجلس المركزي وأنه لم يصلها أي كتاب من قيادة المنظمة للمشاركة في اجتماعه المقرر اول الشهر المقبل، وهو ما يؤكد عقلية الاقصاء لدى هذه القيادة.
وإزاء هذه المواقف المتقدمة في الخطاب السياسي لهذه الفصائل، أكدّ محللون سياسيون ضرورة توظيف المواقف الأخيرة إلى مسار فعلي تتخذه هذه القوى لمواجهة دور السلطة ضد القطاع، والا يقتصر دورها على المسار اللفظي فقط دون أن يعقبه دور عملي يغير مسار التعاطي مع السلطة.
وإن كانت ما تحدثت به تلك الفصائل ليس بالجديد، إلّا انه مؤشر على وجود تغيير لدى بعضها في تعاطيها مع حقيقة ما يجري في القطاع واعتراف منها بدور السلطة في المؤامرة التي تحاك ضده، طبقًا لمراقبين.
اعتراف بالحقيقة
بدوره، اعتبر الدكتور يوسف رزقة المستشار السياسي السابق لهنية، هذه المواقف اعترافا بالحقيقة التي يعيش فيها قطاع غزة وطبيعة المؤامرة التي يتعرض لها.
ورأى أن هذه المواقف من شأنها أن تعزز إمكانية تحقيق جبهة موحدة لمواجهة المؤامرة التي تحاك ضد غزة، ومقاومة حالة التفرد السياسي لدى السلطة، معتقدًا أن الحل يكمن في تشكيل هيئة بديلة تنهي مسار التفرد لدى قيادة السلطة، وهو ما ذهب اليه القيادي بالجبهة الشعبية ذو الفقار سويرجو الذي أكدّ في حديثه لـ"الرسالة" ضرورة العمل على مواجهة مسار التفرد عبر وحدة فصائلية.
أما الدكتور فايز أبو شمالة، فرأى أن هذه المواقف تأكيد على موقف حماس الذي تجاهلته بعض القوى في كثير من الأوقات وحاولت ان توازيه مع موقف السلطة فيما يتعلق بمعاناة غزة، معتبرًا أنه تأكيد من الفصائل على مسئولية السلطة في تعثر المصالحة.
وقال "مفترض أن تستكمل الفصائل ما فشلت به من تشكيل جبهة موحدة، وأن تحدد موقفها بصراحة من القرار السياسي الفلسطيني وقد تجد من حركة فتح من يساندها في ذلك".
وأكدّ أن الجبهة وباقي الفصائل مطالبون بتحديد موقف عملي وعدم الاكتفاء بالحديث اللفظي عن رفض المفاوضات والتفرد بالبرنامج السياسي، كي يثبت مصداقيتها أمام الجمهور الفلسطيني.
ويشاركهم الرأي المحلل طلال عوكل، الذي أكدّ أن السلطة هي جزء من خطة ومؤامرة تهدف الى ضرب غزة واجبار حماس على تغيير مواقفها السياسية، معتقدًا أن موقف هذه الفصائل هو تأكيد للمؤكد حول حقيقة الواقع المر في غزة والذي تورطت فيه السلطة.