لم يتأخر رد القاهرة على التصريحات الأخيرة لمبعوث سكرتير عام الأمم المتحدة للشرق الأوسط "روبرت سيري"، فقد دعا كلا من مصر و(إسرائيل) إلى تغيير ما أسماه "سياساتهما الفاشلة" إزاء غزة، واعتماد استراتيجية جديدة اتجاه القطاع عنوانها "غزة أولا".
وقد وصفت الخارجية المصرية انتقادات سيري بالمحاولة المكشوفة لتعليق مسؤولية فشله في إنجاز مهمته في القطاع على آخرين، حينما أشار إلى إغلاق معبر رفح.
وكان سيري قال أثناء زيارته لغزة "إن معبر رفح أصبح مغلقا من الناحية العملية، في حين أن الآلية المؤقتة لإعمار غزة هي مجرد تدابير مؤقتة لتخفيف الاحتياجات الحادة".
لغة النقاط على الحروف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي يوسف رزقة أن دعوة سيري الأخيرة لمصر و(إسرائيل) من أجل تغيير "سياساتهما الفاشلة" إزاء غزة، نابع من أن المبعوثين الأوروبيين والدوليين -خاصة ممثل الأونروا في قطاع غزة- قدموا تقارير سلبية جدا عن الأوضاع المعيشية لسكان القطاع، وحمّلوا المسئولية في تردي الأوضاع لعدم دخول مواد البناء والبدء بالإعمار.
وعلى ضوء ذلك حمّل رزقة في حديثه لـ المسئولية للطرفين الإسرائيلي والمصري بالشراكة في حصار قطاع غزة، مبينا أن المبعوثين الأوروبيين والدوليين وضعوا بلغة دبلوماسية النقاط على الحروف في تقارير مقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ولمجلس الأمن حول الأوضاع في غزة.
وتساءل رزقة "لماذا لا تريد مصر من سيري الزج باسمها في قضية تعطيل الإعمار رغم أن هذه حقيقية؟"، معتقدًا أن الحل ليس بمهاجمة الأمم المتحدة وسيري، علما أن الفلسطينيين غير راضين عن أداء سيري وخطة الإعمار التي تبناها بالتعاون مع السلطة.
وقال رزقة "الأولى بمصر بدلًا من انتقاد سيري أن تراجع سياستها اتجاه قطاع غزة وتسمح بدخول مواد الإعمار بالطرق الرسمية أو بالأسعار العالمية، لأن كل المعطيات السياسية الموضوعة تؤكد أن مصر تشارك (إسرائيل) في حصار غزة"، على حد تعبيره.
معبر رفح.. إلى أين؟
أما الكاتب والمحلل السياسي أسعد أبو شرخ، فعقّب على الانتقاد اللاذع الموجه من الخارجية المصرية لتصريحات سيري بالقول "أنه من المفترض أن يُفتح معبر رفح على مدار 24 ساعة حتى لو لم يكن معبرا دوليا لأن دوافع الأخوة والدين والإنسانية تفرض عليهم ذلك".
وأوضح أبو شرخ لـ أنه كان من المفترض على سيري وهو القادم من الأمم المتحدة أن يوجه النداء لها التي اخترعت (إسرائيل) واعترفت بها، ولم تفرض عليها أي عقوبة نتيجة لجرائمها وفرضها الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
وأضاف "الأمم المتحدة يفترض أن تتحمل المسئولية قبل أي طرف آخر وتدرك أنها يجب أن تضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن غزة"، متسائلا "لماذا لم يوجه سيري الكلام إلى الأمم المتحدة مباشرة ويطالبهم بذلك وإذا لم يستجيبوا عليه أن يستقيل نظرا لمظلومية الشعب الفلسطيني".
مجددا.. إحياء للمفاوضات
وأوردت وكاله أنباء "رويترز" الأمريكية، - الثلاثاء الماضي- أن هناك نقاشات تجري حالياً على مستوى عال، لإحياء المفاوضات بين السلطة برام الله و(إسرائيل)، حيث رحّب "سيري" بتوسيع اللجنة الرباعية ولكنه وصف اللجنة بأنها "بلا قيادة"، علما أن الذي يشرف على أعمال هذه اللجنة ويرأسها "توني بلير" منذ عام 2007 .
يذكر أن مفاوضات السلام (الإسرائيلية – الفلسطينية) انهارت في شهر أبريل / نيسان الماضي، بعد تسعة شهور من النقاشات العقيمة برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي السياق، اعتبر رزقة أن الحديث عن محاولات إحياء عملية التسوية بين (إسرائيل) والسلطة هو "تهيئة لبيئة وأجواء يمكن أن تتطور بعد الانتخابات الإسرائيلية لأن الطرف الأخير منشغل حالياً بانتخابات".
وأشار رزقة إلى وجود ضغوط أمريكية وأوروبية والأهم منها عربية على الجانب الفلسطيني وخاصة من دول الجوار تطلب من عباس العودة للمفاوضات ولا تشجعه على الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية.
مصيدة للفلسطينيين
وكسابقه استبعد أبو شرخ العودة للمفاوضات في الوقت الراهن، لكنه افترض إذا ما تم استئناف هذه المفاوضات فإنها ستكون "مصيدة وفخ كبير يُنصب للشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل".
وذكر أبو شرخ أن (إسرائيل) حتى اللحظة لم تقدم أي تنازل وكل المواقف التي تعلنها متطرفة، مشيرا إلى أن كل التصريحات التي صدرت في (إسرائيل) قبيل ثلاثة أسابيع من انتخاباتها "تدخل في إطار المزايدات الإعلامية الداخلية لجلب المزيد من الصهاينة المتطرفين".
وقال "ربما الغرب وأمريكا يدركون مصلحة إسرائيل أكثر منها ولذلك أوحوا إلى بعض الدول العربية للضغط على الجانب الفلسطيني بزعم تقديم بعض التسهيلات كأن يجبروا إسرائيل الإفراج عن العائدات الضريبة من أجل إعادة المفاوضات".