هل يجرؤ عباس على وقف التنسيق الأمني مع "إسرائيل"؟ وهل تتخلي السلطة عن القيام بدور الدرع الذي لطالما منع شن هجمات على الاحتلال؟ بات هذا سؤال "المليون" في الشارع الفلسطيني في أعقاب قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بوقف التنسيق الامني مع الاحتلال بعد عشرين عامًا من مسلسل التنازلات عن الحقوق الفلسطينية.
قرار المجلس الذي جاء متأخرًا وردًا على حجب إيرادات المقاصة عن السلطة أثار العديد من التساؤلات الملحة في الشارع الفلسطيني، ولدى المراقبين عن جدية السلطة في تنفيذ قرارها على الأرض وإمكانية تخليها عن قيام أجهزتها الأمنية بدور الشرطي لحساب " إسرائيل " والذي لطالما منع شن هجمات على الاحتلال.
التنسيق الأمني والجميع يدرك أنه أحد إفرازات اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل في العام 1993، والذي ينص على تبادل المعلومات بين الأمن الفلسطيني وإسرائيل، حيث تطلب الأخيرة من الأمن الفلسطيني اعتقال أي فلسطيني يخطط للقيام بأعمال ضد أهداف إسرائيلية، كما يمنع الأمن الفلسطيني أي شخص من القيام بعمليات ضد إسرائيل، فهل تتخلى السلطة عن وظيفتها حسب الاتفاق.
ليس بعيدًا عن السلطة ورئيسها عباس أن تعيد النظر في القرار، والتهرب من تنفيذه على أرض الواقع وهو ما حذرت منه مختلف القوى الفلسطينية لعدة أسباب، أولها أن القرار يعني "نهاية مرحلة اتفاقيات أوسلو"، التي ثبت أنها صُمِّمت بطريقة لا تخدم إلا العدو الصهيوني وهو قرار سيحمل في طياته حل وتفكيك السلطة وما بُني عليها من اتفاقيات وبروتوكولات ومذكرات تفاهم.
ويعي رئيس السلطة محمود عباس ورجاله أن تطبيق القرار يعني عدم قدرته هو واركان سلطته على الانتقال من أي مدينة إلى أخرى، أو حتى التحرك من المقاطعة أو الخروج بسيارته الى الحواجز دون تنسيق مع " الاسرائيليين " ولربما تكرار سيناريو اغتيال الرئيس ياسر عرفات.
كما أن تنفيذ القرار سيترتب عليه العديد من الاستحقاقات التي يجب أن يضعها عباس في الحسبان ولعل أبرزها إطلاق يد المقاومة لتجول وتصول دون رقيب او حسيب في ارجاء الضفة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحل جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية التابعة لها، تلك الأجهزة المنفذة والحريصة على استمرار التنسيق الأمني وهو ما سيؤدي الى حالة من الفلتان والفوضى في المنطقة وتفاقم العلاقات مع دول الجوار والقوى الدولية.
بعد كل هذه المعطيات والافتراضات المتوقعة حال تنفيذ القرار، هل الرئيس عباس جاهز لكل هذه السيناريوهات وتحمل نتائجها، وهل تجرؤ اللجنة التنفيذية على كسر جرة التنسيق الامني أم ستلجأ للمماطلة والتسويف، وهل يمكن للسلطة الصمود أمام الضغوط المتوقعة من أمريكا وحلفائها بما في ذلك وقف التمويل والمساعدات وحل نفسها فعلياً في ظل وجود الكثير من المستفيدين منها ومن امتيازاتها.
الناظر والمدقق لتاريخ السلطة منذ نشأتها يدرك عدم جديتها وجاهزيتها وقدرتها لمواجهة هذه السيناريوهات بل لن تجرؤ على وقف التنسيق الامني لخشيتها من تزايد قوة حماس في الضفة وبالتالي فإن قرار المجلس المركزي ما هو الا محاولة لكسب الرأي العام الفلسطيني والقوى الوطنية والإسلامية لصالحها في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والمالية وما هو الا تهرباً من القيادة الفلسطينية لاستحقاقاتها تجاه المواطنين الفلسطينيين وبمثابة توصية لا قيمة لها ولا يمكن تطبيقها ميدانياً، في ظل الرفض الدولي له.
وربما تسعى السلطة من وراءه امتصاص حالة الغضب الفلسطينية بعد انسداد آفاق حلول التسوية والشراكة، وما رافقها من إجراءات والتنسيق اﻷمني الذي أصبح جزءًا رئيسًا من منظومة الإدارة اليومية للسلطة الفلسطينية بشخوصها وأدواتها اليوم
علاوة على ذلك فإن القرار يفتقد لعنصر الجدية والرئيس عباس لو كان جادا في تطبيقه وحل السلطة التي اصبحت بلا سلطة لعقد اجتماعا فوريا وطبقه دون أدنى انتظار .والذين بالغوا في أهميته وذهبوا إلى حد القول بأنه يمثل انتهاء مرحلة اوسلو وبدء مرحلة جديدة من المقاومة السلمية انما يغالطون أنفسهم ويخدعون الشعب الفلسطيني الذي وصل الى درجة الملل من مثل هذه الالعاب البهلوانية.
فالشعب الفلسطيني لم يعد لديه ما يخسره، فقد خسرنا القدس وآلاف البيوت هدمت، والأراضي ما زالت تُصادر بالضفة، والمستوطنات تلتهم أراضي المواطنين، لكن السلطة لديها ما تخسره، من التحويلات المالية وبطاقات الـ VIPوالرواتب وجميع مناوراتها وعمليات التخدير التي تمارسها لم تعد تنطلي على أحد، وهذا ما يجعلها تفكر مليًا قبل أن تنفذ قرارًا من هذا النوع".