بعكس كل التوقعات، ورغم تجند النخب العسكرية والأمنية والإعلامية ضده، فقد حقق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو انتصاراً كبيراً على تحالف يسار الوسط بقيادة زعيم حزب العمل إسحاق هيرتزوغ، الذي تجند خلفه معظم الجنرالات المتقاعدين في الجيش والاستخبارات، ناهيك عن استنفار معظم الصحف ووسائل الإعلام وكبار المعلقين لدعمه. فحسب النتائج شبه النهائية فقد حصل حزب الليكود على 29 مقعد، في حين كان عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب اليمينية سواءً العلمانية والدينية، التي تعبر جزءاً طبيعياً من حلف الليكود، على النحو التالي: حزب "كلنا"، بقيادة الليكودي السابق موشيه كحلون 10 مقاعد، حزب "البيت اليهودي" بزعامة وزير الاقتصاد نفتالي بنت 8 مقاعد، حركة "شاس" 7 مقاعد، حركة "يهدوت هتوراة" 7 مقاعد، حزب "يسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان 6 مقاعد، وبذلك يكون مجموع ما حصل عليه اليمين 67 مقعد، مع العلم أن الحكومة ستحظى بشكل أوتوماتيكي بثقة البرلمان في حال حصلت على 61 صوت عند التصويت بالثقة عليها.
وفي المقال حصل التحالف الذي يرأسه إسحاق هيرتزوغ، زعيم حزب العمل، والذي يضم أيضاً حركة "الحركة" التي تقودها تسيفي ليفني على 24 مقاعد، في حين حصل حزب "ييش عتيد" برئاسة وزير المالية السابق يايئر لبيد 11 مقعد، وحركة "ميرتيس" 4 مقاعد؛ مما يعني أن مجموع مع حصلت عليها أحزاب اليسار والوسط على 39 مقعد فقط. وقد حصلت القائمة العربية الموحدة على 14 مقعدا.
ومما لا شك فيه أن هذه النتائج المفاجئة ستمنح نتنياهو هامش مناورة كبير في إجراء الاتصالات لضمان تركيبة الحكومة القادمة.
سيناريوهات تشكيل الحكومة
هناك أربعة سيناريوهات مرشحة لتشكيل الحكومة القادمة:
الأول: حكومة تشارك فيها الأحزاب اليمينية والدينية فقط، وهذه الحكومة ستكون حكومة مستقرة إلى حد ما، إلا أن هناك مشكلتين تواجه هذا السيناريو، وهي رغبة نتنياهو في التخلص من إملاءات بنت وليبرمان حيث أن هذين الشخصين قطعا تعهدات ذات كلفة سياسية عالية تتعلق بجر (إسرائيل) إلى حروب جديدة، ليس على جبهة غزة فقط، بل على جبهتي لبنان وسوريا، ناهيك عن تعمدهما إظهار تعنت شديد في كل ما يتعلق بتواصل الاستيطان والتهويد بشكل يقلص من هامش مناورة حلفاء (إسرائيل) في الغرب من القدرة على مناصرة تل أبيب في المحافل الدولية.
الثاني: حكومة يشارك فيها إلى جانب الليكود، كل من الأحزاب الدينية وحزب "كلنا" ، وحزب حزب "ييش عتيد". فالأخير وعلى الرغم من أنه يتم تصنيفه كحزب "وسط" إلا أنه في الواقع يتبنى من ناحية سياسية نفس مواقف الليكود، ويختلف معه فقط في مقاربة القضايا الاقتصادية والاجتماعية. لكن المشكلة التي تواجه تحقق هذا السيناريو تتمثل في أن الأحزاب الدينية لا يمكنها أن تشارك في حكومة يشارك فيها حزب "ييش عتيد"، لأنه يصر على حرمانها من المزايا الاقتصادية، إلى جانب تعهده بعدم إبداء أية مرونة في مجال تجنيد طلاب المدارس الدينية للجيش.
الثالث: أن يقتصر تشكيل الحكومة على: الليكود و"كلنا" و"ييش عتيد" و"البيت اليهودي" وحزب ليبرمان، لكن المشكلة هنا تكمن في أن هناك اختلاف في أولويات كل من "ييش عتيد" من جهة وكل من "البيت اليهودي" وحزب ليبرمان في كل ما يتعلق بتخصيص الموازنات للمستوطنات.
الرابع: تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تضم الليكود والعمل و"كلنا" و"ييش عتيد"، هذه الحكومة تعتبر مثالية بالنسبة لنتنياهو، حيث ستمنح حكومته شرعية دولية، لكن زعماء حزب العمل أوضحوا بشكل لا يقبل التأويل رفضهم المشاركة في حكومة يرأسها نتنياهو.
ويمكن القول إن أكثر السيناريوهات المرشحة للتحقق هو السيناريو الأول؛ لأن درجة التناقضات الداخلية بين مركبات الحكومة اليمينية الخالصة أقل صخباً ويمكن تجاوزها.
التداعيات على التعاطي مع المقاومة والسلطة
ومن الواضح أن تشكيل حكومة يمينية صرفة برئاسة نتنياهو يعني للوهلة الأولى بدء العد التنازلي لمواجهة جديدة مع حماس في غزة، وسيفضي إلى تقليص هامش المناورة أمام قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، وقد يجبرها على اتخاذ خطوات أكثر جدية في المحافل الدولية ضد (إسرائيل)، وما قد يترتب عليه من قيام تل أبيب بفرض بمزيد من العقوبات على السلطة قد تفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.
فهذه الحكومة ستدين بالفضل في بقائها إلى الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفاً، مثل: "البيت اليهودي"، الذي يقوده وزير الاقتصاد نفتالي بنات، و"يسرائيل بيتنا"، برئاسة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان. فكل من بنات ليبرمان يتنافسان فيما بينهما في تقديم التعهدات للجمهور الإسرائيلي بالاندفاع إلى جولة قتال "حاسمة" ضد حماس.
لكن التصعيد ضد غزة ليس خياراً يمكن الإقدام عليه لمجرد رغبة هذا الحزب أو ذاك، فهناك تحديات أخرى تواجه الكيان الصهيوني، وهناك موقف المؤسسة الأمنية التي تجاهر بمطالبتها بإدخال تغيير في نمط التعامل مع قطاع غزة، ولكن من الواضح أن اختيار المقاومة للتصعيد كرد على الحصار مثلاً سيعزز من قدرة بنات وليبرمان على دفع الحكومة لحرب أخرى.
لكن فيما يتعلق بالاستيطان والتهويد، فان التصعيد سيكون عنوان المرحلة القادمة، وهو ما سيقلص من هامش المناورة أمام قيادة السلطة بشكل غير مسبوق.
العلاقة مع العالم العربي
في الوقت ذاته، فإن السياسات التي ستتخذها هذه الحكومة ستقلص من هامش المناورة أمام نظم الحكم العربية، سواء التي تقيم علاقات رسمية معها أو تلك التي يجمعها بتل أبيب مصالح مشتركة وستحرج أية حكومة لليمين نظم الحكم في العالم العربي لأن الأحزاب المرشحة للمشاركة فيها تجاهر بنيتها الإقدام على خطوات تثير استفزاز الرأي العام العربي والإسلامي.
فعلى سبيل المثال، تعهدت قيادات من جميع الأحزاب اليمينية، وضمنها الليكود، بتمرير مشاريع قوانين في الكنيست القادم تشرع تهويد المسجد الأقصى من خلال فرض التقاسم الزماني داخل الحرم القدسي بين اليهود والفلسطينيين، في حين أن البعض يطالب بالتقاسم المكاني، بحيث يتم اقتطاع مساحة من الحرم لصالح اليهود.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تعهد قادة اليمين على تشريع عمليات الاقتحام للحرم، فإن هذا سيقلص من قدرة الأردن على وجه الخصوص على المناورة في كل ما يتعلق بالعلاقة مع (إسرائيل). مع العلم أن الأردن اضطر لسحب سفيره في تل أبيب بسبب اقتحامات قادة اليمين للحرم تحت ضغط الرأي العام الأردني.
وإن كان هناك اجماع في (إسرائيل) على انجاز نتنياهو الكبير والوحيد خلال فترة حكمه الحالية هو تطوير علاقات تحالف إستراتيجي مع مصر تحت حكم المشير عبد الفتاح السيسي، كما ذكر الصحافي أمير تيفون في موقع "وللا" بتاريخ 9-3، فإن تسليط الأضواء على هذا التحالف في ظل حكومة يمينية بالغة التطرف سيزيد من المشكلات التي ستحرج السيسي وتقلص من قدرته على المناورة.