غزة-عبد الحميد حمدونة
أيام كئيبة حلّتَ على عائلة السموني، بعد دخول رمضان على العائلة التي استشهد 29 شخصا من أفرادها دفعة واحدة، في مجزرة هي الأبشع من نوعها خلال الحرب الهمجية الأخيرة، في منطقة الزيتون شرق مدينة غزة.
يتوسط منزل أقارب العائلة لوحة كبيرة ضمت صور الشهداء كتب عليها" إن عز في الدنيا اجتماع أحبتي.. يا رب فاجمع شملنا يوم المعاد"..
حلمي السموني"27عاما" الذي فقد والديه وزوجته وابنه الوحيد، لم يتردد في الحديث عن رمضان والعيد القادم بأنهما الأسوأ طيلة عمره.
وقال حلمي :"اللي بدو يعيد راح يعيد عند أهله"، وعائلته قضت نحبها، وقرر أن يكون عيده بجانب أهله في المقبرة، ولن يشعر بشيء من البهجة".
وتفيض من عينيه الدموع على فراقهم، ويصمت للحظات ثم يمسح دموعه كي لا يطغى على كلامه البكاء، وقال بكلماته التي عجز القلم عن كتابتها: فقدت أعز ما أملك، شقتي حرقت بالكامل حتى صور الذكريات لزوجتي وابني أكلتها نيران الفسفور الحاقدة.
سكت حلمي فجأة يستذكر الخامس من يناير الأسود الذي لن ينساه أبدا، فقد رأى بأم عينيه موت عائلته، ولم يستطع فعل أي شيء لطفله الذي بقي يومين كاملين ينزف بين يديه، أمام مرأى ومسمع من العالم دون أن يحرك أحد ساكنا.
ويضيف حلمي ناشدنا يومها الهلال الأحمر وكل المؤسسات الدولية، لكي نخرج شهدائنا وجرحانا من بين الأنقاض فلم يتمكن أحد من مساعدتنا بسبب إعلان العدو المكان منطقة عسكرية مغلقة، وتمكنا من انتشالهم وهم متحللون بعد أيام من استشهادهم.
يستذكر حلمي الذكريات الجميلة التي قضاها مع عائلته في رمضان، فتارة كانت العائلة تتسامر مع الوالد بعد التراويح، ويداعب طفله الوحيد، أما اليوم فحلمي يفتقد أبويه وزوجته وابنه.
ولا يفكر حلمي في الزواج من جديد، وبناء حياته الزوجية مرة أخرى، عازيا ذلك إلى أن الوضع في تدهور ولا يوجد استقرار مقبل على المنطقة، وإن تكررت الحرب-لا سمح الله، سيفعل اليهود ما فعلوه في العائلة مرة أخرى-حسب قوله.
الطفل عرفة السموني"13عاما" لم يكن بأحسن حال من حلمي، فقد استشهدت أمه الحنون أمام عينيه، وما فتئ يترحم عليها بحسرة بعد ثمانية شهور على رحيلها.
أجواء رمضان الحزينة التي يقضيها أفراد العائلة لا توصف، فبعد فقدان جميع الأهل لا طعم للسحور ولا للفطور، ومائدة الإفطار التي كان يجتمع حولها الأطفال، وتتداخل معها ضحكات الأب والأم لا تسمع أو ترى اليوم.
وكانت أول قذيفة سقطت على منزل عائلة السموني الساعة السابعة صباحا من يوم الاثنين 5/يناير/2009، واستشهد على إثرها اثنين من شهداء العائلة، ومن ثم قصفت طائرات الأباتشي صاروخين، وقذيفتي دبابة على الحواصل اللاتي احتمت بها العائلة، في مساحة لا تتعدى 50م مربعا، فارتقى 20 شهيدا على الفور وبقي الآخرون ينزفون حتى صعدت أرواحهم إلى بارئها.
الأدهى أن الاحتلال الصهيوني في تلك المنطقة كان يتخفى بزي المقاومة، وكان يظهر أمام المواطنين بشعارات كتائب القسام، بعد تمركزه على منازل عائلة السموني والإنزال من الطائرات العمودية وبالمظلات.
يقول الشبل عيسى السموني "14عاما" الذي شهد فقدان والديه وأخويه أمام عينيه: "الواحد ولا عمرو بيفرح"، فوالديه ذهبا وذهب معهم الحنان، وشقيقاه ذهبا وذهبت معهم تلك الأيام الجميلة التي قضوها معا، ويضيف كيف سيفرح برمضان والعيد؟؟
جدير ذكره أن 29 فردا من العائلة قضوا خلال الحرب وهم الشهداء: حمدي السموني جد العائلة(79عاما)، ونضال (30عاما)، وإياد(33عاما)، وطلال (40عاما)، وحمدي(23عاما)، ورشاد (55عاما)، وعطية(47عاما) وابنه أحمد(13عاما)، ووليد (18عاما)، وتوفيق(23عاما)، ومحمد (25عاما)، وابنه المعتصم بالله (ثلاثة أعوام)، وإخوته إسماعيل(17عاما) ونصار(عامان)، وإسحاق (15عاما)، وفارس(13عاما)، وزكريا(أربعة أعوام)، ومطيعة(4أعوام)، وعزة(عامين ونصف)، ورحمة(ستة أعوام) وليلى(45عاما)، ومها(21عاما) وابنها محمد(عامان)، ورباب(26عاما)، وهدى(29عاما)، وصفاء(18عاما)، وحنان(25عاما)، ورزقة(55عاما) ورزقة(ثلاثة أعوام).
يمضي رمضان الأول على استشهاد الأحباب بطعم المرارة، وأطفال وشباب العائلة كلهم عزيمة لا تلين، فهم محتسبون أن اهلهم الذين استشهدوا هم في الجنان، ليكونوا مثالا لكل العائلات التي راح أفرادها ضحايا بالجملة.