مصطفى الصواف
أحد عشر عاما مرت كلمح البصر وكأنها لحظات، صوت القصف في الآذن وصوت سيارات الإسعاف يدور معه الواحد منا وهو يلاحقها وهي تنقل الشهداء والجرحى وصراخ المحبين والمريدين في كل جنب من جنبات المكان، وفي الشفاء كان الضجيج أكبر لكثرة من زحف إليها لعل الخبر فيه ما يبعث على الأمل أو يكون حيا وهي فرضية يعلم مفترضها أنها لن تكون ورغم ذلك كان يؤمل نفسه ويكذب حقيقة باتت ملء سمع الدنيا وبصرها لم تكن غزة وحدها من وقفت على قدم واحد بل الإقليم والعالم تحرك في اتجاهات مختلفة كل حسب هواه وسياسته.
كانت لحظات عصيبة وصعبة ولم تكن لها مقاييس، وهي لحظات تختلف عن الناس انه الشيخ أحمد ياسين أنه الأب الروحي والمؤسس الحقيقي لنهج المقاومة والدعوة والحركة والحياة الملتزمة بقواعد الإيمان، أنه الرجل المعجزة والمُعجز والقدوة والمثال والمثل أنه رجل الهمة والقوة والتحدي المنتصر لفكرته والمقاتل كي تبقى على الدوام صادحة مرفوعة.
يومها صليت الفجر في مسجد السدرة حيث كنت اقطن في تلك الفترة وانتهت الصلاة وصوت طائرات الهيلوكبتر تحوم في سماء غزة عندها حدثت نفسي (ربنا يستر) لأنها كانت علامات شؤم تصحب معها الموت وما أن وصلت لشقتي وإذا بأصوات صواريخ تنطلق عندها قلت الشيخ احمد ياسين لأن صوت الانفجار كان واضح الاتجاه، والشيخ كان هدفا للاغتيال، عندها انطلقت مسرعا تلاحق خطواتي نفسها وانطلقت صوب منزل الشيخ ياسين، وفي طريقي وإنا استمع إلى صوت الأقصى تأكد خبر الاغتيال أسرعت وعند مفترق دولة ارتطمت السيارة بحجر الجبهة للطريق وتعطلت لا يوجد سيارات وقتها فورا اتصلت بالصحفي معتصم الميناوي فجاء على عجل وصحبني على الفور إلى مستشفى الشفاء، وفي طريقنا شاهدت وكأن يوم القيامة في مكان بعيد والناس زاحفون صوب الشوارع المتجهة إلى مستشفى الشفاء إما سيرا على الأقدام أو ركوبا لكافة أنواع السيارات، إنه يوم لا يمكن أن ينسى بشكله ونتيجته وفاجعته وألمه وفرحه، قد يستغرب البعض أن في الموت فرح ، أقولها ورغم الألم كم فرحت بموت الشيخ أحمد ياسين اقصد استشهاده كونه قضى شهيدا، لم يحيد وربى جيلا لازال على العهد، بل أصبح متمسكا أكثر مقسما على المسير نحو ما رسم الشيخ المؤسس وخط من طريق.
نعم نؤمن بالموت نهاية لكل حي وكل مخلوق من خلق الله؛ ولكن نفرح لمن يختار لنفسه ميتة يتمنها كل حر كريم إنها الشهادة التي نرجو الله أن يرزقنا بها وهي التي تمنيناها للشيخ فهل يعقل أن يتمنى المحب للحبيب الموت، إنها مفارقة عجيبة ولكني كنت أتمنى ألا يموت الشيخ أحمد ياسين كما يموت الناس في غالبيتهم بل كنت أدعو الله أن يرزقه الشهادة.
وهل هناك أعظم من الشهادة، اللهم تقبل شيخنا وحبيبنا وقائدنا الشيخ أحمد ياسين في الشهداء مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وان يلحقنا الله به شهداء، لقد صدق الله فصدقه الله، وكم تمنى الشهادة فكانت خاتمة لحياة حافلة ومليئة يصعب تعدادها أو الوقوف أمامها، لقد كان الشيخ امة.