يبدوا أن هؤلاء القوم قد أخذ الغباء منهم مأخذه فباتوا لا يتعلمون من أخطائهم التي جلبت عليهم مزيدا من الويلات ويبدوا أنهم كذلك لايدركون حقيقة المتغيرات المتسارعة التي تدور من حولهم وباتوا يظنون ويوهمون أنفسهم أن القوي سيبقى قويا إلى الأبد وأن الضعيف سيبقى على ضعفه إلى الأبد وقد حملهم هذا الغباء وهذا الغرور إلى الاعتداء على جنوب لبنان في حربهم الأخيرة في تموز 2006 فكانت النتيجة أن عادوا أدراجهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة ولم يحققوا شيئا من أهدافهم بل على العكس من ذلك فقد تآكلت قوتهم وتراجعت معنويات جنودهم وتوضحت صورة جيشهم الذي ظنوا طويلا أنه أنه لا يقهر فإذا به اليوم يقهر ويذل ويمرغ أنفه في التراب من قبل عصبة قليلة من المقاتلين لايملكون من العتاد العسكري ربع أو أقل مما يملكه جيش الدفاع الإسرائيلي كما يحلوا لهم أن يسمونه ولقد سمعنا ورأينا بالصوت والصورة في تلك الحرب كيف دمرت دباباتهم العتيدة وحرقت آلياتهم المصفحة واخترقت وبوارجهم الراسية في عرض البحر حتى كادت صواريخ حزب الله أن تضرب تل أبيب لولا التدخل المباشر من قبل الحليف الدائم لإسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية لوقف مجريات الحرب بعد أن تعرض هذا الجيش لهزيمة قاسية أطاحت فيما بعد برؤوس عدد من قادته العسكريين .
وكعادتهم في ارتكاب الأخطاء والحماقات من جديد وعدم أخذ العبر من الماضي عاودت إسرائيل الكرة من جديد وأراد أن يعيد لشعبه الثقة في جيشه الذي هزم في جنوب لبنان شر هزيمة وكان الهدف هذه المرة قطاع غزة 360 كيلو متر مربع مساحة قد لا تساوي شيئا في ميزان الحروب العسكرية فأرادت إسرائيل أن تظهر رجولتها المخدوشة أمام شعبها وأمام العالم من خلال شن العدوان الأوسع والأقوى على القطاع ووضعت أمامها عددا من الأهداف قالت أنها لن توقف الحرب على غزة حتى تحقيقها وكان من أهم تلك الأهداف إسقاط حكومة حماس في غزة ووقف إطلاق الصواريخ على سديروت وضواحيها وبدأت الحرب وصبت إسرائيل جام غضبها على غزة من خلال طائراتها ودباباتها وبوارجها التي أسقطت آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ فحرقت الأخضر واليابس وبعد 28 يوما من مواصلة الحرب المسعورة لم تحقق إسرائيل أيا من أهدافها وبقيت حكومة حماس على رأس عملها وكانت آخر رشقه من الصواريخ قد أصابت سديروت بينما كان يهود أولمرت يلقي خطاب النصر المزعوم زاعما بأن حربه قد حققت أهدافها في حين أكد معظم المحللين العسكريين منهم والسياسيين أن غزة هي من انتصرت وأن إسرائيل وجيشها أصيبوا مجددا بخسارة وهزيمة مدوية زادت من تراجع صورتها في المنطقة كقوة يجب أن يحسب لها ألف حساب , واليوم يبدوا أن إسرائيل ماضية في غيها فهي لا تستطيع الجلوس دون إشعار حرب هنا وحرب هناك ويبدوا أن أهداف الحرب متعددة هذه المرة فهي تارة تهدد حزب الله وجنوب لبنان وتارة تشير باتجاه حماس وقطاع غزة وأخرى تشير باتجاه سوريا وإيران وما قد ينتج عن ذلك من اندلاع حرب شاملة في المنطقة ولكن الغباء العسكري الإسرائيلي كما هو بل زادت وتيرته لأنهم ما زالوا يكابرون ولا يريدون أن يدركوا حقيقة المتغيرات التي طرأت على أرض الواقع فإذا كان حزب الله يمتلك عشرة آلاف صاروخ في الحرب الماضية فإنه بلا شك قد ضاعف من ترسانته العسكرية بأضعاف الأضعاف من الصواريخ التي ستطال كل شبر في دولة الكيان بل والأدهى من ذلك أن زعيم الحزب السيد نصر الله قد هدد بكلام لا يقبل التأويل إذا ضربتم هنا سنضرب هناك وقد نفاجئكم بما هو أنكى وأمر وأعتقد أنه كان يقصد بان الحرب القادمة لن تكون حرب دفاع من جانب الحزب وربما تتعدى ذلك إلى حرب هجوم واحتلال قرى أو مدن وعندها سيكون هذا الجيش الذي لا يقهر في وضع يحسد عليه وأما عن غزة وباعتراف الصهاينة أنفسهم أن حماس قد ضاعفت من قوتها وأنها أصبحت تمتلك ترسانة من الصواريخ والمعدات العسكرية المتطورة إلى حد ما وأنها تسابق الزمن في التدريب والتطوير وغير ذلك استعدادا للجولة القادمة .
ومع كل ذلك لن يجد الصهاينة أمامهم إلا الوقوع في شر أعمالهم وسيشعلون الحرب من جديد ولكنهم في هذه الجولة ربما لن يكون بإمكانهم تحديد وقت انتهاء المعركة لأن اللاعبين في المقابل هذه المرة ربما يكون لديهم تكتيكات جديدة وأهداف بعيدة المدى تتناسب وحجم قوتهم التي ضاعفوها وأعدوها لمثل هذا اليوم وسننتظر ونراقب .