جاء خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في القمة العربية في شرم الشيخ، بعد أربع سنوات من أزمة فلسطينيي سورية التي حصدت أرواح قرابة ثلاثة آلاف منهم، وهجّرت نصفهم داخل سورية وخارجها، وفي ظل حصار خانق لمخيم اليرموك تجاوز 600 يوم، وانقطاع للمياه فيه مدة تعدّت 200 يوم، ضمن مشهد مأساوي ومعاناة غير مسبوقة طغت على حياة أكثر من 625 ألف لاجئ فلسطيني سوري، ذاقوا فيها كل أنواع العذاب، وتجرعوا أصناف الموت، قصفاً وقنصاً وجوعاً وعطشاً. تحت وطأة هذه التفاصيل الصعبة والقاسية، تابع فلسطينيو سورية خطاب الرئيس عباس الذي خلا من أبسط عبارات التضامن والتعاطف معهم، وانتفت فيه مضامين الدفاع عنهم، أو تبنّي قضيتهم أمام هذا المحفل العربي. فقد مرّ الخطاب على مأساتهم مرور الكرام، فكانت الجمل قصيرة والمصطلحات مكررة وممجوجة سئمها شعبنا، فهي لا تسمن ولا تُغني من جوع يقبع تحت وطأته أكثر من 20 ألف محاصر في مخيم اليرموك.
عبارات خطابك بخصوصهم سيادة الرئيس، لا ترتقي إلى مستوى الحدّ الأدنى من أزمتهم، ولا تحاكي تفاصيل معاناتهم التي تجاوزت الحدود، وعبرت القارات، فخاض فلسطينيو سورية البحار، وركبوا قوارب الموت، وقدّمتهم حماقة القيادة صيداً سهلاً لمافيات التهريب وتجار البشر! ألم تصل أخبارهم إلى سيادتك، وقد وصلوا إلى الصين وتايلاند واليونان؟ ألا تعلم أن ثلة من أبناء شعبك محتجزون في صربيا؟ وإذا كانت هذه جغرافيات حجبها البعد وأضنى سفراءَ السلطة فيها طول المسافة، وهم الذي يمتلكون جوازات السفر الدبلوماسية وبطاقات vip التي تمكنهم من الوصول إلى أقاصي الأرض من دون مشقة أو عناء، فماذا عن 74 لاجئاً تستمر السلطات المصرية في اعتقالهم على مقربة من مكان انعقاد مؤتمر القمة، من دون أي مساعدة تذكر من المؤسسات الإنسانية والجمعيات الأهلية؟ على الرغم من كل النداءات والصرخات التي وجهها المعتقلون إلى السلطة الفلسطينية وسفارتها التي لم تستجب لهم، ولم تحرك ساكناً تجاه معاناتهم، على الرغم من إعلان المعتقلين تعبهم وإرهاقهم الجسدي والضغط النفسي الذي يعانونه ليل نهار، علماً أنّ من بين المعتقلين 15 طفلاً، منهم اثنان لا يتجاوز عمرهما سنة واحدة، إضافة إلى ثماني نساء. ونظراً إلى الظروف السيئة التي يعانونها، قرر 50 شاباً الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، حتى تتحقق مطالبهم، بالإفراج عنهم وترحيلهم إلى إحدى الدول الأوروبية، أو منحهم حق الإقامة في مصر، إلا أن السلطات المصرية رفضت ذلك، ولم تضع أمامهم سوى حل الإعادة إلى سورية، حيث الخطر الأمني لا يزال موجوداً بسبب الحرب الدائرة هناك.
لماذا لا تستخدم، يا سيادة الرئيس، علاقاتك الوطيدة وروح الأخوّة التي تربطك بمصر السيسي كما تزعم وتدّعي، لإنهاء معاناتهم؟ تُرى، ألم يخبرك سفيرك في دمشق باستشهاد أربعة لاجئين فلسطينيين، جرّاء التعذيب في سجون نظام بشار الأسد، حليفك، في اليوم الذي ألقيت فيه خطابك، وبأنّ حصيلة ضحايا التعذيب في السجون السورية ارتفعت، منذ بدء اندلاع الأزمة السورية إلى 358، بحسب أحدث إحصائية، فيما لا يزال أكثر من ألف معتقل في السجون السورية، منهم 819 لا يعرف مصيرهم حتى الآن؟
بقي القول إنه جاء في خطابك وبالنصّ العبارة الآتية: "بخصوص المشاريع التي تمّ الاتفاق عليها، في ما يتعلق بإعادة الإعمار في غزة، ندعو أشقاءنا إلى التعامل مع الوضع الفلسطيني من خلال بوابة الشرعية الفلسطينية، حفاظاً على وحدة الموقف والتمثيل". ادعاء وحدانية التمثيل، يا سيادة الرئيس، يعني، في ما يعنيه، تحمّل المسؤولية في كل الأوقات، بغضّ النظر عن اختلاف الظروف، سواء في المغنم أو المغرم، في الكسب والخسارة، من دون انتقائية أو كيل بمكيالين، ومؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ليست للاستدعاء حين الحاجة والمناكفة! لأن الشعوب، باختصار، لا تمنح الشرعية والثقة لمن لا يهتم بشؤونها، وشعبنا الفلسطيني يملك من الوعي ما يمكّنه التمييز جيداً بين الغثّ والسمين.