العقود طويلة كانت معرفة كيفية تشكل النجوم لغزا يشغل العلماء، لكن هذا اللغز في طريقه للانجلاء بعدما توصل علماء في دراسة أخيرة إلى أن النجوم تتكون بفضل ثقوب سوداء عملاقة في مركز المجرات.
فوفقا لدراسة أجراها علماء الفلك في جامعة ميريلاند، فإن الثقوب السوداء العملاقة في وسط المجرات تجمع المواد المحيطة بها في عمق المجرة وتدفعها بعيدا على شكل رياح قوية تؤدي إلى تدفق واسع النطاق للغاز الجزيئي المشكل للنجوم، وبالتالي تؤثر على شكل ومصير المجرة الحاضنة.
ولاحظ الباحثون أن الثقب الأسود الهائل في مركز المجرة المعروفة باسم "إيراس إف91111+3257" التي تشكلت نتيجة تصادم مجرتين، كان السبب في تشتت كميات هائلة من الجزيئات المكونة للنجوم على حواف أبعد من المجرة وربما أبعد من ذلك.
ويطلق الثقب الأسود لتلك المجرة إشعاعات بأقصى مستوى ممكن في صورة أشعة إكس والأشعة تحت الحمراء، وفقا للباحث فرانشيسكو تومبيسي، ولعل هذا هو السبب وراء اختيار هذه المجرة من بين ثلاثين مجرة أخرى محتملة للدراسة.
واعتمدت الدراسة على النتائج التي حصلوا عليها من مرصد هيرتشل سبيس أوبزرفاتوري، والقمر الاصطناعي "سوزاكو إكس راي" لرصد سلوك الثقب الأسود في المجرة المذكورة التي تبعد عن كوكبنا نحو 2.6 مليار سنة ضوئية.
ودرس العلماء مدى القوة التي تؤثر بها الرياح التي يولدها الثقب الأسود في تغيير تركيب المجرة من خلال دفع مقدار هائل من الغاز المتسبب بتشكل النجوم خارج مركزها بوتيرة متسارعة. وتقول الدراسة إنها حصلت على أكثر قدر من التفاصيل عن هذه العملية أمكن الحصول عليه حتى الآن.
وعلى غرار العديد من الثقوب السوداء الأخرى التي تنتشر في الكون، فإن هذا الثقب الأسود في مركز المجرة يغذي محيطه بإطلاق رياح فائقة القوة، حيث أظهرت البيانات التي وفرها المرصد والقمر الاصطناعي أنه بالقرب من الثقب الأسود تنطلق الرياح بسرعة تبلغ تقريبا 25% من سرعة الضوء، وهي تجمع الغاز بما يعادل كتلة نجم واحد سنويا.
وعند ابتعادها عن الثقب الأسود الذي ولَّدها، فإن الرياح تتباطأ لكنها تبتلع في طريقها الكم المتزايد من الغاز، والنتيجة أنه في كل عام يندفع خارج المجرة الغاز الذي يعادل كتلة مئات النجوم.
ويوضح العلماء في الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر العلمية، أنه بطرد الغاز خارج المجرة، فإن الثقب الأسود قيد الدراسة يفسح المجال أمام قدرة المجرة لصنع نجوم جديدة.
ورغم أن الجدل كان مستمرا منذ مدة طويلة بأن بعض الثقوب السوداء تمتلك مثل ذلك التأثير على مجراتها، إلا أن الجديد في هذه الدراسة هو أن هذه العملية لم توثَّق مطلقا في السابق من بدايتها حتى نهايتها بمثل هذه التفاصيل.
ولذلك فإن عمليات الرصد السابقة إما أنها اكتشفت وجود رياح قوية على مقربة من الثقوب السوداء أو سجلت جريانا هائلا من الغاز المشكل للنجوم من المجرات، لكن لم تتوفر رؤية كاملة للرياح التي تتسبب بجريان الغاز.
دويتشه فيلله