طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

ذائع الصيت بين الناس

هل يداوي معالجو الجن مرضى الإنس؟

معالج بالقرآن: لا يجوز اللجوء للجن في العلاج لأنه عالم غيبي

شرعي: لا يقبل التعامل مع الإنسان إلا إذا كفر بالله

أخصائي نفسي: الشفاء من الله والتصديق "بالعرافين" جهل بالدين

 

غزة- الرسالة نت  " خاص "   

باتت تحظى فكرة طرق أبواب المعالجين "بالجن" للتداوي على أيديهم استحسان الكثير من مرضى قطاع غزة، لاسيما الذين يعانون صنوف الآلام، رغم أن معظمهم في حاجة للطب البشري أكثر منه علاجاً روحانياً. 

ولم يعد صيت هؤلاء المعالجين يقتصر على حدود اخراج "الجن" من الإنس، بل وصل الأمر إلى حد الاشاعة بأن الجن بات يعالج الإنس من أمراضه حتى أجرى عمليات جراحية واستأصل غددا سرطانية.

"الرسالة.نت" بحثت وتقصت عن حقيقية هذه المزاعم، وحاولت معرفة الحكم الشرعي في لجوء الناس "للمعالجين بالجن"، ومدى التأثير النفسي العائد على الفرد المتردد عليهم والوسط المحيط به.

*خارق للعادة

طرقت أم محمد في الثلاثين من عمرها باب "المعالج" "أ " الذي ذاع صيته وكثر اللغط عن أمره الخارق للعادة، لمعالجة طفلتها التي تعاني من التصاق أصابع يديها، مع يقينها بان طفلتها في حاجة لطبيب جراحة للتعامل مع حالتها.

تبدو أم محمد وهي حاصلة على ماجستير في علم التمريض، غير مقتنعة بالخطوات التي يتبعها ما أسمته بـ"الشيخ" في معالجة طفلتها، التي لم تتعد حدود اللقاءات المتباعدة، دون حصول أي تحسن فعلي يمكنها من التسليم بقدرته على معالجة المرضى.

تختلط كلمات الأم الثلاثينية بالجد والهزل وهي تقول: "لست مصدقة لما يدعيه الناس عن هذا "الشيخ" بأن الجن الذي يتعامل معه؛ يعالج الناس، لكني ذهبت بطفلتي إليه إرضاء لفضولي المتزايد، ولم ألمس أي نتيجة فعلية".

ونفت الأم أن تكون قد وضعت طفلتها حقلا للتجارب، قائلة :"أنا متابعة لحالتها الصحية بحكم تخصصي، لكن أود معرفة ما ستؤول إليه الأمور".

وبعد أن سلم الشاب (أ.غ) الذي يعاني من العقم، بشفاء ابنة عمته "ملك" في العاشرة ربيعاً، من مرضى القلب الذي أرقها وعائلتها لسنوات، آثر الذهاب "للشيخ" المعالج، حتى يعرض عليه حالته وزوجه.

وتردد الشاب (أ.غ) وهو في بداية عقده الثالث، على "الشيخ"، ويؤكد أنه استمع له ولزوجه ودون تفاصيل حالتهما عبر أجندته، ثم أمرهما بالمغادرة والعودة في موعد لاحق.

يقول الشاب :"لم يطلب منا شيئا,فقط اكتفى بتحديد موعد جديد، وعندما عندنا في المرة الثانية، قال إننا بحاجة إلى مزيد من الوقت، وأنه تقرر عقب المراجعة الثالثة إجراء فحص طبي للحمل، لكن لم يحصل حمل إلى الآن".

هذه الحالات وغيرها، استدعت من "الرسالة نت " الالتقاء بـ"الشيخ أ"، للإطلاع على السر الخفي وراء معالجته للمرضى من خلال (العالم الآخر) والذي أبهر به مئات المواطنين الذين توافدوا اليه من جنوب القطاع حتى شماله.

يجلس "الشيخ أ" في حجرة  يزدحم على بابها نساء جئن يطلبن مساعدته في معالجتهن، ويقف ببابه رجل أربعيني يدخل الزوار واحدا تلو الآخر.

مع دخول "الرسالة نت " الحجرة ابتسم "أ" لكنه عبر عن امتعاضه من تطرق وسائل الإعلام لقضيته، ولكن نزولا عند الإلحاح قرر إعطاء موعد لاحق يتسع للكثير من الحديث.

أطباء العالم الآخر

الدكتور "أ" كما يحلو لبعض رواده تسميته، قمحي البشرة صاحب لحية خفيفة، جلس على مقعد خشبي كاشفا عن تعامله مع ستة من الجان (العالم الأخر) ، خمسة منهم ذكور وأنثى واحدة، "يصنفون أنفسهم أطباء، ويعملون على معالجة الإنس".

مراحل العلاج في حجرة "أ" تبدأ مع جلوس المريض على كرسي بلاستيك أمامه راويا مشكلته الصحية، ثم يعمد هو تدوينها على أجندته، ويأمر المريض بالمغادرة، بعد منحه موعد لاحق.

ويعلل ذلك بأن :"الجن يحتاج وقتا لتشخيص الحالة والإطلاع عليها، ومن ثم تحديد ما يجب إتباعه لاحقا مع المريض".

ويتجنب "أ" ذكر اسم "والدة" المريض أثناء التعرف عليه، "على اعتبار أن اسم الأم يدخل في نطاق السحر، وهو أمر لا يتعامل به"، كما قال.

كما أنه "يرفض قبول المال من المرضى مكافأة على مجهوده"، إضافة إلى عدم لمس المريض تجنبا للفتن"، ويقول: "هذه الأمور أوصاني بها الجن، كشرط لمعالجة الناس".

ويضيف "أ" : "العالم الآخر يكون حاضرا أثناء مقابلتي للمرضى، وعلى قدر حديث المرء يجري معالجته، لا أتدخل في الخصوصيات، لأن هناك قضايا تتعلق بالأخلاق يرفض "الجن" معالجتها".

ويثير تعامل "أ" مع الحالات الصحية المتدهورة، كمرضى القلب والكلى والسرطان وغيرها، إضافة إلى من هم في حاجة لعمليات جراحية، لغط كبير، الأمر الذي دفعنا لسؤاله: "كيف يجري معالجة ذوي الحالات الحرجة ممن شاهدتهم "الرسالة" ينتظرون على بابه؟".

ويرد "أ" قائلا: "الجماعة أطباء ولديهم إمكانيات في التعامل مع المرضى بمختلف حالاتهم وأوجاعهم (..) لو وجدوا أن الحالة في حاجة لعملية جراحية يجرونها".

وحسب "المعالج"  فإن الحالة التي يتقرر إجراء عملية جراحية لها، يطلب منها النوم في غرفة خالية، ويأتي (أطباء الجن)، لإجراء العملية وتنعكس النتائج صباحاً بعد الفحص الطبي البشري".

ويزعم "أ" أن (العالم الآخر) نحج في استئصال غدد سرطانية من الأدمغة، وكذلك "نجحوا في تركيب لوحات الكترونية لعدد من المرضى المصابين بالشلل وقد تعافوا" حسب قوله.

أما عن التعامل مع حالات العقم، فقال: "صحيح يجري التعامل مع تلك الحالات ، و"الجماعة" أجروا قبل نحو شهر عمليتين جراحيتين لخصيتين، والطب البشري أثبت صحة ما جرى".

ولم ينكر أن هناك بعض الحالات يستعصى على (العالم الآخر) التعامل معها، ويقول:"هناك أشياء تعصى عليهم وحالات من أبسط الحالات لم يوفقوا فيها، وأخرى حرجة نجحوا فيها، هم يدركون أن هناك قضاء وقدر".

وتحفظت "الرسالة" على الكثير من الأمور المتعلقة بكيفية تحضير "أ" لـ(العالم الآخر)، وكيف بدأ التعاطي معهم، إضافة إلى قضايا أخرى رفض (أ) نشرها عبر وسائل الإعلام.

دجل

هذه القضية نقلناها لأستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية د.ماهر السوسي، للتباحث حولها، والذي بدوه أكد بطلان التعامل مع مثل هذه الأمور، واصفا القيام بها بالـ"الدجل".

وقال السوسي لـ"الرسالة نت " :"الجن لا يتعامل مع الإنس إلا إذا كفر بالله تعالي"، مستشهدا بقول الله تعالي (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ).

وشدد على أنه "لا يجوز التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص الذين يدعون معالجة الناس بالجن"، مستندا إلى الحديث النبوي: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

وقال السوسي وهو داعية : "لا يجوز التعامل مع هؤلاء حتى وإن كان من اجل الشفاء فهو أمر غير جائز شرعاً"، مبينا أن الشفاء الذي يتحدث عنه الناس أمر غير محقق.

وعن تأثر الناس بمثل هذه الوقائع، قال:"الغرقان يتعلق في حبال الهوى، وذهاب الناس لهؤلاء الأشخاص نابع من جهلهم وعدم تمكنهم من حل المشاكل، إضافة إلى أن جزءا منه يعود للفشل في الطب وتأخره، فضلا عن قلة الدين والإيمان".

وأوضح أن قضية معالجة الناس من خلال الجن، أمر يشكك الناس في عقيدتهم "وهذا أخطر ما في الموضوع" على حد قوله.

وأما عن قضية تجنب المعالج "أ" أموراً تثير الشك، كعدم المطالبة بذكر اسم الأم خلال مقابلته للمرضى، وعدم أخذ مقابل مادي، إضافة إلى عدم لمس المرضى، فقال السوسي:"هذه محاولة لتجاوز علامات السحرة".

وفيما يخص تخريج الجن من الإنس، أكد السوسي أن هذا الأمر جائز شرعا، "ولكن يجب أن يخرج عند إنسان محل ثقة"، وعاود القول:"الجن لا يقبل التعامل مع الإنسان إلا إذا كفر بالله سبحانه وتعالى".

المعالج بالقرآن د. محمد أبو شعبان، هو الآخر أكد أنه لا يجوز اللجوء للجن من أجل العلاج، "لأنه عالم غيبي"، وقال: "العلاج عن طريق الشعوذة مرفوض".

وأضاف أبو شعبان وهو أستاذ أصول الدين بالجامعة الإسلامية "الشرع منع التعامل مع الجن (..) شخص يحضر الجن لا يجوز التعامل معه"، لكنه أشار إلى أن العالم ابن تيمية أفاد الجواز إذا ظهر الجن للأنس عرضا.

وقال :"في هذه الحالة ممكن أن يأمرهم بالخير، وقد يستجيبوا وربما لا يستجيبوا، لكن أن يحضرهم الشخص فهو أمر مرفوض".

جهل بالدين

ويتضح أن وجهة نظر علم النفس، تلتقي مع الرأيين السابقين، في أن لجوء الناس لمثل هؤلاء الأشخاص للتداوي على أيديهم، أمر نابع من الجهل بالدين الإسلامي.

ويعتبر أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى د.درداح الشاعر، أن تردد الناس على الأشخاص الذين يزعمون التعامل مع الجن في علاج الأنس، دليل على جهل الناس بالدين الإسلامي.

وقال الشاعر لـ"الرسالة": هناك اعتقاد بالغيب وهذا الاعتقاد مستثمر من قبل العرافين والسحرة استثمارا جيدا، كأنهم مطلعون على علم الغيب(..) وكثيرا من الناس يعجبون بطريقتهم في العلاج لأنها تعفيهم من المنطق العلمي ويعتقدون أن هذه الطرق أيسر في العلاج من الأمور العلمية".

وأوضح أيضا أنه من ضمن الأسباب التي تدفع الناس للذهاب "للمعالجين بالجن" هي قابليتهم للاستهواء، ويقول: "نجد أن جزءا من الثقافة الفلسطينية تنصح المرضى بالذهاب للعرافين حتى من يصابوا بالعقم (..) هذا تصور خاطئ بالنسبة للدين".

وحول تماثل بعض المرضى ممن يترددون على العرافين، للشفاء ومدى علاقة الأمر بالتشويش على أفكار الناس، قال الشاعر: "من شفاه الله فهو ليس بفعل عراف ولا ساحر، وإنما ببركة الله والقرآن الكريم، ومن يقرأ القرآن سيشعر بتحسن في حالته، لكن للأسف هناك شكل من أشكال الاستهواء لدى الناس".

وأشار إلى أن ما يقال للمريض من "خزعبلات" ستشعره بالتخفيف النفسي، مبينا أن هذا الأمر يعتبر شكلا من أشكال التأثير النفسي على الناس.

وطالب الشاعر بضرورة محاربة ظاهرة ما وصفهم بـ"العرافين"، وإسقاطها من حساب المجتمع، وألا يكون التعامل إلا من خلال العلماء الشرعيين والأطباء المتخصصين.

 

البث المباشر