قائد الطوفان قائد الطوفان

على أبواب المجاعة

قصص المعاناة في طريق البحث عن الخبز جنوب قطاع غزة

مواطنون يزدحمون أمام أحد المخابز في جنوب القطاع للحصول على فرصة لشراء الخبز
مواطنون يزدحمون أمام أحد المخابز في جنوب القطاع للحصول على فرصة لشراء الخبز

خاص- الرسالة نت

يبدو جنوب قطاع غزة في أسوأ مراحل جوعه منذ بداية الإبادة التي يشنها الاحتلال (الإسرائيلي) منذ أكثر من عام، البحث عن رغيف الخبز صار جزءًا من يوميات المعاناة، يبدأ مع شروق الشمس حتى غيابها، بل وفي أغلب العائلات هو الوظيفة الأساسية للنساء والأطفال في ظل غياب الرجال بحثًا عن عمل لا يكاد يوفر ثمن الخبز وحده.
في طابور طويل أمام أحد المخابز في خانيونس جنوب القطاع تجمع المواطنون والنازحون، وقفوا بانتظام في بداية الأمر، ثم اختل النظام مع تكدس الناس، وتحول الازدحام إلى معركةٍ داست في طريقها نساءً وأطفالًا يقفون منذ الصباح في انتظار خبزهم، وفي النهاية أخذ البعض، ولم يأخذ البعض الآخر.

(الجوع والذل)

سيدة كبيرة في السن، تلقت الركلات على باب المخبز من شدة الازدحام، على مدار ثلاثة أيام تذهب وتعود بخفي حنين: "منذ أربعة أيام لم يدخل الخبز إلى معدتي، أذهب كل يوم إلى المخبز، وأقف في طابور طويل، ومع زحمة الناس أضرب وتدوسني الأقدام، ولا أجرؤ على المعارضة والحديث، ثم أعود إلى البيت خالية اليدين، أعد المعكرونة والأرز للأولاد بدلًا من الخبز!!".
وتتابع "كل يوم يسألني أحفادي عن الخبز، أقف طابورًا طويلًا أمام المخابز، لماذا يحدث فينا كل هذا، نحن نساء فلسطين، لماذا أهينت كرامتنا هكذا أمام المخابز؟!".
امرأة أخرى تقف على ذات الطابور، تقول: "كيس الطحين صار ثمنه عشرة أضعاف خلال شهر، ولأنه شحيح وغالي الثمن لا أستطيع شراء واحد، آتي إلى هنا في الثالثة فجرًا، أحيانًا أحصل على ربطة خبز وأحيانًا أخرى لا، أولادي سيموتون من الجوع، الخبز أقل الحقوق، حُرمنا منه!".
على باب إحدى الخيام في منطقة مواصي خانيونس قالت أم فراس عطية لمراسلة (الرسالة نت) في جوابها على سؤال هل لديكم طحين؟ "لا، نفد الطحين لدينا منذ أيام"، قالتها هكذا بكل هدوء وعجز، وأضافت أنها مضطرة لشراء الخبز من سيدات يبعن الرغيف الصغير بشيكل واحد، موضحة أنها تحتاج إلى أكثر من 60 شيكلا يوميًا مصروفًا للخبز وحده.
وذكرت المواطنة أن سعر كيس الطحين يرتفع يومًا بعد الآخر وأنهم لا يستطيعون شراء كيس بــ400 شيكل دفعة واحدة، وأنهم يدفعون كل يوم عمل لزوجها ثمنًا للخبز فقط.

(مجزرة طحين)

لا تقتصر معاناة الحصول على لقمة العيش أمام المخابز فقط، بل ثمة وجع آخر يندى له الجبين، حينما توجه المواطن مجدي صابر الهمص، وابنه شرف، وابن أخيه يوسف إلى منزلهم في حي الجنينة في مدينة رفح، متجاوزين كل الأخطار، مضحين بأنفسهم وكأنها طريقة وحيدة لإطعام الأفواه الجائعة في انتظارهم، ضاغطين على عداد العمر ليحضروا أكياسًا من الطحين كانوا قد تركوها في منزلهم قبل نزوحهم من رفح منذ ستة أشهر.
وحينما تأكدوا أن المنزل لا يزال قائمًا، قرروا المحاولة علهم يحضروا لأبنائهم الجائعين طحينًا لا يملكون الآن ثمنه المرتفع ليشتروه، ولكنهم لم يعودوا، فقد كانت طائرات الاحتلال أسرع من أقدامهم، واستهدفتهم حينما دخلوا إلى المدينة مباشرة، فاستشهد ثلاثتهم في مشهد يعيد إلى الأذهان صورة مجزرة طحين جديدة.
يذكر أن جثامين الشهداء الثلاثة لا زالت تفترش الأرض في شارع الياسين في حي الجنينة، ولم تستطع طواقم الدفاع المدني الوصول إليهم لانتشالهم، ولا زال أطفالهم ينتظرون الطحين!

(مجاعة وشيكة)

بدورها، أكدت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، أن مناطق جنوب القطاع مقبلة على كارثة إنسانية ومجاعة حقيقية جراء شح الدقيق في الأسواق ومراكز التوزيع والإغاثة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وبرنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة (WFP)، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإغلاق والحصار المشدد على قطاع غزة.

وأكدت المؤسسة أن قوات قوات الاحتلال (الإسرائيلي) لا تزال تستخدم المجاعة كسلاح ضد السكان المدنيين في جميع أنحاء القطاع، بالإضافة إلى الحصار وتضييق الخناق على المعابر لإدخال المواد التموينية والغذائية والدقيق الذي يُعد من أهم السلع التموينية للمواطنين والمصدر الأساسي للغذاء.
وبحسب المعلومات المتوفرة لدى مؤسسة الضمير، فإن سعر شوال الدقيق (الطحين) وزن 25 كغم، تجاوز مبلغ (450 شيكل)، وفي ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون والنازحون في مناطق جنوب القطاع، لا يستطيع المواطنون شراءه لتوفير الخبز.
ويعود ارتفاع سعر الدقيق لعدة أسباب، وأهمها انتهاج قوات الاحتلال (الإسرائيلي) سياسة التجويع كسلاح ضد المدنيين، إضافة إلى تعرض بعض الشاحنات المحملة بالدقيق، التي تدخل عبر معبر كرم أبو سالم بشكل قليل جداً، للسرقة من قبل بعض العصابات وقُطَّاع الطرق، واستهداف قوات الاحتلال (لجان الحماية الشعبية) المكلفة بحماية الشاحنات وملاحقتهم.

البث المباشر