الدعم المؤسسي للتنظيمات الإرهابية اليهودية

(صورة أرشيفية)
(صورة أرشيفية)

الرسالة نت- صالح النعامي

هناك علاقة وثيقة بين تشكيل التنظيمات الإرهابية اليهودية وبين مظاهر تقاعس مؤسسات الكيان الصهيوني وتخليها عن دورها كدولة احتلال في الدفاع عن الفلسطينيين، كطرف وقع تحت عبء الاحتلال.

 ولعل الشهادة التي يقدمها بنحاس فالنشتاين، الذي شغل منصب رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية لأكثر من خمسة عشر عاماً، ذات مغزى بشكل خاص.

 يروي فالنشتاين، وهو من قادة التيار الديني الصهيوني، أنه زار الجنرال بنيامين بن إليعاز قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في مكتبه، في نفس اليوم الذي قام به أعضاء التنظيم السري اليهودي بتنفيذ عمليات التفجير ضد رؤساء البلديات الفلسطينية، حيث وجد عليه مظاهر الارتياح الكبير واستقبله بالقبلات مهنئاً باستهداف رؤساء البلديات، لكنه أعرب عن خيبة أمله لأن التفجيرات أصابت الأجزاء السفلية من أجسام المستهدفين ولم تؤد إلى قتلهم.

فإذا كان هذا هو السلوك الذي صدر عن الشخص الذي يفترض أن يتولى من ناحية رسمية مهمة توفير الأمن للفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمه ومسؤوليته المباشرة، فلم يكن من المستهجن أن يترعرع الإرهاب اليهودي.

ومن المؤشرات ذات الدلالة على سلوك الكيان الصهيوني تجاه التنظيمات الإرهابية اليهودية حقيقة أنه حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لم تشمل المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك"، التي تتولى مهمة حفظ الأمن الداخلي، على أية دائرة تتولى معالجة الإرهاب اليهودي، في الوقت الذي كانت تخصص معظم موارد الجهاز لمواجهة المقاومة الفلسطينية.

وقد تم تشكيل دائرة صغيرة في "الشاباك"، ذات موارد محدودة لمواجهة الإرهاب اليهودي، فقط عندما شرعت تنظيماته في استهداف نخب سياسية ونشطاء اليسار الصهيوني.

وتختلف قواعد سلوك "الشاباك" في التعامل مع الإرهابيين اليهود بشكل جذري عن قواعد التعامل مع المقاومين الفلسطينيين.

ويقر رئيس جهاز "الشاباك" السابق آفي ديختر؛ بأن القانون الإسرائيلي يمنح "الشاباك" هامش مناورة لانهائي في التعاطي مع رجال المقاومة الفلسطينية، على صعيد عمليات الاعتقال والتحقيق باستخدام التعذيب الجسدي والنفسي والحرمان من الالتقاء بمحامي، في حين يتمتع المعتقلون اليهود بحقوق كبيرة على رأسها الحق في الصمت خلال التحقيق، بحيث يحق للمعتقل عدم الرد على أسئلة محققيه.

معطيات لافتة

ويتضح من المعطيات الإسرائيلية بما لا يدع مجالاً للشك أن التنظيمات الإرهابية عملت في بيئة مثالية بالنسبة لها.

وقد كشف تقرير صادر عن منظمة "يوجد قانون"، الإسرائيلية التي تعنى بمراقبة ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية، أن 10% فقط من الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية للشرطة الإسرائيلية حول قيام المستوطنين اليهود بالاعتداء عليهم تنتهي بتقديم لوائح اتهام ضد هؤلاء المستوطنين؛ في حين أن 90% من هذه الشكاوى، يتم اغلاق ملفاتها دون تقديم لوائح اتهام.

وفي مقابل التسامح مع المستوطنين؛ فإن المحاكم الإسرائيلية تتشدد في معالجة التهم الموجهة ضد الفلسطينيين؛ حيث أن 70% من الفلسطينيين الذين تنظر المحاكم الإسرائيلية في تهم ضدهم يتم إدانتهم، ولا تستمر المداولات التي تجرى في هذه المحاكم حول تمديد توقيت الفلسطينيين أكثر من ست دقائق.

وجاء في التقرير "أن تعاطي الشرطة وأجهزة القضاء الإسرائيلية مع الشكاوى التي يرفعها الفلسطينيون حول أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضدهم يتميز بالإهمال واللامبالاة، وانعدام المهنية".

يغضون الطرف

ويقدم الجنرال يوفال بزاك، رئيس قسم "تطوير نظريات القتال" في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي؛ والذي سبق له أن تولى قيادة قوات الاحتلال في شمال الضفة أن غض الجيش الإسرائيلي الطرف عن ممارسات المستوطنين على مدى عشرات السنين من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، جعلهم يظنون أنهم فوق القانون، مؤكداً أن القانون السائد في الضفة الغربية هو قانون الغاب.

وينحي بزاك باللائمة على "العلاقة غير الطبيعية السائدة بينهم وبين الجيش"، مشدداً على أن الجيش لا يتعامل مع المستوطنين كجهة مسؤولة عن فرض القانون، بل إن العلاقة بين الجانبين تقوم على "صداقة حميمة".

ويرى إن هذا قد حال بين الجيش وأداء دوره الطبيعي في إحباط الاعتداءات التي ينظمها المستوطنون ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ حيث عكف الجيش الإسرائيلي على التستر على هذه الجرائم والتهاون مع مرتكبيها.

وتورد صحيفة "هارتس" شهادة ذات دلالة لأحد أتباع التيار الديني الصهيوني؛ الذين خضعوا للتحقيق لدى "الشاباك"، بعد أن دارت شبهات حول دوره في التخطيط للهجوم على مساجد في أرجاء الضفة الغربية؛ حيث أنه قال بعد الإفراج عنه بعد أن أمضى أسبوعين في التحقيق للصحافيين أنه تعرض للتعذيب الشديد، وعندما استفسر الصحافيون عن وسائل التعذيب التي مورست ضده، رد قائلاً: "لقد أجبروني على مطالعة صحيفة هارتس الليبرالية".

ولا يمكن هنا تجاهل الدور الذي يلعبه القضاء الإسرائيلي في مساعدة أتباع التيار الديني الصهيوني على ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين.

فقد أمرت محكمة إسرائيلية بإطلاق سراح المستوطن زئيف روده الذي أطلق النار وأصاب عدداً من الفلسطينيين في الخليل في أكتوبر 2008 بعد سجنه لمدة أسبوع؛ حيث تبين أن هذا السلوك الذي أقدمت عليه رئيسة المحكمة القاضية مالكا أفيف جاء بسبب تعاطفها مع المستوطن، كونها أيضاً تقطن في إحدى مستوطنات الضفة الغربية.

البث المباشر