الرسالة نت- محمد أبو شماله
علاقة الفلسطيني بالحجارة لم تتوقف عند استخدامها كوسيلة نضالية في مواجهة الاحتلال أو في البناء والتعمير، بل أضحت بحد ذاتها علماً تعمق فيه المواطن توفيق أبو مكتومة وتمكن بعد سنوات من إنجاز ما أسماه علم "قراءة الحجارة".
أبو مكتومة –الرجل الخمسيني- المقيم في مخيم البريج وسط قطاع غزة، أبدع بعد بحث مضنٍ دام سنوات في هذا العلم الحديث، وتتبع أصل أثر الإنسان القديم من خلال رسومات ورموز لحضارات انحدرت منذ آلاف السنين.
حديث الرجل المستمر للمحيطين به عن علمه "الغريب" وانشغاله به يثير الفضول لمعرفة خفايا وحقائق يقول إنه توصل إليها، ويسرد لـ"الرسالة نت" تفاصيل قصته، مشيراً إلى أن شغفه بالحجارة بدأ منذ الصغر.
منذ الصغر
ويقول أبو مكتومة: "خلال طفولتي كان والدي عاملاً في مصنع للحصمة، وكنت أرافقه للمصنع، حيث كنت ألعب بالحجارة الصغيرة، ومع الوقت بدأ يستهويني التمعن فيها وكأن هناك كنزاً في هذه الحجارة".
ويضيف أن خروجه لرعي الغنم في خربة مليئة بالصخور والحجارة في منطقة وادي غزة، زاد من شغفه بهذا الأمر، خاصة وأن الخربة كانت تعج بالحجارة الفخارية التي بقي يجمعها ويتفحصها شيئاً فشيئاً.
ويتابع: "مرت سنين وتركت المدرسة عند الصف الثالث الإعدادي بسبب ظروف أسرتي الصعبة، فلجأت إلى العمل في مجال البناء حتى أخفف من معاناة الأسرة ولو بشكل بسيط".
وأردف: "رغم غيابي عن المدرسة، إلا أنني لم أهجر قراءة الكتب العلمية والثقافية المتنوعة، ولم يبعدني ذلك عن شغفي بالتأمل في الحجارة".
بعدها بسنوات تزوج أبو مكتومة وأنجب أطفالاً، وخلال "انتفاضة الحجارة" عام 1987 اعتقل في سجون الاحتلال لمدة 6 سنوات، موضحاً أن هذه السنوات أغرقته في "وحل من المعاناة".
وبعد خروجه من السجن بفترة وجيزة، وفي ظل الفقر المدقع الذي كانت تعيشه أسرته، قرر أن يسافر إلى مدينة بئر السبع في الأراضي المحتلة 1948، ليعمل هناك في مجال البناء ويوفر قوتاً لأسرته التي سيغيب عنها.
وشكل سفره نقلة نوعية في مجال عمله وبحثه لسبر أغوار الحجارة التي يعشقها منذ الصغر، ولم يطل العمل في مجال البناء في "بئر السبع" إلا لنحو خمسة أعوام، ترك بعدها عمله وتفرغ لمجال آخر وهو العلاج بالأعشاب ومواصلة "قراءة الحجارة".
"كشف عجيب"
ويقول: "خلال مطالعتي المستمرة لكتب العلاج البديل، بدأت أعالج الناس بالأعشاب والطب النبوي، وكان هذا مصدر رزق لي، لكنه في الوقت نفسه لم ينسني بحثي الدؤوب في قراءة الحجارة فكنت أتوجه إلى (خرب) قديمة وأجمع الكثير من الحجارة المتناثرة".
وكان على موعد في إحدى الليالي مع كشف يراه عجيباً، فبينما كان يتأمل لساعات في حجر صغير رأى فيه ما قال إنها صور لطيور وبشر وحيوانات، وقرأ أحرفاً تشبه الموجودة في اللغة المسمارية.
ومن هنا بدأ أبو مكتومة تسجيل وتوثيق كل ما يراه داخل هذه الحجارة، مع رغبته بمعرفة ما يعبر عن الحجر من الداخل بشكل أعمق بالإضافة إلى ما في خارجه.
وتوجه خلال تواجده في بئر السبع إلى العديد من وسائل الإعلام والمراكز الجيولوجية لتغطية أبحاثه من خلال الإطلاع على الحجارة وقراءة ما تخفيه من أسرار.
ويوضح أنه تلقى وعوداً لكنها لم تتحقق، فعاد "قارئ الحجارة" إلى غزة بعد ثلاثة عشر عاماً قضاها بعيداً عن أهله، وهو يحمل "حجارة قيمة وأبحاثاً موثقة"، مدركاً أنه "انتصر" لإتيانه بعلم يراه جديداً يدرك من خلاله حقيقة آثار الإنسان القديم.
ومنذ ذلك الحين، وأبو مكتومة يعمل وسط انهماك واضح في غرفة حولها في منزله الصغير ورغم حالته المتوسطة إلى مختبر وموقع لأبحاثه ومجمعاً لأفكاره.
ويقول: "أواصل أبحاثي منذ 27 عاماً، لأنقل رسالتي العلمية للناس، فقراءة الحجارة علم وليست فناً، لأنها تتتبع أثر الإنسان الأول، والحجارة التي تمثل أثراً لا تذوب، وتبقى ملايين السنين".
حقائق أظهرها
وخلال حديثه، جلب أبو مكتومة حجراً صغيراً أسماه "الحجر الضوئي"، وبالنظر إلى الشكل الخارجي للحجر كانت ملامحه صعبة.
وتلقف الحجر وبدأ يستعرض ما رآه بداخله، مشيراً إلى شكل إنسان يقف شامخاً، وصورة سفينة غارقة، ورموزاً لاتينية معقدة، وانتقل إلى حجر آخر كانت خارطة فلسطين واضحة عليه.
ويعلق على ذلك بقوله: "هذا نموذج بسيط من نماذج عديدة تحتوي على عجائب، وما أزال حتى الآن أبحث وأدرس وأكتشف المزيد من الدلالات والرموز، وبعد هذه السنين الطويلة أقول وبحمد الله أنني أستطيع قراءة أي حجر".
وفي محاولة لإعلام المهتمين بما توصل إليه، أطلق "قارئ الحجارة" موقعا الكترونيا على شبكة الانترنت بعنوان كنوز الأرض، ضمنه جزءًا من أبحاثه العلمية وبعضاً من العروض المرئية والشرح والتفسير للشكل الخارجي للحجارة، وكشف ما في أعماقها.