بعد أن شكلت شوارع الضفة الغربية، في الماضي القريب، كابوساً وشبحاً على المستوطنين في أثناء تحركاتهم، حيث لم تكن تخلو شوارع الضفة من دوريات ولجان الأمن الخاصة بالمستوطنين، وحركة كثيفة للدوريات العسكرية الإسرائيلية الأخرى، إضافة إلى وسائل الحماية الأمنية الأخرى التي كان يتزود بها المستوطنون من تركيب للألواح البلاستيكية الصلبة لمقاومة الرصاص ومواجهة الزجاجات الحارقة والفارغة وحجارة ومقاليع الفتية الفلسطينيين، وذلك في كل محاور الضفة وشوارعها، فضلا عن استخدام كشافات الإنارة القوية التي كان يستخدمها المستوطنون لرصد الشباب والملثمين الفلسطينيين، إلا أن الأمور أصبحت مختلفة، جذرياً، في الوقت الحالي، حيث تحولت الضفة وشوارعها ومستوطناتها إلى أكثر المناطق الآمنة لليهود، وأصبح المستوطنون يسرحون ويمرحون بحرية كاملة، ومن دون خوف أو قلق في معظم أنحاء الضفة الغربية.
ونشرت دائرة الإحصاء المركزي في إسرائيل، وبالتعاون مع وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية، أخيراً، نتائج استطلاع للرأي العام حول شعور الإسرائيليين بالأمن الشخصي، وقد عبرت المؤسستان المشاركتان في إجراء الاستطلاع عن مفاجأتهما الكبيرة، عندما تبين أن مستوطني الضفة الغربية اليهود يشعرون بالأمن الشخصي أكثر من سكان مدينة تل أبيب، وذلك بعد أن عبر أكثر من 81% من مستوطني الضفة الغربية المستطلعة آراؤهم عن شعورهم العالي بالأمن والأمان الشخصيين، وذلك لأسباب عديدة، أهمها تراجع عمليات المقاومة الفلسطينية المختلفة في الضفة، بفعل عوامل وأسباب كثيرة، بينما أشار الاستطلاع إلى حالة عكسية تماما في المستوطنات المقامة داخل مدينة القدس الشرقية، حيث عبر 65% فقط من اليهود الذي يسكنون مدينة القدس هناك عن رضاهم بالأمن الشخصي في مناطق سكناهم.
ويعود السبب في تدني نسبة شعور الإسرائيليين بالأمن الشخصي إلى تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية في القدس الشرقية منذ شهور، سواء المتمثلة بعمليات إلقاء الحجارة على المستوطنين أو الزجاجات الحارقة أو عمليات الدهس التي شهدت زيادة ملحوظة في العام الأخير، وخصوصاً بعد عملية اختطاف الشهيد الطفل محمد أبو خضير وإعدامه، والعدوان الإسرائيلي، الصيف الماضي، على قطاع غزة .
ومن المؤكد أن نتائج هذا الاستطلاع ستكون مهمة جدا على المشروع الاستيطاني والسياسي والاقتصادي في إسرائيل، ما سيؤدي إلى دعم وتقوية التيار اليميني القومي المتطرف الذي يرفض أية صيغة للتفاهم مع الشعب الفلسطيني، كونه الداعم للاستيطان في كل شبر، وفي كل زاوية في الضفة الغربية، لإيمان هذا التيار بما يسمى أرض إسرائيل الكبرى، وفي مقدمتها ما تسمى يهودا والسامرة، والتي تشير إلى الضفة الغربية المحتلة، وخصوصاً أن زيادة قوة هذا التيار من شأنها أن تقتل أية فرصة لحل القضية الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، سيؤدي هذا الاستطلاع إلى إضعاف ما يسمى معسكر الوسط واليسار في إسرائيل الذي يطالب بوقف البناء الاستيطاني خارج ما يسمى الكتل الاستيطانية، الأمر الذي سيؤدي الى زيادة كبيرة في أعداد اليهود الذين سيفضلون الانتقال إلى السكن في مستوطنات الضفة الغربية، بعد نشر نتائج هذا الاستطلاع، إضافة إلى المزايا الاقتصادية والتسهيلات الكبيرة التي تمنحها للحكومة الإسرائيلية اليمينية للمستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية، كما أن مستثمرين يهود عديدين سيفضلون إقامة مشاريع اقتصادية كبيرة في المناطق الصناعية الاستيطانية المنتشرة في مستوطنات الضفة الغربية، كما أنها ستؤدي إلى زيادة السياحة الداخلية الإسرائيلية من إسرائيل باتجاه مستوطنات الضفة.
لذلك، بات من المؤكد أن بقاء المشروع الاستيطاني، بشكله الحالي، كما ظهر في الاستطلاع، سيقضي نهائيا على أية فرصة مستقبلية، حتى لإقامة حكم ذاتي فلسطيني هزيل، بعد أن دفنت حل الدولتين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.