في ظل تغير التهديدات وتعاظم تحديات

الولايات المتحدة تعدل خطتها الدفاعية للعام 2010

جرياً على عادتها كل أربع سنوات، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية في فبراير/شباط 2010 تقرير "المراجعة الدفاعية الرباعية 2010"، (Quadrennial Defense Review) والذي يعبّر عن إطار العمل الإستراتيجي للوزارة ويساعدها على تحديد السياسات وتطوير القدرات والمبادرات في مجال التعامل مع التحديات الآنية والمستقبلية.

تسعى الوثيقة كما الإصدارات السابقة إلى تحديد الأهداف الإستراتيجية، وكذا المخاطر والتهديدات الرئيسية المحتملة التي سيكون على الجيش الأمريكي مواجهتها في الآماد القادمة، ولذلك يمكن وصفها من هذه الزاوية بأنها بمثابة العقيدة العسكرية للجيش الأمريكي. كما تحدد هدفين رئيسيين يتمثلان أولا في إعادة التوازن لقدرات القوات المسلحة للولايات المتحدة الأمريكية ليكون في وسعها النصر في الحروب الراهنة، وثانيا العمل على بناء القدرات اللازمة للتعامل مع حروب المستقبل وحسن التكيف مع مسارحها.

سياق طرح الوثيقة

من الملاحظ أن الوثيقة الجديدة تأتي في ضوء عدد من الحقائق المرّة التي تعاني منها الولايات المتّحدة، والتي غالبا ما تخلق فجوة بين الطموح الذي تعكسه هكذا تقارير وبين الواقع الفعلي الذي تعيشه القوة الأمريكية اليوم، ومن ذلك:

    * لا تزال أمريكا تخوض حربا شرسة في أفغانستان والعراق منذ العام 2001، وبدا واضحا من خلال التجربة بأنّ جيشها غير قادر على حسم وربح حروب إقليمية غير تقليدية تخوضها مجموعات مسلحة صغيرة.

    * لا يزال الملف النووي الإيراني الذي يشكل أزمة قيد البحث والتفاوض منذ أكثر من سبع سنوات يمثل التحدي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

    * لا تزال الولايات المتّحدة غير قادرة على الخروج من الأزمة الثلاثية المركّبة المكونة من العجز المالي المزمن والدين المالي الضخم والتمدد الدفاعي في الخارج إلى درجة الشلل.

إستراتيجية الدفاع الأمريكية وأهدافها

تواجه الولايات المتحدة سلسلة من التحديات والفرص، في الوقت الذي يشهد فيه النظام الدولي تحولا مهما، وقد تطلب ذلك خوض الجيش الأمريكي وعلى امتداد ما يزيد عن 8 سنوات حروبا مختلفة في أفغانستان والعراق وضد القاعدة وحلفائها.

أولا: الانتصار في حروب اليوم

تحتل القاعدة وطالبان في أفغانستان الأولوية القصوى للولايات المتحدة ولوزارة الدفاع الأمريكية، وهو ما انعكس سواء على صعيد الموازنة العسكرية أو على صعيد مشاغل الجيش الأمريكي الذي يعمل بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين والدوليين على بذل الجهود اللازمة لتعطيل عمل القاعدة وتفكيكها والقضاء على ما أسماه بالملاذات الآمنة التي تتمتع بها داخل الدول المعنيّة.

أما في العراق فقد ساعدت الجهود المبذولة على تولي الحكومة العراقية سلطاتها في ضمان الأمن وتوفير الخدمات للمواطنين، على أن تقوم أمريكا بعملية انسحاب مسؤولة من العراق على ما يذكر التقرير. وستواصل القوات الأمريكية لعب دور مهم في تدريب ودعم القوات العراقية وتزويدها بالمشورة اللازمة، بينما يتم العمل مع الشركاء في مناطق أخرى من العالم على تحديد الشبكات الإرهابية وتفكيكها.

ثانيا: منع وردع النزاعات

أمّا قوة الردع الأمريكية فتكمن أساسا في القدرات الجوية والبحرية والأرضية الأمريكية المدعومة بالإمكانيات الفضائية، وبمنظومة الدفاع الصاروخي وبانتشار عالمي فعّال للقوات الأمريكية وبأسلحة نووية، بما يجعلها قادرة على خوض نزاعات محدودة وكبيرة في بيئة صعبة، فضلا عن الرد على مجموعة كبيرة من التحديات التي تفرضها الدول الأخرى أو

ثالثا: الاستعداد لهزيمة الخصوم والنجاح في مواجهة مختلف الاحتمالات

إذا فشل الردع في القيام بمهمته، وقام خصوم الولايات المتّحدة بتحدّي مصالحها سواء كان ذلك بالتهديد باستعمال القوة أو باستعمالها فعلا، فإن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للرد بقوة على ذلك.

مواجهة البيئة المعقّدة للتهديدات المركّبة

أولا: طبيعة التحديات

على القوة الأمريكية أن تكون جاهزة لتردع أي هجوم، وتهزم أي دولة تقوم بعمل عدائي، فهذه القدرة مهمة لحماية مصالح الولايات المتحدة وكذلك في ضمان الأمن والاستقرار في مناطق حساسة على الصعيد العالمي.

فكوريا وإيران على سبيل المثال تقومان بتحدي المعايير الدولية عبر اختبار أنظمة صواريخ باليستيّة جديدة بالغة الدقة، وتتمتع بمدى أطول من صواريخ "سكود" العراقية التي تم استعمالها في العام 1991، وباتت قدرات هذين البلدين التي هي في نمو مطرد، تهدد الانتشار الأمريكي في مناطق مختلفة، بصورة لم يعهد لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

أما الصين، فهي تعمل في إطار خطة لتحديث قواتها المسلحة على تطوير عدد كبير من الصواريخ المتطورة، متوسطة وطويلة المدى، مثل صواريخ "كروز"، فضلا عن صنع غواصات هجومية جديدة مزودة بأسلحة متطورة، وأنظمة صاروخية دفاعية طويلة المدى إضافة إلى قدراتها في مجال الحرب الالكترونية.

أما بالنسبة للفاعلين غير الحكوميين، (كما هو شأن حزب الله مثلا) فقد باتوا اليوم يمتلكون طائرات من دون طيار، وأنظمة صواريخ جوية دفاعية محمولة على الكتف من إيران. ومن الممكن أن يؤدي انتشار، ولو ترسانة صغيرة من الأسلحة النووية من قبل الخصوم ووضعها في يد مثل هذه الجماعات إلى اهتزاز التوازنات الأمنية، في عدد مهم من المناطق الرئيسية في العالم، وهو ما سيقوض الأمن العالمي بشكل خطير جدا.

الملاحظات الأساسية على الوثيقة

من خلال هذه الوثيقة يظهر أنّ الحروب التقليدية الكبرى ليست هاجسا أمريكيا في ظل التفوق العسكري المطلق من جهة، وفي ظل كونها محدودة جداً ولا تمثل الواقع الحقيقي الذي ستواجهه القوات العسكرية في المستقبل من جهة أخرى.

ولهذا تم إعطاء الأولوية لصالح "النصر في الحروب والنزاعات المسلحة الحالية" غير التقليدي، أي في أفغانستان والعراق والاستعداد للتدخل في "عدة جبهات قوامها النزاعات المسلحة"، وذلك انطلاقا من الدروس المستخلصة، وتتمثل في:

    * أنّ هذه الحروب طالت أكثر من اللازم من دون الخروج بنتيجة حاسمة ومرضية تخدم المصلحة الأمريكية.

    * أن هذه الحروب استنزفت قدرات أمريكا بشكل سمح لخصومها بالصعود، وقلّص من قدرتها على المناورة في مواضع أخرى لا زالت أمريكا تغرق في وحلها.

    * أن هذه الحروب أصبح حسمها أمرا أكثر من ضروري لتحقيق المصالح الأمريكية لأن الفشل فيها سيؤدي ضرورة إلى تقويض ما تبقى من سمعة أمريكا ومصداقيتها في العالم.

    * تبيّن أن الحروب المستقبلية التي كان الجيش يستعد لها هي في الحقيقة الحرب التي يخوضها حاليا، وليس الحروب التقليدية الكبرى التي كان ينتظرها.

المصدر:  مركز الجزيرة للدراسات

 

 

البث المباشر