لا يمكن القول إن التغير المفاجئ في الموقف المصري تجاه حركة حماس، وما سُرب من معلومات حول تسهيلات قدمتها القاهرة في الخفاء وأخرى وعدت بتقديمها مؤخرًا، أنها من قبيل الصدفة، أو تغير الموقف بما يروق للمزاج السياسي للمشرع المصري.
فالقاهرة التي أدرجت حركة حماس ضمن لوائح الإرهاب، عادت مرة أخرى ورفعت عنها التهمة السبت الماضي، وعلمت "الرسالة" وجود موافقة مصرية لإدخال تسهيلات على معبر رفح في الفترة المقبلة، غير أن أسامة حمدان مدير العلاقات الخارجية بحماس، أزال اللبس إزاء هذا التبدل في الموقف بعد كشفه عن لقاءات جرت مؤخرًا بين الحركة ومسؤول مصري في الدوحة اتفق خلاله الطرفان على ضرورة نزع فتيل الازمة.
فحوى اللقاء الذي تحفظ حمدان عن ذكره، عرفت من مصادرها الخاصة، أنه تم بين خالد فوزي رئيس المخابرات المصرية مع قادة الحركة على هامش زيارته وكان بوساطة الدوحة.
وبين المصدر أنه خلال اللقاء طلب الأول تهدئة إعلامية بين الجانبين مع ضبط الحدود وعدم التصريح بأي شأن مصري داخلي، وهي أمور معلنة من قبل لدى حماس وأبدت موافقتها عليها منذ نشوب الخلاف قبل عامين.
لكنّ حماس تحفظت على طلب مصري جرى خلال اللقاء بمساعدتها على محاربة داعش داخل سيناء، وهو الأمر الذي اعتبرته حماس شأنا مصريا، مع التأكيد على ضرورة بذل كافة الجهود لحماية الحدود من الطرفين.
يبدو أن هذه التفاهمات وما اعقبها من قرار قضائي، قد أسهبت في ضبط إيقاع العلاقة الثنائية بين الطرفين، خاصة في ظل محاولات من اطراف دولية عدة تلافي تجدد المواجهة في غزة، وينظر إلى القاهرة بأنها شريك في سياسات الحصار ضد القطاع، الامر الذي قد يساعد في تفسير التبدل الراهن في الموقف المصري.
ويعتقد مراقبون أن موقف القاهرة ناجم عن ضغوط دولية، ضمن المساعي المبذولة لتخفيف التوتر في غزة واحتواء الموقف الداخلي لتلافي تجدد أي مواجهة مقبلة مع الاحتلال.
ويتسق الموقف المصري مع ما يمكن وصفه بـ"مرونة سياسية" أبدتها (إسرائيل) مع جهات دولية عدة مثل سماحها لوزير الخارجية الألماني بزيارة غزة، رغم انها كانت ترفض ذلك سابقا.
ولم يستبعد المحلل السياسي المصري حسن نافعة، أن يكون التغير المصري جزءا من هذه التطورات، بالإضافة لحسابات سياسية تتعلق بمصالح الأطراف، خاصة فيما يتعلق بنظرية الامن القومي.
وأكدّ نافعة لـ ، أن مثل هكذا مواقف تقرأ على مقاييس سياسية متوازنة وحساسة، لها أهمية خاصة في ضبط إيقاع المسارات السياسية الناظمة للعلاقات الثنائية بين الأطراف.
ويتفق معه الخبير الاستراتيجي من عمّان امين شرحبيل، الذي رأى فيه تعبيرًا عن حالة سياسية تشارك في رسمها عدة اطراف لاحتواء الموقف في غزة، خاصة وأن مصر تعد أحد المحاور والاركان الرئيسية في واقع القطاع.
ورجّح شرحبيل في حديثه لـ"الرسالة"، إمكانية أن يكون هذا الموقف ناجمًا عن التحولات الإقليمية تحديدًا بتحسن علاقة حماس مع السعودية التي تعد حليفًا اساسيًا للنظام المصري.
لكنّ هذا برأي المراقبين لا يغني عن ضرورة استثمار الموقف الراهن لتحويله إلى عنصر مستدام في ضبط العلاقة السياسية بين الأطراف المختلفة.
وإن كبحت مصر جوامح العلاقة في فترة زمنية سابقة، فإن تأثير الأطراف الوسيطة قد يكون مساعدًا بشكل أكبر في تحريك عجلتها، بحسب الخبير في مجال العلاقات الدولية عبد الله ادريس من انقرة".
لكن الأهم لسكان القطاع المحاصر هو ما ستفضي اليه العلاقة من تحسينات جوهرية في عملية التنقل عبر معبر رفح المنفذ الوحيد لسفر الغزيين.
ومن خلال تواصلنا مع مسؤولين مصريين، ذكر أحدهم إن المعبر سيكون مؤشرًا لمدى تحسن هذه العلاقة، غير أن ما يؤكده المراقبون، أن القاهرة لن تفرش البساط الأحمر لحماس، وستكتفي بقدر بسيط من التحسن في العلاقات.