"تسعى للحصول على الماجستير"

"نسمة".. كفيفة تحاضر بمُبصرين

نسمة الغولة
نسمة الغولة

غزة-إيهاب أبو دياب

في شهرها الأول بعد الميلاد أصيبت نسمة الغولة "36 عاما" بحمى شوكية سلبتها بصرها، ورغم ذلك مضت في طريقها المحاط بالظلمة، وتدرجت في تعليمها حتى شارفت على تحقيق حلمها بنيل درجة "الماجستير".

وقد يكون غريبا حين نعلم أن نسمة وقبل أن يكتمل حلمها، تعطي دورات في محو الأمية القانونية للمبصرين، خصوصا أنها تخصصت في دراسات فقهية لنيل شهادة البكالوريوس.

بدأت نسمة أولى خطواتها العلمية بعراك مزدوج مع ذاتها ومجتمعها المحيط، فبمجرد أن وطأت قدماها عتبة التعليم التمهيدي والابتدائي عجزت في التأقلم مع ذوي الإعاقة، واشتدت مأساتها إثر التجاهل الذي لاقته من أقرب الناس لها (عائلتها المتألفة من 13 فردا يأويهم بيت صغير)، "كل منهم له اهتماماته الخاصة" حسبما تصف نسمة.

ورغم هذا الكم من الصراعات إلا أن نسمة تفوقت وحصدت المرتبة الاولى خلال السنوات الست التي قضتها في مدرسة خاصة بالمكفوفين لدراسة المرحلة الابتدائية.

دراستها الاعدادية كانت أفضل من سابقتها، فأصبحت متقبلة لشخصها ولعالم الاعاقة مما يسر الأمور معها بفارق كبير، إلا أن نظرة الأهل والمجتمع القائمة على العطف والاحسان باتت العقبة الوحيدة أمامها، كونها توسلت إليهم كثيرا بأن يعاملوها كفرد طبيعي.

وتخطت نسمة الإعدادية، لتضطر بعدها للالتحاق بمدرسة دلال المغربي الثانوية التي يتردد عليها أشخاص أصحاء، كون مدرسة المكفوفين لا تضم تعليم المرحلة الثانوية، وعلى وقع هذا كله عادت معيقات الاندماج السابقة تلوح في الأفق من جديد.

وبمرور الأيام الدراسية تجاهلت "الغولة" مشكلاتها كافة ووضعت في مخيلتها هدفا وحيدا، انصب على اجتياز اختبارات الثانوية العامة بمعدلٍ يؤهلها لمواصلة مسيرتها العلمية، وبإصرارها على بلوغه مهما كانت العراقيل أنهت (التوجيهي) بنسبة 85% -فرع العلوم الانسانية-، وأرجعت، بتواضع، سبب تفوقها إلى تشجيع الأهل والمدرسات، متناسية عزيمتها الفولاذية.

بكالوريوس وماجستير

طوت نسمة صفحة نجاحاتها في التعليم المدرسي، لتسطر أخرى في دراسة بكالوريوس دراسات فقهية في الجامعة الاسلامية.

وانخرطت نسمة في الدراسة الجامعية وبتقلب الأيام اكتسبت احساسا أشعرها بأن الجامعة باتت المكان الأكثر أمانا، باعتبارها وفرت لها ولذويها جميع احتياجاتهم من المعدات الالكترونية الحديثة التي تتطلبها حياة الكفيف العلمية والعملية، مثل "نظارات خاصة، وجهاز حاسوب وجوال مزود ببرنامج ناطق، وكتب وصحف مخطوطة بلغة برايل".

وعن لحظة تخرجها قالت، وملامح حصاد النجاح ترتسم على وجنتيها: "مرت السنوات الأربع الجامعية سريعا كالبرق الخاطف، وبحلول عام 2012 احتفلت وزميلاتي بالتخرج"، لكن نشاطاتها وأعمالها كافة كانت منحصرة بين جدران الجامعة الاسلامية.

ولأن لكل مجتهد نصيب سنحت الفرصة للغولة أن تنطلق بعلمها إلى خارج نطاق الكلية، بعدما طُلِب منها العمل كمدربة في مشروع "معاقون يقودون التغيير"، وبدون تردد وافقت للهفتها الشديدة في مخاطبة جميع الفئات المجتمعية.

نشاط نسمة في المشروع آتى ثماره كونه قادها لتغيير نظرتها نحو ذاتها بأنها إنسانة قادرة على العطاء وقيادة ذاتها وغيرها نحو التفوق.

وينطوي هدف المشروع على نشر الوعي بين شرائح المجتمع كافة في مجال محو الأمية القانونية للأشخاص المعاقين والأسوياء.

ورغم أن درجة البكالوريوس أهلتها لتكون عنصرا فاعلا في المجتمع إلا أنها أصرت على مواصلة مسيرتها العلمية، فكانت وجهتها نحو الدارسات العليا -الماجستير- تخصص تفسير علوم القرآن الكريم، مبينة أنها اختارت هذا القسم خصيصا لتدرسه بتفاصيله، كونه علم للدنيا والآخرة.

مركز التقنيات المساعدة

وكانت نسمة الفتاة الأولى التي تلتحق بمركز التقنيات المساعدة للأشخاص المعاقين بصريا في الجامعة الاسلامية عندما تأسس مطلع سنة 2000، وسرعان ما عينت كمنسقة لقسم الطالبات بالمركز عقب تخطيها البكالوريوس.

وحققت المنسقة دمجا غير اعتيادي بين الأشخاص الأسوياء والمعاقين بصريا من خلال موازنتها بين تقديم الدورات والعمل كمنسقة لقسم الطالبات، وبأسلوبها السليم جعلتهم يهرولون يوميا وبدون طلب لمساعدة الفتيات الكفيفات داخل المركز.

وعن آمال نسمة في عام 2015، تمنت أن تنهي رسالة الماجستير، لتصبح محاضرة في الجامعة الاسلامية، وأن يتم السعي إلى تطبيق قانون المعاق رقم 4 لعام 1998"، معربة عن أملها أن تتفهم الصحف الفلسطينية وضع الكفيف من خلال إصدار أعداد خاصة بلغة برايل.

واختتمت نسمة الغولة حديثها لـ"الرسالة" قائلة: "لا تنظروا للأشخاص ذوي الاعاقة بعين الشفقة إنما يجب أن تقدموا لهم ما يحتاجون، فالمعاق شخص بمقدوره أن يفعل أي شيء إذ وفرت له الامكانيات كغيره من البشر".

 

البث المباشر