د. عدنان أبو عامر
يمكن الحديث عن منحى أكثر إثارة ومحاكاة للواقع، بعقد مقارنة حية ومباشرة بين ظروف المقاومتين العراقية والفلسطينية، ضد الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي، من خلال القواسم المشتركة التالية:
المقاومتان الفلسطينية والعراقية..أوجه الشبه
1- استخدام حروب الاستنزاف ضد قوات الجيش العسكرية.
2- تفعيل سلاح القناصة، في المناطق السكنية والمفتوحة.
3- إطلاق النار من مباني مزدحمة، وعلى مفترقات الطرق العامة الرئيسة.
4- إطلاق قذائف الهاون والصواريخ مختلفة المدى بصورة مكثفة.
5- "الانتحاريون" الذين يستهدفون المواقع العسكرية والحواجز الميدانية.
6- استخدام السيارات المفخخة في عمليات معقدة.
7- محاولات اختطاف الجنود وموظفي المنظمات الحكومية.
في مجال ذو صلة، يضع الباحثون الإسرائيليون "توصيات ومقترحات" لـ"تحسين" ظروف المواجهة القادمة من وجهة نظر إسرائيل، ومن أهمها:
1- توجيه ضربات موجعة مؤلمة "للعدو"، من خلال المس والإضرار بكل مكونات قوته السياسية والعسكرية، والوصول معه إلى مرحلة "الإبادة الكاملة"، بحيث لا تتكرر أخطاء حربي لبنان وغزة، وجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقرر الدخول مع إسرائيل في مواجهة جديدة!
2- الاستفادة من "الكارثة الإعلامية والسياسية" التي ألمت بإسرائيل عقب تقرير "غولدستون"، ومطالبة الجيش بأن يقوم بالدرجة الأولى بعملية "إخلاء" كاملة لمناطق القتال المتوقعة، وعدم منح الفرصة للمقاتلين أن يقاتلوا من بين المناطق السكنية، وهو ما من شأنه تحقيق هدفين هامين:
أ- توجيه ضربات قاتلة للعدو لوحده.
ب- عدم الوقوع في شرك "استدراج الجيش" لارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين.
3- التقليل قدر الإمكان من الأضرار والخسائر التي قد تلحق بإسرائيل، دولة ومجتمعاً، وتوفير قدر أكبر من الحماية والرعاية للجبهة الداخلية من خلال:
أ- توفير ملاجئ محصنة للإسرائيليين قبل إصدار قرار المواجهة، والتأكد من جاهزيتها الكاملة، بدل الدخول في حالة فوصى عارمة أساءت لصورة إسرائيل عالمياً، وبدا مواطنوها "يهربون" من صواريخ حماس وحزب الله بصورة مهينة للدولة.
ب- العمل على "اختصار زمن المعركة"، لأن إطالتها يخدم العدو: عسكرياً وإعلامياً وسياسياً، وهنا يبدو من المجدي التفكير ملياً بالتوصية الأولى المتعلقة بـ"تكثيف النار وتوسيع رقعتها ضد العدو".
المفارقة أن المطالبات الإسرائيلية باتت تطالب فعلاً بإجراء حوار يضم المحافل السياسية والأمنية والعسكرية حول طبيعة الحرب القادمة شرط أن تحذف منها فرضية "الانتصار الحاسم"، لأنها باتت من فرضيات الماضي في ظل التهديدات المستجدة على الساحة الشرق أوسطية، بفعل تواجد منظمات المقاومة!
هنا بالإمكان الوصول إلى خلاصة جادة مفادها أن القناعة الإسرائيلية باتت سائدة في العديد من المحافل الأمنية والعسكرية والسياسية بعدم إمكانية الوصول مع تلك القوى، حماس وحزب الله، إلى مرحلة الحسم النهائي، والضربة القاضية، لاسيما في ظل غياب خيارات أخرى.
ويمكن الإشارة إلى انشغال بعض الجنرالات العسكريين الإسرائيليين البارزين في البحث وإعداد الدراسات العملياتية التي تقدم وصفات سحرية لمسألة الحسم النهائي، ومنهم: "غيورا آيلاند، يوسي كوبرفاسر، يعكوب عميدرور".
وإلى حين "إنضاج" هذه الوصفة، ستبقى المواجهات المفترضة بين إسرائيل من جهة، وحزب الله وحماس من جهة أخرى، تراوح مكانها، بين كر وفر، وفعل ورد فعل، وعملية وانتقام، على الأقل هكذا تفكر العقلية الإسرائيلية اليوم!
استنتاجات وخلاصات
الكثير من الملاحظات الدقيقة والاستنتاجات الميدانية التي يمكن استخلاصها من الدراسة يمكن إجمالها في الآتي:
1- تشير التحضيرات الجارية على قدم وساق في غزة وجنوب لبنان إلى أن قوى المقاومة فيهما بدأت الاستعداد منذ أمد لمواجهة السيناريو المتوقع القادم في المواجهة المفترضة مع إسرائيل، في ضوء الواقع الميداني الجديد، وطبيعة "الروح الجديدة" التي استلهمها الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.
ومن خلال ما وصل من تقارير استخبارية، ومتابعات عسكرية على مدار الساعة، يبدو أن هذه المنظمات تقوم بتطبيق التوصيات التي تخرج بها لجانها الفنية من الحروب السابقة، بما يتلاءم مع الواقع الميداني الذي سيشهد المواجهة المقبلة، ما يحتم على قيادة الجيش وضع إجابات حقيقية عملياتية.
2- لابد من "ضمان القدرة النارية الإسرائيلية" على خوض الحرب في ثلاثة اتجاهات: لبنان وسوريا وغزة، في آن واحد معاً، في ضوء أنها تنظر لتلك المسارات كقطاعات جبهة واحدة، وتتوقع أن تنتقل الحرب المشتعلة على أحدها إلى القطاعات الأخرى في أي لحظة، وما يتطلبه ذلك من "تأمين الطاقة العسكرية" اللازمة لإنهاء الحرب والفوز بها في أيام معدودات، لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة لأسباب مختلفة أشار إليها، ذات مرة، رئيس الوزراء الأسبق "دافيد بن غوريون" في قوله المختصر: "إسرائيل الصغرى لا تحتمل حروباً طويلة كبرى، ولهذا، فنحن نعمل من أجل قيام إسرائيل الكبرى".
3- كشفت الحربين الأخيرتين في لبنان وغزة العديد من مواطن الضعف في إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، حيث ركزت منظمتا حزب الله وحماس مواردهما العسكرية على مهاجمة الجبهة الداخلية، في حين أن إسرائيل اعتبرتها ثانوية من حيث الأهمية، وإن كانت في حرب غزة أفضل جاهزية من سابقتها.
ورغم المراجعات الشاملة لاستعدادات الجبهة الداخلية، وتكليف وزارة الدفاع بالمسؤولية الكاملة عنها، ورصد الموارد، وتدريب سلطات الطوارئ، وتحديث إجراءاتها التشغيلية القياسية، إلا أن هناك توافقاً إسرائيلياً واسعاً على أن "النجاح النسبي" فيها ليس مؤشراً على استعدادها لـ"أزمة قومية"، ويعود السبب إلى المجال الضيّق للمساحة وللسكان الذين كانوا عرضة لهجمات حزب الله وحماس.
4- تلاشي الشعار الإسرائيلي القائل بأن الجيش الإسرائيلي هو "الأكثر أخلاقية في العالم"، في ضوء أن الحرب القادمة ستكون "مدمرة" وفق أرجح التقديرات، وما زال التخوف من تبعات تقرير "غولدستون" يأخذ مفاعيله لدى الإسرائيليين، مما دفع بأوساط نافذة في تل أبيب للمطالبة باتخاذ إجراءات ميدانية من شأنها تقديم "كشف حساب" يومي لكل ما قد يتورط به الجيش من انتهاكات بحق الفلسطينيين واللبنانيين في المواجهة المفترضة، ومن هذه الإجراءات:
أ- إعداد تقارير ميدانية فورية في كل حادث، تكون فيه ملابسات حول استهداف المدنيين، ولابد لقيادة الجيش من فحص ومتابعة ومراقبة أي حادث ذو إشكاليات ميدانية.
ب- خروج مسئول إسرائيلي بارز، سواء في المستوى العسكري أو السياسي، والتعبير صراحة عن أسفه لوقوع مثل هذا الحادث، والإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق داخلية سريعة.
ت- الاعتراف بأي خطأ، إذا ما ثبت ارتكابه من قبل الطاقم الميداني، وتقديم المسئولين عنه للمحاكمة، إذا ما تطلب الأمر.
5- التوجه الإسرائيلي الآخذ في الازدياد باتجاه الاعتماد أكثر فأكثر على المؤسسة الأمنية، حيث نلاحظ أن بعض "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل في محاربتها لمنظمات المقاومة، تعود أساساً وبالدرجة الأولى إلى القدرة الواضحة لعمليات الإحباط الأمنية التي قامت بها الأجهزة الأمنية، الشاباك داخل الأراضي الفلسطينية، والموساد في الخارج، وقد تمكنت من إيقاف ظاهرة العمليات الاستشهادية، ووصلت إلى بعض رموز المقاومة في الخارج.
6- لا يخفى على صانع القرار العسكري الإسرائيلي أن جبهتي لبنان وغزة مختلفتان في التضاريس والطبيعة الطبوغرافية، ومع ذلك، فإن كلا التنظيمين المتواجدين فيهما درسا وقائع الحربين الأخيرتين كما فعل الجيش الإسرائيلي، وهو ما وجد ترجمته العملية في السلوك العسكري لحركة حماس في غزة التي استفادت من حرب لبنان الأخيرة، والشيء ذاته، حيث استفاد حزب الله كثيراً من عملية "الرصاص المسكوب"، وهو ما سيجد ترجمته الميدانية في الحرب القادمة.
7- تقرأ الأوساط البحثية والسياسية جيداً طبيعة "الكوابح" التي تمنع منظمتي حماس وحزب الله من المبادرة إلى توجيه ضربات لإسرائيل، خشية من "جلب" رد قاس ومؤلم من قبل جيشها، بفعل التخوف من إسقاط حكم الأولى في غزة، و"تأليب" الرأي العام الداخلي على الثانية، ولذلك ترى إسرائيل أنها قوى "مردوعة" حالياً نظراً لعوامل داخلية بالدرجة الأولى، لكن ذلك قد يتغير بصورة دراماتيكية تحت أي انعطافة غير متوقعة!