لا يمكن لك أن تفسر نظرة عيني الطفل محمد شعبان في ربيعه السادس وهو يساعد والده في تعليق فانوس رمضان أمام مدخل العمارة السكنية التي يعمل بها والده حارسًا، ولسان حاله يردد " هل سنغني على لهبه حالو يا حالو. رمضان كريم يا حالو أم أن لهب الحرب وذكراها سيحرق قلوبنا والفانوس! " .
ويسكن الأمل قلب الصغير محمد كما سكان القطاع بأن يكون رمضان هذا العام الأجمل بروحانياته بعد أن ألقت آلة الحرب الاسرائيلية بحقدها عليهم وحرمتهم من شعائر شهر البركة والرحمة خلال حرب 2014.
بابا فيه حرب!
قبل قدوم رمضان بأيام ما فتئ محمد يسأل والده "بابا فيه حرب هذا الرمضان؟ " هاجس الخوف مع اقتراب شهر رمضان تولد لدى الطفل نتيجة قصف طيران الاحتلال لمنزلهم خلال مجزرة الشجاعية في 20 من يوليو الماضي ، واستشهاد ثلاثة من أبناء عمومته قبل نزوحهم من الموت المحقق.
وما بين الابتسامة التي حاول الصغير محمد اهداؤها لمراسلة حينما قالت له (رمضان كريم) نافستها حسرة سكنت معالم وجهه عنوة حينما استحضر صورة ركام منزله المهدم في منطقة الشعف على الحدود الشرقية ، والتي لطالما كان يجد بعض الصعوبة في تحديد منطقة سكناه لنسبة لا بأس بهم من أطفال الحي الذي يعمل به والده ، فذاك الشارع المؤدي الى الحدود الشرقية مع العدو الاسرائيلي والمسمى بـ "الشعف" كان يجهله الكثيرون، الا انه وبعد الاجتياح البري منتصف رمضان الماضي سلطت فلاشات الاعلام الدولي والمحلي صوب ملامح البؤس المتراكمة على وجوه ساكنيه خوفًا ووجعًا بعد نزوحهم الى مناطق أبعد .
انتهى أكرم شعبان _ والد محمد_ من تعليق الفانوس وقال وهو يمسح ذرات العرق عن جبينه "مش عايش بأمل ورمضان راح يفتح عليا المواجع ". حالة التشتت التي يعيشها شعبان 35 عامًا وأسرته المكونة من ستة أفراد في غرفة النزوح دفعته للخوف من القادم في ظل وضع اقتصادي هو الأسوأ بالنسبة للمحاصرين في غزة ووعود بإعادة الإعمار.
ملامح الحي الجديد غير مؤنسة بالنسبة للصغير، وبالأخص في رمضان الأول وعدم مشاركته لأقرانه مفرقعات رمضان وطقوسه المبهجة بالنسبة له.
رمضان الخير والحياة
ورغم ما عايشته غزة العام الماضي من ويلات الموت والدمار الا أنها لا تزال تحب الحياة اذا ما استطاعت اليها سبيلا، فعلى مفترق الشجاعية قابلتنا بسمة البائع المتجول أحمد الغرابلي 14 عامًا وحينما سألناه عن رمضان هذا العام وذكرى العام الماضي أجاب: "ليش أخاف من رمضان.. راح أصوم وأصلي التراويح ".
الطفل الغرابلي عبر عن اشتياقه لشهر الرحمة ليعوض قسوة الحياة التي عايشها خلال العام الماضي خلال رمضان، موضحًا بذات العفوية التي تمتع بها منذ بداية لقائنا:" ما زينا البيت لرمضان عشان البيت مقصوف ".
تلك الجدران الرمادية التي حاولت الارتكاز على بعضها طيلة الحروب السابقة، انهارت على بعضها في رمضان الماضي ولن تتمكن احتضان الزينة بين أضلعها ككل عام، الا أنه ورغم مشاهد الدمار الواضحة في شارع المنصورة الذي يقطن به الغرابلي يبدو بأن سكان حي الشجاعية يتفننون في البحث عن الأمل والحياة فصور شهدائه تستقبلك بابتسامة على مدخلها وكأنها تحمل البشرى الكثير بأن رمضان هذا العام هو الحياة لهم.
نساء غزة ورجالها بدورهم يجهزون لبدء الزيارات الاجتماعية والتي تعتبر من أبرز طقوس شهر رمضان، حيث كانت العام الماضي عبارة عن حالة نزوح قسري من المناطق الحدودية لتي تعرضت للاجتياح البري الى مراكز الايواء وما تخللها من حالة ضيق بعكس طبيعة نفحات رمضان والجلسات العائلية الدافئة بذكر الله.
وفي طريق عودتها من الشجاعية لفتها مشهد فانوس رمضان من العام الماضي معلق على مبنى في شارع الوحدة ولا شيء سوى السواد يلفه بعد ان أصابته شظية كسرت أضلعه كما بهجة الشهر بالنسبة لساكني القطاع، ويبقى السؤال، هل سيغني فانوس غزة هذا العام حالو يا حالو فرحًا وابتهاجًا بشهر المحبة؟