لم يعد يُقنع الحديث المتكرر لممثلي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن الضائقة المالية الخانقة، آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين باتوا يدركون حقيقة استغلال حاجتهم لهذه المؤسسة وممارستها ضغوطا سياسية عليهم.
بقراراتها الأخيرة، تناقض الوكالة الدولية سبب نشأتها وتسميتها، فتقليص مساعداتها لفلسطينيي سوريا في لبنان وحرمان الآلاف منها لم يعد يغيثهم، كما أن إعلانها وقف تشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملها الخمس نفى عنها الشق الآخر من مسماها.
رغم ذلك، يبقى صمت السلطة الفلسطينية وقادتها وممثليها عن إجراءات الوكالة وتقليص خدماتها، يثير غضب واستنكار اللاجئين ومؤسسات المجتمع المدني والمحلي، في حالة اُعتبرت مشاركة في رش الملح على جراحهم وتأييدا لمحاولات التضييق عليهم.
عليها رفع صوتها
وفي ظل الاحتجاج المستمر على سياساتها الأخيرة، ما زالت "أونروا" تؤكد مواجهتها "أخطر أزمة مالية على الإطلاق"، في تصريحات على لسان مفوضها العام بيير كرينبول، والذي دعا إلى "اتخاذ إجراء عاجل ومنسق لمعالجة الأسباب السياسية الكامنة وراء هذا الوضع".
وقال كرينبول إن الاحتياجات غير المسبوقة للاجئين الفلسطينيين تقابلها تبرعات أقل بكثير مما هو مطلوب، مشيراً إلى أن الوكالة ستنفذ إجراءات تقشفية جادة، "ستؤدي إلى تقليل الكلفة، في الوقت الذي يتم العمل فيه على المحافظة على الأنشطة الرئيسة".
وأضاف أن "عزلة واستبعاد لاجئي فلسطين في سوريا وغزة والضفة الغربية والأردن ولبنان، يمثل قنبلة موقوتة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط (...)، هناك أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الدول آنفة الذكر يواجهون اليوم أزمة وجودية".
نائب المسؤول السياسي لحركة حماس في لبنان، أحمد عبد الهادي، أكد بدوره على أن صمت السلطة الفلسطينية على تقليص الخدمات ووقف التشغيل، يعكس مدى تماهيها مع القرارات الدولية الهادفة لحل قضية اللاجئين وإلغاء حقهم في العودة لأراضيهم.
وقال عبد الهادي في تصريح لـ"الرسالة" إن "غياب السلطة يعكس حقيقة مسار التسوية التي تسير به، والذي يصب في نفس الرؤية الدولية في التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولات منع حقهم في العودة وتصفية قضيتهم".
وأضاف: "على ما يبدو فإن السلطة لا مانع لديها بأن تقلص الأونروا خدماتها وتنهي عملها، فحتى اللحظة لم نلحظ أي حراك لأي من قادتها أو مؤسساتها باتجاه الضغط على الوكالة لوقف قراراتها".
وشدد عبد الهادي على أن قرارات الأونروا الأخيرة "لا علاقة لها بنقص التمويل أو الأزمة المالية"، موضحا أنها تتحرك وفق توجهات الدول الكبرى المانحة وقراراتها السياسية الممهدة لشطب حق عودة الفلسطينيين.
ودعا عبد الهادي السلطة الفلسطينية إلى ضرورة اتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية لمواجهة "أونروا"، واستغلال علاقاتها الدولية للضغط عليها من أجل وقف قراراتها، قائلا إن "صوت السلطة يمكن أن يكون مسموعا أكثر من مؤسسات المجتمع المدني التي تتصدى لقرارات الأونروا الآن، وصمتها يعد مشاركة في التضييق على اللاجئين الفلسطينيين".
وشدد القيادي بالحركة على تمسك الفلسطينيين بـ"أونروا" كونها مؤسسة شاهدة على نكبة وتهجير آلاف الفلسطينيين ولجوئهم لأماكن مختلفة، مؤكدا استمرار الاحتجاجات وتصاعدها ضد قراراتها "المجحفة" بحقهم.
قرارات سياسية
علي هويدي، المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني، والكاتب المختص بشؤون "أونروا"، أكد أن القرارات الأخيرة للوكالة "سياسية ليس لها علاقة بتخفيض الدول المانحة لالتزاماتها تجاه أونروا".
وشدد هويدي في حديثٍ لـ"الرسالة" على أن التقليصات تأتي في سياق منهجي اتبعته الوكالة للتخفيض من خدماتها، في محاولة للضغط على اللاجئ الفلسطيني للقبول بأي استحقاقات سياسية يمكن أن تفرض عليه مستقبلا.
وقال هويدي المتواجد في لبنان حاليا: "لا توجد أي مبررات للأونروا لتقليص خدماتها، على اعتبار أن 193 دولة في العالم لن تكون عاجزة عن تغطية النقص الذي تتحدث عنه أونروا في ميزانياتها والبالغ 100 مليون $ وفق قولها".
وأضاف: "لا يجب أن تبقى أونروا عرضة للابتزاز السياسي من الدول المانحة، ومن المفترض أن يخصص لها جزء من ميزانية الأمم المتحدة مثل بقية المنظمات التابعة لها"، مضيفا بأن "توسيع صلاحيات عمل الوكالة مطلوب بشكل حثيث".
واستهجن هويدي غياب دور السلطة الفلسطينية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ كامل. موضحا أنها لم تصدر أي بيان حتى اللحظة، "ومن المفترض أن تقدم تبريرا حول صمتها عن متابعة هذا الملف بشكل خاص".
من ناحيته، أكد الكاتب الفلسطيني والمتابع لشؤون "أونروا" ماهر شاويش، أن قرارات الوكالة الأخيرة "مجحفة جدا"، خاصة فيما يتعلق بفلسطينيين سوريا الذين "فروا من الموت إلى الموت بطرق أخرى".
وقال شاويش في حديث لـ"الرسالة" إن تلك القرارات ستؤدي بمئات العائلات إلى افتراش الأرض والتحاف السماء، لا سيما أنها ستضاف إلى قرارات مجحفة أصلا من الحكومة اللبنانية، ومعاملة فلسطينيي سوريا على أنهم سيّاح يُمنحون إقامة مؤقتة ويحرمون من ممارسة أي أعمال أو التمتع بحرية كافية.
ويبلغ إجمالي المساعدات التي تقدمها الأونروا شهرياً لفلسطيني سوريا في لبنان ما قيمته (100$) للعائلة، تستفيد منها 12 ألف عائلة، ومساعدات بدل غذاء بقيمة (27$) للفرد.
وشدد شاويش على أن "الأونروا" إن لم تحقق غاية إنشائها من إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وحمايتهم وتشغيلهم، فلا يجوز أن تُشطب أو تُلغى أو أن يتم تقليص خدماتها تحت أي ظرف.
وأضاف: "تقليص الخدمات وتراجع التمويل له أبعاد واضحة تهدف لشطب حق العودة وإنهاء قضية اللاجئين مرة واحدة إلى الأبد.