لم تعد الأمور تجري وفق قواعد ونظم وقانون وعدالة وإرادة شعبية، ولكن تسير وفق الهوى وتحقيق مصالحة ذاتية أو فئوية ضيقة خدمة لمشروع سياسي ثبت فشله على مدى أكثر من عشرين عاما، فإذا كان محمود عباس مازال يؤمن بأن (إسرائيل) تريد سلاما مع الفلسطينيين وأن تعترف لهم بدولة بالمعنى الحقيقي لها فهو واهم؛ لأن (إسرائيل) قامت على مبدأ الإحلال أي نزع كامل الحقوق من أصحابها واعتبار فلسطين ارضا بلا شعب لشعب بلا ارض، هذه القاعدة التي يريد يهود تطبيقها وتحقيقها، فإذا كانت هذه هي القاعدة فهل يعتقد محمود عباس أن اليهود يمكن أن يسمحوا لنا بإقامة دولة حتى لو كانت كما يريدها بتنازله عن 78% من أرض فلسطين؟!
حكومة وحدة وطنية تحت شروط مسبقة كالاعتراف بشروط الرباعية الدولية ووفق برنامج منظمة التحرير الفلسطينية هو عنوان للفشل لأن من يطالب بهذه الشروط يعلم مسبقا أنها مرفوضة من عدد مهم من القوى والفصائل وبهذه الشروط كأنه يرسل رسالة إلى القوى الفلسطينية أنكم خارج تشكيلة هذه الحكومة وهذا يؤكد ما خلص إليه وزير خارجية فرنسا من فهم خلال لقائه محمود عباس بأن حماس لن تكون في تشكيلة الحكومة القادمة وصرح بذلك بشكل علني دون أن يعقب عباس بالنفي وهذا الصمت هو دليل على أن ما قاله الفرنسي هو موقف عباس.
وطالما أن هذا هو موقف محمود عباس وحركة فتح لماذا وفد المنظمة التي يؤكد حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي أن تشكيل الحكومة من اختصاص محمود عباس وليس اللجنة التنفيذية؟ ولكن وهذا للتذكير أن حل حكومة الحمد الله والإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تم في أروقة فتح وموضوع اللجنة التنفيذية ما هو إلا لذر الرماد في العيون وحتى لا يقال أن حركة فتح هي من أقالت ومن دعت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ومن يراجع بيان اللجنة التنفيذية الذي صدر في أعقاب جلستها الأخيرة يخرج بيقين أن بيانها لا يصلح قاعدة كي تنطلق لجنة من المنظمة للبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية وهي تتهم طرفا أساسيا في الحوار وهو حماس بالسعي لحل منفرد مع (إسرائيل) والفصل بين غزة والضفة وأنها تعرقل عمل حكومة التوافق، بهذه الطريقة من التفكير التي يمارسها محمود عباس نؤكد أنه يرسم لفشل هذه اللجنة وسيحمل حماس مسئولية الفشل من خلال رفضها للشروط التي يحملها مشروع حكومة الوحدة الوطنية وهو يعلم مسبقا موقف الرفض من عدد من الفصائل الوازنة في الشارع الفلسطيني حتى يمضي هو وحده بتشكيل حكومة ما يسمى بالوحدة الوطنية وفق هواه ورؤيته وبعيدا عن حكومة وحدة حقيقية يشارك الكل الفلسطيني كل حسب وزنه ومكانته بما يحقق المصلحة العامة.
ثم كيف يكون الحديث عن برنامج سياسي لهذه الحكومة دون أن تكتمل المشاورات وان تشارك القوى ثم تتفق على البرنامج والمهام المنوطة بهذه الحكومة أم أن الموضوع أن "هذا هو الزر وفصلوا له بنطال"، خاصة أن كل الحكومات الفلسطينية منذ أوسلو وحتى حكومة الحمد الله (الوفاق الوطني) لم يكن لهن برنامج سياسي، لأن الشأن السياسي ليس من اختصاص الحكومة وهو شان منظمة التحرير لأن من يفاوض ليس الحكومة بل المنظمة ومن يعقد الاتفاقيات المنظمة وليس الحكومة ومن يدعو لتشكيل الحكومات الرئيس وليس المنظمة.
هذه الدعوة لتشكيل هذه الحكومة بهذه الطريقة هي إعلان صريح لإنهاء اتفاق المصالحة بشكل نهائي وإلغاء كل ما تم الاتفاق عليه في القاهرة والشاطئ وهذا هو الذي سعى إليه محمود عباس من خلال تعطيل تنفيذ الاتفاق بكل تفاصيله وما لحقه من اتفاق الشاطئ على مدى السنوات الماضية، إن ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية بهذه الطريقة هو للهروب من الالتزامات التي وقعت عليها الفصائل وهو وسيلة للتفرد أكثر مصحوبا بتعزيز الانقسام وزيادة الفجوة والهروب بالضفة الغربية دون غزة.
حكومة بهذه الطريقة لن يكتب لها النجاح والنجاح هنا هو أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق توافق وطني حقيقي وليس وفق الرؤية التي يرتئيها عباس من وراء إعلان حل حكومة التوافق آخر اتفاق المصالحة حتى يلغي اتفاق المصالحة وإلى الأبد ما دام عباس يتحكم بالسلطة.