مرت ذكرى الرابع من مايو1994، قبل 21 عامًا، حيث تم توقيع اتفاق في القاهرة بين (إسرائيل) ورئيس منظمة التحرير ياسر عرفات دون احتفالات وحتى دون أن يذكره أحد، وكأنه كان اتفاق سفاح انجب عارا ممثلا بسلطة التعاون الأمني المسماة سلطة الحكم الذاتي ، والتي تم بموجبها تدجين بندقية الثائر لتصبح حامي حمى العدو وحدوده..!!.
رغم ذلك فإن الاتفاق سيبقي محفورًا في الذاكرة الاليمة لشعبنا الفلسطيني، يوم تحولت المنظمة من رأس حربة المقاومة للتحرير الى مجرد جسر تعبره (إسرائيل) للتطبيع وقطف المصالح مع عالمنا العربي والاسلامي.
21 عامًا من الألم مرت على هذا الحدث التاريخي الذي يعد واحد من الأحداث الغريبة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، حين وقف على منصة التوقيع على اتفاق العار في قاهرة المعز ممثلون عن العدو الصهيوني، وعن الفلسطينيين، والأمريكيين، فضلا عن الروس والمصريين راعيي المهزلة، في انتظار مراسم التوقيع، على تأبين انتفاضة الحجارة عبر تسليم قطاع غزة وأريحا لسلطة الحكم الذاتي -غزة اريحا اولا-، حين حاول ياسر عرفات التذاكي وهو يقف على حافة العار في محاولة ربما للتراجع او لتحقيق مزيد من الانجازات.
لم يكن بوسع ياسر عرفات حينها اعادة الروح للباشق الفلسطيني الذي نتف عرفات ريشه وسلخ جلده قبل ثمانية أشهر من ذلك، وتحديدًا بتاريخ 13 أيلول من العام 1993، حين وقع مع اسحاق رابين، مذكرة إعلان المبادئ التي سُميت "اتفاق أوسلو" المشؤوم، والتي التزمت فيها منظمة التحرير بالتخلي عن المقاومة والاعتراف "بإسرائيل"، بينما التزمت (إسرائيل) فقط بالاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، دون الاعتراف بدولة مقابل دولة، ومن ثم تم البدء برحلة التيه الفلسطيني المسماة بالتفاوض من أجل إقامة الحكم الفلسطيني المُستقل، الذي بدأ بمنح السيطرة، للسلطة الجديدة على أريحا في الضفة المحتلة وعلى المدن الفلسطينية في قطاع غزة وليس كل قطاع غزة حيث بقيت المغتصبات ومعسكرات الجيش جاثمة على انفاس الشعب هناك حتى انسحب منها شارون مجبر سنة 2005م تحت ضربات المقاومة.
عندما حان موعد التوقيع، قرر ياسر عرفات القيام بمناورة لم يعرف احد بعد اهدافها....
هل ادرك هذا الثائر خطيئته بحق الوطن والقضية فأراد الاستدراك والتراجع بحجة ان الخرائط المرفقة لا تلبي الاحتياجات الفلسطينية..!!.
ام اراد ان يسوق نفسه امام شعبه كوطني صلب وعنيد على اعتاب عودته التاريخية المرتقبة الى قطاع غزة..!!. لم يعرف احد بعد السبب ولن يعرف.
نص الاتفاق على تشكيل شرطة فلسطينية للحفاظ على النظام والأمن الداخلي، والذي يشمل أمن المغتصبين الصهاينة وامن جنود الاحتلال وامن حدود (إسرائيل) ومكافحة الارهاب - المقاومة- بينما تتحمل (إسرائيل) مسؤولية حماية الأمن الخارجي.
رفض عرفات ولمدة نصف ساعة تقريبا التوقيع على الخرائط المُرفقة بالاتفاق حيث سادت القاعة حالة من الإحراج والهرج، حينها حضر على عجل مايسترو الحفل، الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وصرخ في وجه عرفات صرخة الفرعون في وجه عبده امام القادة ومنهم رابين وبيرس ووزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر ونظيره الروسي أندريه كوزيرف قائلا أمام الجميع قائلاً: "وقّع يا ..".
حينها لم نعرف ما الشعور الذي اعترى الثائر الكبير ياسر عرفات من هذه الاهانة العلنية أمام العدو والصديق من زعماء العالم، إلا ان ما نعرفه ان الجبل هزته الريح الفرعونية، وأن عرفات اذعن للأمر وانصاع أمام فرعون مصر.
وها هو سلفان شالوم يكشف كيف كان المخلوع مبارك يشد على ايدي قادة العدو الذين يقابلوه عبر التربيت على ارجلهم ووصف الفلسطينيين بالحمير..
وما زال زعماء منظمة التحرير حتى يومنا هذا ينصاعون أمام اوامر فراعنة العالم، تماما كانصياع الكلب لأوامر سيده، فيما قضيتنا تذوب وتضعف وارضنا تبتلع ومقدساتنا تهود وشعبنا يذبح في كل الساحات من الوريد الى الوريد.
إلا ان الناظر الى واقع الحال عام 1994 وواقع الحال اليوم يلاحظ مدى التشابه الذي يعتري المشهدين، حيث يسيطر نوع معين من التفكير على صانعي القرار، مفاده أن غزة هي النقطة التي منها يمكن وقف الحرب او اشعالها، تحقيق السلام او تعزيز العداء، رغم الفجوات الواضحة بين تلك الفترة وهذه الفترة، فيما يتعلق بانعدام ثقة مختلف الأطراف بإمكانية تحقيق السلام في ظل الاحتلال، فيما الساحة السياسية الفلسطينية تزداد انقساما وتشظيا.
لا شكّ ان محاولات الماضي في تجاهل غزة أو حماس، لم تُقرّب الاطراف نحو اتفاق سلام، فيما يمكن أن يحقق رد الاعتبار لغزة ولحماس الاقتراب من اتفاق هدنة فقط، او وقت مستقطع في انتظار المواجهة القادمة.