كشف الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" المقرب من دوائر الحكم في المملكة العربية السعودية، عن وجود ترتيبات تجريها المملكة مع عدد من دول المنطقة، بغرض تهيئة أجواء المصالحة الفلسطينية، وتحقيق انفراجة في هذا الملف، منوهًا إلى ضرورة أن يكون للسعودية دور مستقل عن الجانب المصري في رعاية المصالحة، "لأنها أكثر اعتدالًا في مواقفها بين الفرقاء".
وقال خاشقجي في حديث خاص بموقع "الرسالة نت"، إن هذه المساعي قطعت شوطًا مهمًا، من أجل الوصول الى بلورة رؤية لإجراء عملية المصالحة الداخلية، دون أن يفصح عن ماهيتها.
وعرّج على العلاقة بين حركة حماس والسعودية ودور الأخيرة في ترميم علاقة الحركة بالقاهرة، ورؤية المملكة في التعاطي مع الملف الفلسطيني، فضلًا عن العلاقة بين المملكة وايران واثرها على مسار القضية الفلسطينية، وطبيعة الخارطة السياسية بالمنطقة في أتون الصراعات الجارية فيها.
يجب أن يكون للسعودية دور مستقل عن الجانب المصري في رعاية المصالحة
وأكدّ وجود إشارات إيجابية في العلاقة بين حماس والمملكة، وسط رغبة الأخيرة في تحسين العلاقة مع الحركة لعوامل عدة، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن السعودية أجرت مساعي لتحسين العلاقة بين مصر وحماس نجم عنها تحسين في فتح معبر رفح وتسهيل دخول كميات من الاسمنت الى القطاع.
وأضاف خاشقجي إن السياسة الاستراتيجية السعودية الراهنة، قائمة على جمع الكلمة وتقليل الخصوم، وبالتالي هي ترغب بتحسين العلاقة مع حركة حماس خاصة في ظل الحديث عن ترتيبات لزيارة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل إلى الرياض.
ونفى وجود ما يمنع من اجراء هذه الزيارة، ولا يوجد إشكاليات تحول دون اتمامها، خاصة في ظل ما تتمتع به الحركة من سمعة طيبة واهمية دورها في الوقت الراهن.
المصالحة
وبين خاشقجي أن جزءا كبيرا مما كانت تتهم به حماس في السعودية، كان ناجمًا عن حالة التخندق التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، ولم تكن ناجمة عن معلومات دقيقة، مقرًا في الوقت ذاته تورط السلطة في محاولة تشويه العلاقة بين حماس والسعودية.
وأوضح أن اهتمام المملكة بملف غزة يبقى مرتبطا بحجم القضايا المزدحمة التي تواجهها، خاصة في ظل الملفات الداخلية والملفين اليمني والسوري، مع حرص المملكة على تفعيل الملف الفلسطيني من بين هذه الملفات.
فتح معبر رفح ضمن المساعي السعودية لتحسين العلاقة بين مصر وحماس
ودعا في حديثه لـ"الرسالة نت" إلى ضرورة أن تقوم السعودية بهذا الدور بمعزل عن اطراف اقليمية، عملت على تخريب المصالحة التي تأثرت بتدخلات خارجية غير مسؤولة، وفق تعبيره.
وقال خاشقجي إن الموقف السعودي لا يشابه الموقف المصري الذي قد يتراجع عن تأثره بطرف ضد آخر، ويعتدل في موقفه من الأطراف الفلسطينية.
حماس والسعودية
وفيما يتعلق برؤية السعودية في التعامل مع حماس، أكدّ خاشقجي أن الحركة لم يعد ينظر اليها كأنها جسم غريب في المملكة، ولا يجوز النظر اليها كذلك، مشيرًا إلى أن الرياض حريصة على الاستفادة من دور الحركة لما لها من سمعة طيبة وشعبية جيدة لدى الأوساط الشعبية في المنطقة، خاصة في ظل الحرب التي تقودها المملكة ضد ايران وداعش.
وقال إن الحرب معهما اخذت طابعًا عقديًا وهذا يستوجب ردًا عقديًا، ما يجعل المملكة بحاجة للاستفادة من التيارات المعتدلة وبما فيها حماس، مشيرًا إلى أن الذي يدفع السعودية للذهاب بعيدًا لتعزيز علاقتها مع روسيا، يجعلها تذهب قريبًا نحو حركة سنية مثل حماس، وينبغي أن يكون لحماس دور في هذه المعركة التي تدور راحها مع التطرف، وفق تعبيره.
ولكن أكدّ أن السعودية لا يمكن لها أن تقدم دعمًا ماليًا بغرض اهداف عسكرية لحركة حماس، وقال إن المملكة مقتنعة بوجهة نظر سياسية لحل القضية "لا تتنازل فيه عن الحقوق"، يختلف عن رؤية حماس القائم على أساس "المقاومة لأجل المقاومة"، حسب تعبيره، داعيًا إياها الى ضرورة بحث جدوى هذه الرؤية.
مؤشرات قوية لإعادة العلاقة بين حماس والمملكة ولا يوجد ما يمنع زيارة مشعل
موقف خاشقجي دفع بالسؤال حول الجهود السعودية لتثبيت اتفاق التهدئة الذي لمح إلى وجود دور لها من خلال التنسيق القطري الذي يعد في احسن احواله في الوقت الراهن، حسب تعبيره، مشيرًا إلى ان المملكة حريصة بالا تتكرر المواجهة كل عدة سنوات.
وقال خاشقجي لـ"الرسالة نت" إن قطر تتشاور مع السعودية، وأعتقد أن المملكة لديها مصلحة بتثبيت اركان التهدئة.
وبشأن مبادرة السلام التي أطلقتها المملكة عام 2003 في قمة بيروت، قال خاشقجي إنه لا يوجد هناك مؤشرات أو شيء يوحي بأن الرياض ترغب بتعديلها او الغائها، ولكنها في الوقت ذاته غير متشجعة للتعامل معها خاصة في ظل الرفض (الإسرائيلي).
وفي غضون ذلك، نفى خاشقجي أي لقاءات عقدت بين السعودية وإسرائيل وقال إن ما اثير هو لقاء بين شخصيات محسوبة على مراكز علمية، وهو امر يحدث بشكل متكرر، لكن لا يوجد أي لقاء رسمي بين الجانبين، والسفراء السعوديون لا يجرون أي اتصال بالمطلق.
واستغرب من توقيت طرح المبادرة الفرنسية لعملية السلام الجديدة، خاصة أنها لا تأتي ضمن ظروف أو أسباب تسمح لها، معتقدًا ان مصيرها سيكون الفشل على غرار مصير مبادرة كيري، "والحل ينبغي ان يصدر من مكتب نتنياهو لان إسرائيل لا ترغب بعملية السلام".
السلطة حاولت ان تشوه العلاقة بين السعودية وحماس
حماس وإيران
وعن خيارات حماس في التعامل مع محاور المنطقة، قال خاشقجي إن هوى الحركة تجاه السعودية والمكان العربي وهو ما تدركه المملكة ، لاختلاف حماس عقديًا وسياسيًا مع ايران، ورفضها التناغم مع الموقف الإيراني في سوريا.
وأضاف لو فعلت ذلك " لكان اكبر سلاح يستخدمه بشار في حربه من خلال توظيف الحركة السنية في صراعه الطائفي"، مشككًا في الوقت ذاته بحقيقة نوايا الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية.
وقال خاشقجي إن المعركة الحالية لا يوجد فيها منتصف الحلول اما ان تكون معي او ضدي، وكلا الطرفين ايران والسعودية لا يقبلان موقع محايدًا لحماس، مع ان الحركة تحاول القيام بموقع الوسيط للاستفادة من كلا المحورين ولأنها لا ترغب بوجود أعداء لها وهو تفكير ذكي وبرغماتي.
حماس ومصر
وفيما يتعلق بالدور السعودي في الضغط على مصر لتحسين العلاقة مع حماس، اكدّ خاشقجي ان فتح معبر رفح هو نتيجة لهذه المساعي، مشيرًا إلى أن القاهرة قدمت مؤشرات إيجابية في تحسين هذه العلاقة من خلال تراجع القضاء المصري عن حظر أنشطة حماس واتهامها بالإرهاب.
وقال إن السعودية لا تتعامل مع مصر على اعتبار أنها طرف تابع لها، ولكنها تحاول من خلال علاقاتها التأثير في تحسين الأوضاع، معتبرًا في الوقت ذاته أن ملف تعزيز العلاقة الثنائية بين مصر وحماس يبقى ضمن ترتيبات المملكة واولوياتها.
وأشار خاشقجي إلى أن الربيع العربي غيرّ من مسار التعامل الإقليمي مع القضية الفلسطينية "لوقت قريب كانت مصر تتعامل مع الملف الفلسطيني ضمن وزارة المخابرات دون ان تعترض الدول العربية اما الان فقد تغير كل شيء".
لا يوجد أي لقاء رسمي بين المملكة وإسرائيل
ولم يستبعد أن تكون المنطقة فعلًا متعرضة لمخطط سايكس بيكو جديد، لكن تدخل السعودية عبر عاصفة الحزم في اليمن، ملأ الشاغر الكبير الذي حاولت ايران ان تملأه في المنطقة، وافشل أي مخطط حاول ابعاد المملكة عن المشهد السياسي.
وذكر خاشقجي لـ"الرسالة نت"، أن ما تشهده المنطقة يشي بوجود مؤامرة من الولايات المتحدة وحلفائها لتقسيم المقسم، حيث أن المنطقة تتعرض لتقسيم زماني ومكاني على نار مستعرة، تحديدًا في ضوء ما يجري من تفاصيل دقيقة بالمشهد السوري عبر السماح بتمدد داعش إلى تدمر دون أن تعترضها طائرة واحدة من القوة الدولية، وكذا السماح للقوات الكردية الزحف شمالًا تجاه الحدود التركية، وهي معطيات تشير الى وجود من يرسم في الخطوط العامة.
وفي سياق آخر، عرّج خاشقجي على مؤتمر لوزان المزمع عقده نهاية الشهر الجاري بين ايران وامريكا، وقال إن معلومات وصلت تفيد بأن المؤتمر سيقتصر على البرنامج النووي فقط ولن يتطرق إلى مطامع إيرانية في المنطقة، وفق قوله.
مؤتمر لوزان سيقتصر على البرنامج النووي الإيراني فقط
ورأى خاشقجي أن المنطقة تتشكل من محورين، احدهما يتمثل بمحور إعادة بناء المنطقة من الاستبداد الإيراني يمثله السعودية وتركيا وقطر ودول الخليج العربي، والمحور الاخر يتمثل بالاستبداد الإيراني، منتقدًا سلوك علي عبد الله صالح رئيس اليمن المخلوع المتحالف مع ايران، رغم افضال السعودية عليه، وفق تعبيره.
واما بشان علاقة السعودية بالإخوان المسلمين، قال خاشقجي إن العلاقة ممكنة خاصة في ظل السماح لهم القيام بدور استرداد الشرعية في اليمن والمباحثات التي تجري معهم في سوريا، لكن على الإخوان ان تستفيد من التجارب النجاحة كما الحال في تركيا وتونس والمغرب، والاستفادة من التجارب الفاشلة في الأردن ومصر!، وفق تعبيره.
وردًا على سؤال لماذا أصرت السعودية على استرداد الشرعية باليمن بينما وقفت ضد الشرعية بمصر، أجاب " علينا ان نتعامل مع الواقع المصري كما هو!"، دون ان يستبعد خشية الانتقال من العمل السلمي للثوري في مصر حال استمرت احكام الإعدام بحق مناصري الاخوان.