للمرة الثانية على التوالي وخلال عام واحد فقط تفتتح كتائب عز الدين القسام مخيمات تدريب تحمل اسم "طلائع التحرير" بمشاركة أكثر من 25 ألف فلسطيني من الفئات العمرية المختلفة ما بين 15 وستين عاما. وتقام هذه المخيمات بمواقع تدريب عسكرية مؤهلة، وتستهدف تكوين نواة مشروع التحرير القادم، وتأهيل جيل التحرير من الشباب الفلسطيني روحيا وعقليا وبدنيا وسلوكيا من خلال كادر عسكري، ليكون قادرا ومستعدا لأداء دوره المنشود في خدمة وطنه.
وبهذه الخطوة تتجاوز حماس البُعد التنظيمي المحصور للوطني الممتد، وتُحول الجهد من حزبيٍ جزئي إلى جمعي متكامل، وتهدف لاستنفار قوي قطاع غزة ورفعها لمستوى التحديات، وتعكس ما يحمله العقل الواعي للمقاومة من مشروعٍ بصير ومتمكن متجاوز للمعيقات والتفاصيل الصغيرة التي تدفع المشهد للضبابية والتوهان، فتجعله واضح بين ناصع البياض من غير شوائب وتداخلات سخيفة، يجمع الكل الفلسطيني على اختلاف ألوانهم وأشكالهم. لهذا نحن أمام فرصةٍ ذهبيةٍ لتحقيق أماني هذا الجيل في الانخراط بالتدريب والتجهيز والاستعداد وحمل السلاح، مع زرع القيم الوطنية وربطه بقضيته ونقله من المتلقي للمبادر الفاعل، وهذا ما نصت عليه جميع الأدبيات الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة بتحويل العمل المقاوم لحالة عامة متجذرة في جزئيات الكتل الفلسطينية دون تمييز أو تحزب.
ويعتبر الإقبال الكبير على الالتحاق بمخيمات الطلائع قفزة في الوعي الجمعي لتحمل تبعات المقاومة، فمن حيث الأسلوب المقاوم تنتقل من النخبوية للعامة، في محاولة لإنتاج جيلٍ كاملٍ مقاوم يستطيع الدفاع عن نفسه، وستعمل هذه المخيمات على توسيع الحاضنة الشعبية للمقاومة ومشروعها، وستقف في وجه تخذيل الشاب الفلسطيني عن دوره الحقيقي، وستغير لديه نظرته للبطولة والنجومية، بعدما حصرها الإعلام المدفوع في الترفيه والمتعة.
من المعروف أن الاحتلال الصهيوني في عدوانه الأخير لم يفرق بين مدنيين ومقاومين، وهو ما دفع القسام لتحويل الشعب الفلسطيني بمجموعه لكتلة مقاومة تشارك في صد العدوان بصورة كبيرة ومتكاملة، ويبدو أن كتائب القسام لها خطط توسعية تحتاج لعناصر وقدرات أوسع واستنفار لطاقات شعبها، خصوصاً أن هذه الطلائع تربط المنتسبين وجدانياً عبر الفكرة والاسم بمشروع التحرير.
شعبنا الفلسطيني بطبيعته مجاهد وثائر وتواق للمساهمة الفعلية في العمل العسكري المسلح، وبعد نجاح القسام النوعي في حرب العصف المأكول أصبحت الجماهير في الداخل والخارج تلح على قيادتها بالانضمام والعمل في صفوف المقاومة، وهذه المخيمات قد تكون مقدمة لبناء جيشٍ شعبيٍ واسع تشارك به الأطياف المختلفة.
لهذا فنحن أمام مشروع مدروس جاء بوقت الصحيح، وأثبتت كتائب القسام أنها مؤسسة عسكرية عميقة وجريئة وقادرة على إنضاج التوجه الوطني بمسارات سليمة وصحيحة، مع تبني مشروع بحجم وقوة وتطور كمي ونوعي يناسب الهم الوطني الكبير، وبالتأكيد سيفيد الانضمام لهذه المخيمات الشاب نفسه وسيحوله إلى عنصر فاعل يعيش لفكرة ويطمح لغاية أكبر.